وجهة نظر

ديبلوماسية حز الرؤوس

صَاحَ الغُرَابُ وَصَاحَ “الشَّيْخُ” فَالْتَبَسَتْ * مَسَالِكُ الْأَمْرِ: أَيٌّ مِنْهُمَا نَعَبَا؟

هذا المقال لن ينال رضا الطائفيين، من كل الألوان والمذاهب، فهذا مطلب بعيد المنال .. ولن يحظى منهم بمرور الكرام، فهذا أعز ما يطلب !!!.. فكل من شرب من نخب الطائفية المقيتة حتى الثمالة، وسكر لسكر السكارى..

لن تحرفه رياح النقد والنقد الذاتي عن مواقعه قيد أنملة، بل تثير فيه غرائز السب والشتم، واستدعاء الفتنة ونظرية المؤامرة!!!..

لهذا فأنا لا أريدهم أن يولغوا في إنائي ، لأنني لا أريد أن تتيه أبجديتي في بيداء الضياع والعدم، أو تخوض معهم حروبا بالوكالة عن سلف صارت عظامهم رميم، فكل من لم يكن معينه صادر عن التسامح ك”انفتاح على الآخر في اختلافه، واقتراب منه في ابتعاده” فهو عائق معرفي ووجودي وقيمي ضد الإنسان وحريته وكرامته وعدالته الاجتماعية.

ومن شر ما ابتلينا به في عالمنا الإسلامي، أنظمة تيوقراطية تدعي احتكار تأويل المقدس، وتخوض حروبا دونكشوتية بلا هوادة، لامتلاك التاريخ والعقائد والفقه والأصول، وتروم إدخال العالم في ضيق التفرد والأحادية، فالانطواء على ذات نمطية، هو إفقار للوجود من أبعاده الكائنة والممكنة، والاستقرار عند أقانيم الطائفية المقيتة، هو ضياع لرحلة العمر وإهذار لكثافة الزمن.

الطائفية المقيتة لا تتحاور إلا بالسيوف، فالملالي يقتلون، والشيوخ يردون الصاع صاعين، والأبرياء يؤدون الثمن، والأغبياء يولولون ويشاغبون، وتضيع الحقائق وسط هذا الصخب المتهور، والأدخنة التي تملأ الفضاء. إن ما حملته الساحة الإعلامية من أخبار حزينة، عن عمليات شنق الهامات على أعواد المشانق في “إيران”، لمجموعة من المعارضين السنة، وما تلاها من عمليات حز الرؤوس بالسيوف لمعارض شيعي ب”السعودية”، هو تعبير عن هذا الأفق الطائفي المدمر والمنغلق..

إن الديبلوماسية في الدول الديمقراطية تتحاور بالوسائل الناعمة، ولا تتحاور بحز الرؤوس، وسفك الدماء، وإهذار الأرواح.. إن الديبلوماسية السليمة، هي فن يجعل التفرد ضعيفا أمام قوة التعدد، ويجعل قوة التعدد سدا منيعا، أمام من يريد أن يتفرد باحتلال الفضاء العام، وتدمير الآخر المخالف في محرقة الغباء الطائفي البليدة.. فكل نزوع طائفي متطرف في زمن معولم هو ارتداد أعمى، يريد أن يزيد في مضاعفات وباء كوكبنا الأرضي، ويضيف له أوراما جديدة، تضاف إلى أورام الفساد والاستبداد والعنصرية والفاشية والمجاعة والأمراض والحروب والتلوث..

إن كوكبنا الأرضي مريض، بما كسبت أيدي الناس، مريض بالعدمية والدوغمائية، والنزعات الفوضوية، والايديولوجيات الصلبة، والتكفير والطائفية، والاستغلال البشع للدين، والإقصاء العقائدي والمذهبي.. مريض بالملل والنحل المتناسلة من تاريخ الفتن الكبرى، والمرابطة على ثغور الجهل المركب، والتي لا تتحاور إلا بكل أشكال العنف الرمزي والمادي..

إن التدين الحق يبدأ بالتكليف/ الحرية، ثم الاستدلال/ العقل، ثم ينتهي بالاعتقاد/ الدين، لذلك فالطريق السيارة إليه واحدة، تبدأ بالتكليف والاستدلال، والنتائج المنتجة للاعتقاد مختلفة ومتعددة ومتنوعة، فمن نظر للناس بعين الحق عذرهم، ومن نظر لهم بعين الطائفية مقتهم.. لكن التدين المغلول عند نحل الطائفيين وملل المقلدين، يتخذ مسارا مقلوبا ومشوشا، يبدأ بالتقليد ويصادر الحرية والعقل، ويمارس الإكراه الديني والمذهبي، لتحل الضرورة محل التكليف والاختيار، والطائفية محل المواطنة والعيش المشترك.

