وجهة نظر

السيناريوهات المرتبطة بالمشهد السياسي في انتخابات 2016

مع مطلع الشهر الأول للسنة الميلادية الجديدة يبدأ العد العكسي لحكومة السيد عبد الالاه بنكيران و التي لم يتبق في عمر ولايتها على أقصى تقدير سوى ثمانية أو تسعة أشهر ، الشيئ الدي يطرح معه و بمنهجية الملاحظ الموضوعي والمتتبع لمعطيات الحراك المرتبط بالحقل السياسي و الحزبي بالمغرب و على الخصوص في الآونة الأخيرة، و الدي قد تجمعت من خلاله مجموعة مؤشرات ومعطيات قد تسعفنا في محاولة تفسير الموقف و السلوك للفاعل السياسي سواء من موقع الاغلبية المسيرة او المعارضة، مع استشراف مختلف السيناريوهات الممكنة للمشهد السياسي في أفق انتخابات 2016.

مند الوهلة الأولى سنصطدم على مستوى التحليل بمسلمة نسبية قائلة بأن نتائج الانتخابات هي المتحكم الرئيسي في الخريطة السياسية و الحزبية لمسار التحالفات السياسية و الحزبية في اية انتخابات، وهدا ما لا يختلف حوله اثنان او عاقلان، لكن و بنوع من الحدر المنهجي في التعاطي مع مثل هده المقولات الجاهزة التي لا يكون من ورائها سوى فرض نوع من الستاتيكو الممنهج أو الطابو ضد أي نقاش يمس هدا الشأن و يحاول الغوص فيه حتى لا يتم التشويش على أو فيما يتم التحضير له و يجري من ترتيبات داخل المطبخ السياسي الحقيقي الدي سيستفيد لا محالة من سلبيات و تبعات الطبخة الحكومية بنسختيها الاولى و الثانية، الشيئ الدي يدفعنا و بكل شجاعة و عزم الى ضرورة استثارة القلم و استفزاز العقل السياسي المغربي من أجل محاولة استكشاف معالم الخريطة السياسية في أفق انتخابات 2016 مستثمرين في دلك ثلاث مؤشرات رئيسية:

+ مؤشر أول : مرتبط أساسا بنتائج انتخابات 4 شتنبر و التي تحضر بشكل قوي على مستوى طرح أي فرضية مرتبطة بمستقبل المشهد السياسي لمغرب 2016 باعتبار ها مؤثر رئيسي و محوري في توجيه و صناعة الرأي العام الانتخابي و كدا التأثير بالتبع على مجريات العملية السياسية برمتها بدءا بحجم المشاركة و الدي من المنتظر أن يرتفع باستحضار نسبة 42% المسجلة في انتخابات 4 شتنبر 2015 ومرورا بنتائج الانتخابات التشريعية وانتهاءا بخريطة التحالفات والتفاوضات الحزبية و افراز الهيكلة الحكومية، هدا كله راجع اساسا الى ضيق الزمن السياسي الحاصل بين سياق ونتائج انتخابات 4 شتنبر و التي قد تلقي لا محالة بظلالها على مخرجات العملية الانتخابية و السياسية لانتخابات 2016.

+مؤشر ثاني هو الآخر يحضر بشكل رئيسي و هو مرتبط اساسا بالمؤشر الاول و يتعلق بحصيلة الاداء السياسي العام للاغلبية الحكومية و بمعيارية السلوك السياسي لدى السيد رئيس الحكومة، و التي يمكن تسجيل أنها كانت ايجابية إدا ما استحضرنا مرجعية نتائج انتخابات 4 شتنبر وما ارتبط بها من حصول احزاب الاغلبية الحكومة على نتائج مهمة على الخصوص في الدوائر الحضرية على اعتبار أن حضور الشأن العام الحكومي يحضر بشكل كبير و مركزي في اهتمام المواطن بالمدينة و وبشكل متوسط و احيان ضعيف عند المواطن القروي. هدا الى جانب أن ما تبقى من العمر السياسي لهده الحكومة على مستوى برنامجها سيقتسم ما بين تنزيل القوانين التنظيمية المتبقية المرتبطة بأجندة دستور 2011 وكدا التحضير للانتخابات التشريعية ل2016 تشريعيا و تنظيميا و لوجستيكيا و استكمال بعض الاوراش القطاعية و مواكبة تنزيل ورش الجهوية المتقدمة، و حتى الرهان على التأثير على أداء هده الحكومة او اضعاف شعبيتها فيما تبقى من جولات الصراع السياسي من خلال محاولة سيناريو استثمار و استغلال بعض القضايا دات البعد الاجتماعي(قضية الاطباء، قضية الاساتدة المتدربين، الحوار الاجتماعي،,,,) او الهوياتي( الامازيغية،,,,)و التي هي بشكل موضوعي محط خلل او تقصير او حتى تعنت من طرف الحكومة من أجل توتير المشهد السياسي و خلق اجواء اللاثقة و اللاستقرار و اللاأمن هو رهان ضعيف و قد تأكد بالملموس من خلال تهافت واقعة الخميس الاسود وتضارب المواقف و الروايات بشأنها و ارتباك الموقف النقابي تحول الاعتصام النقابي الى وقفة امام البرلمان وكدا فشل اخراج جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين هدا من جهة ، و التعاطي الايجابي و الدكي لرئيس الحكومة، أي بمعنى آخر الرهان الضعيف و المحدود على الضربة القاضية او الجولة الاخيرة من الصراع مع هده التجربة الحكومية .

+ مؤشر ثالث و هو الآخر كدلك مهم رغم كونه ثانوي مرتبط اساسا بحصيلة الاداء و الفعل السياسيين للمعارضة وما يتعلق بالتحول في بنيتها الوظيفية (قضية حزب الاستقلال و قضية فك الارتهان بحزب الاصالة والمعاصرة ) و في موقفها السياسي اتجاه الحكومة (حزب الاستقلال وموقف المساندة النقدية للحكومة) بالاضافة الى عملية اعادة ترميم بيتها الداخلي ( واقعة المصالحة بين حزب الاستقلال وتيار بلا هوادة بزعامة عبد الواحد الفاسي)، والمد والجزر الدي يعيشه البيت الاتحادي وترددات مواقفه، بالاضافة الى المخاض التنظيمي الدي يعيشه حزب الاصالة و المعاصرة في أفق عقد مؤتمره في نهاية يناير من هده السنة، ناهيك بعض المعطيات المرتبطة ببعض التحركات و الاشارات في سياق سباق انتخابات 2016 و التي لم ترق بعد الى مستوى النضج و الموقف السياسي للاستناد عليها كحجة في التحليل و التفسير و الفهم ، والتي في النهاية لا تبرز وضوح الرؤية و الموقف بشأن امكانية بناء تحالف متين للمعارضة على أساس برنامجي وموضوعي دون الخوض في تفاصيله و ابعاده في سياق ربح ما تبقى ساعات أو شهور الزمن السياسي في أفق انتخابات 2016.

كل هده المؤشرات و غيرها يمكن ان تسعفنا في محاولة و لو نسبية لاستكشاف و طرح سيناريوهات المرحلة السياسية الراهنة و المقبلة في افق انتخابات 2016، والتي يمكن اختزالها في ثلاث سيناريوهات اساسية :

+ السيناريو الاول و الدي يأخد حظه المحوري و المركزي بالنظر الى مخرجات ومعطيات المشهد السياسي المغربي الراهن و باستحضار تلك المؤشرات الثلاثة المرتبطة به،وهو استمرار التحالف الحكومي الحالي بوجود او بقيادة العدالة و التنمية لا يهم، لكن ربما سيتم تعزيز دلك بحزب او حزبين من داخل المعارضة بالاضافة الى الاستمرار الممنهج لالية التكنوقراط من أجل الحفاظ على مستوى التحكم في سرعة الزمن السياسي في سياق دستور 2011 وما يرتبط به من شعارات العدالة السياسية و الانتقال الديمقراطي و مناهضة كل اشكال الفساد و الاستبداد و القطع مع كل ممارسات التحكم الحزبي و السياسي و المؤسساتي وتنزيل مطلب ربط المسؤولية السياسية بالمحاسبة، لكن الاهم من دلك هو الرهان الاساسي وهو الاشتغال البرنامجي على المدى المتوسط او على الاقل الست سنوات المقبلة من اجل اضعاف حضور تيار العدالة والتنمية داخل الفضاء العمومي بشقيه المؤسساتي و المدني باستثمار اما بعض التناقضات التنظيمية و التي قد تطفو داخل الحزب وكدا استفزازه اوجره لمعارك هوياتية و ثقافية بالنظر للتحول القيمي الدي يعرفه المغرب هدا من جهة، او باستدعاء بعض التحديات او التهديدات المحدقة بتدبير ه المحلي الراهن للعديد من المدن دات الاولوية الاستراتيجية في اجندة الدولة( طنجة الكبرى،الدار البيضاء الكبرى،,,,) مستحضرين في دلك الرهان الكبير المطروح على التنزيل الفعال والحكامي لبرنامج الجهوية المتقدمة في أفق ربح الرهان التفاوضي المرتبط بمقترح الحكم الداتي بالاقاليم الصحراوية.