إن الدولة المدنية التعاقدية والقانونية، هي الفضيلة والشرف والكرامة والمساواة في المواطنة، دونما استثناء أو تمييز بسبب الاعتقاد أو المذهب أو اللون أو الجنس، تمارس فن إدارة المجتمع، بممارسة فن توزيع القوة بشكل عادل، وضمن معادلة فن التنازلات المتبادلة من أجل حصول التوافق المطلوب، لكن الدولة الطائفية المارقة، كما في إيران والسعودية وغيرهما، تتخذ من ذريعة حماية المعتقد، مبررا لممارسة سلطتهما الاستبدادية على حرية الضمير، والاختيار السياسي لمواطنيها، وتصدر من المراسيم الطائفية التسلطية ما يتجاوز نطاق صلاحياتها، لحماية أمنها الروحي.. فمن يضع التدين في القلوب والعقول بواسطة القوة والإكراه، لا يصنع دينا، وإنما ينشأ إرهابا، وها نحن نشاهد ديبلوماسية حز الرؤوس تخرس أصوات العقلاء!

إن نظام الملالي في إيران، ونظام الشيوخ في السعودية، وجهان لعملة واحدة، هي عملة الدولة الكهنوتية المتخلفة، التي تحكم البشر بسيف السماء، ويتخذ فيها الأحبار والرهبان صفة الإله، ليحاكموا الإنسان، ويغتالوا العدالة، وهما الآن والهنا يتنافسان على احتكار المقدس، كلاهما يسفه أحلام الآخر، ومن غرائب القدر أنه توجد عندهما أعظم المساجد في عالمنا الإسلامي، لكن فكرهما الديني يعيش في غرف الإنعاش!!! لأنه يرسخ الخرافة والجهل المقدس، ويذكي نار الطائفية المقيتة، ويرسخ مفهوما شكلانيا للتدين، ينمق المبنى ويخرب المعنى، ويبعد الفجوة بين التدين من جهة والتخلق والتعقل والتحرر من جهة أخرى، ويحول التدين إلى طقوس عبثية رتيبة، ترفع الرايات السوداء، وتشيع الحزن واليأس والأجواء الجنائزية، وتتنادى بالثأر، وإعمال السيف في أحشاء المخالفين.

إن الطائفية المقيتة تدفع الطرفين إلى صراع صفري، كل طرف يسعى للقضاء على الطرف الأخر، وتلغي أي صراع تنافسي ينتهي بفوز الطرفين معا، فطبيعة المشروعين الملغومة والمخترقة بفتن التاريخ وقيوده، نزاعة نحو الصراع الصفري..” وأحضرت الأنفس الشح”، ولا يعدل ذلك إلا ميزان القوى أو التدخلات الأجنبية المريبة!!!.

إن ديبلوماسية حز الرؤوس، وقطع العلاقات، وتهديم الجسور، هي تعبير عن فراغ في الخزان القيمي والاستراتيجي لكلا الدولتين، وافتقاد لأي حس تفاوضي أو سياسي لديهم، فالطائفية البليدة إما إنها تخنع خنوعا تاما في لحظة الضعف والاستكانة، وإما أنها تثور ثوران الثور الهائج في لحظات القوة والتمكين. لنتساءل جميعا، ما تكلفة هذه الأنواع من الصراعات الطائفية، على مجمل الحرث والنسل والشعوب، إنها تنذر بأخطار تهدد الوجود، وتهز الاستقرار والأمن، وتعرقل النماء والنهوض، وتقضي على حكمة الحكماء، وعلم العلماء، وتجعل الحليم حيران..

إن أصحاب الأجندات الطائفية اليوم، يقفزون نحو طموحاتهم غير المشروعة، فإيران والسعودية دولتان تريد كل منهما، القفز من دولة إقليمية لها وزنها على أية حال، إلى دولة تمتلك الإقليم، بدون أن تمتلك كل منهما قدرات ذلك وإمكاناته، سوى لغاتهما الخشبية الطائفية، وبياناتهما النارية، وطقوسهما الخرافية، وسوف يغرقون المنظقة بالدماء والأشلاء، ثم يقفزون من العربة، لأنهم جبناء لا يستطيعون تحمل نتائج ما ستحصده أيديهم!!!

الجديدة في 05/01/2016