+ السيناريو الثاني : و هو يأخد حظه من الموضوعية لكن بنسبة متوسطة و هو استمرار التحالف الحكومي الحالي بمشاركة او قيادة العدالة والتنمية لكن المستجد هده المرة و هو باحداث خلطة او طبخة لا مداق و لا طعم لها قد تاخد حتى اقصى اليسار او اقصى اليمين بهدف خلق فسيفساء او كشكول حكومي يضم مختلف الاطياف الحزبية ودلك من أجل الاشتغال على رهان أساسي وهو رهان التدبير، بمعنى استكمال الاوراش الاستراتيجية التي انطلقت في التجربة الحكومية السابقة من قبيل : ورش الجهوية المتقدمة، اوراش الاصلاحات الاجتماعية : المقاصة، التقاعد،الصحة ، التعليم،,,, وكدا استكمال التنزيل التشريعي و الهيكلي للعديد من مؤسسات الحكامة و الوساطة وكدا البرنامجي للعديد من القضايا : الامازيغية، بشكل يتطلب معه تعزيز الثقة في التجربة الحكومية الحالية ، لكن المهم هو تعزيز مسار بناء المؤسسات و الرفع من وتيرة وجودة التدبير العمومي بشقيه الحكومي و الترابي ، بهدف تأثيث البناء الدستوري وبمنهجية شكلانية دون استدعاء المضمون الديمقراطي و الرفع من وتيرة حضوره و ربما تهافت الخطاب المرتبط بالوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011 في مقابل تقوية دعائم السلطوية و لو بأشكال و أثواب ديمقراطية جديدة او شعارات جديدة من قبيل “تحديث المخزن” او “المخزن الحداثي”.

+ السيناريو الثالث : و هو يحظى كدلك بنوع من النسبية و المحدودية وفي سياق التدافع السياسي الحاصل اليوم داخل المشهد السياسي المغربي ، وهو الدفع بتشكيل حكومة قوية و معارضة قوية من أجل اعطاء نفس الاستمرار في تثبيت مضامين وسياقات التعاقد السياسي الدي افرزته وثيقة فاتح يوليوز 2011، المفضي الى الاولوية الاساسية و الاستراتيجية في المغرب الراهن او مغرب ما بعد 2016، وهي اولوية الخيار الديمقراطي و القطع النهائي مع زمن السلطوية، الديمقراطية بما هي قيم سياسية للتداول السلمي و المشروع حول السلطة و كالية للتوافق و تدبير الخلافات و النزاعات و احترام السيادة الشعبية و التمثل السلوكي و البرنامجي لمختلف الشرعيات الدستورية و الانتخابية و السياسية، وبما هي الية كدلك للتوزيع الديمقراطي للثروة و لتكافؤ الفرص و الحق في الاستقرار و العيش الكريم. وبما هي قيم لاحترام لكافة الحريات و نبد التعصب و التطرف الديني و اللاديني و التمدهب و الاعتراف بالآخر و التعايش معه تحت دائرة الثوابت الوطنية للمملكة المغربية.

هدا كله يطرح علينا و بمنطق التفكير الجماعي و الجمعي استحضار مختلف هده المؤشرات و السيناريوهات من أجل اعادة تشكيل العقل السياسي المغربي وفق قواعد الديمقراطية والمواطنة والعدالة الاجتماعية و الكرامة و المسؤولية السياسية والعيش المشترك و المساواة و الحكامة المحلية.