وجهة نظر

حكايات مع اللغات واللهجات في العم سام

إن أول ما تصطدم به في أمريكا عند ولادتك الأولى بها اللهجة المصرية، تتكلم بها وكأنك تمثل دورا لعادل إمام، “إنت عاوز إه، ياحبيبي رايح على فين، شغّال بكرة أو لاأه…” وبعدما تمسك بزمام الأمور لهذه اللهجة العاطفية عند أصحابها، تصطدم مرة أخرى (بالإنگليش) كما يقول الأشقاء المصريين، “عندها تتلعثم وتتعلم بعض الجمل الأمريكية وبعدها (تولي تسْبكِي شويا ديال لونگلي)، تتكلم وكأنك من السود الأمريكان، لأن من أراد أن يقلد هذه اللغة الخشنة يقتدي بهم، وأول ما يتعلم F world، وبعدها كلمات الجذب والشجب :(What’s up,)(what you doing)”.

وعندما تعرف المداخيل والمخارج للهجة الأمريكية وليس اللغة في قواعدها، تحاول أن تحسن من مستواك وتجمجم وتغنغن، لأن في هذه اللغة ذوق خاص يختلف عن باقي اللغات، ونطق الأمريكان يختلف عن باقي الناطقين بالإنجليزية، وتجدر الإشارة إلى أنه من الضروري معرفة لغتهم فبها تأكل الخبز كما يقال، ثم تجتهد بعد ذلك لتطل على لغات العالم الأخرى، فتقبل على لغة (شروخان) رائد الأفلام الهندية والباكستانية وتطلق لسانك لتتكلم باللغة الأوردية وتقول: زندكي، ميتوم سبيار كرتاهو، إندر گرميها، ثم تنتقل إلى لغة الدب الروسي، مجتهدا في تعلم بعض المفاتيح وتحاول أن تتكلم بالروسية، وتقول لمن تشم فيه رائحة بوتين، خرشوا، سبّا سيبا، توتشنا، وبعدها تفكر في لغة أهل الصين، ولتعلمها لا بد أن تتقن رقصة كناوا لكي تمسك بطلاسم اللغة وإن قدر لك الإمساك بشيء، فأول وآخر ما تحصل عليه هو (نيهاو) و(ساسان).

وأما عندما تستمع للهجة اليمانية، فتشعر وكأنك تتكلم مع قبيلة بني حمير، “إش تشتي والله حنا شعب يمني عظيم، ننطگ بالحكمة”، وإن كنت تبحث عن اللحم الحلال فتطرق باب الأتراك، يتعاملون معك بأدب واحترام، وتتقن من لغتهم بعد أن تتسلم أغراضك بقولك تَشَكّرْ. وعندما تمر في بعض الشوارع التي يقطنها أهل المكسيك، وگواتي مالا، تأخذ من لغتهم بعض الكلمات وتعبر بها وكأنك منهم، ويكون أول ما تنطق بِه: أميگو كِيپَاسَا، موتشو طرباخو بوكيطو دينيروا، گراسياس.

وعندما تذهب إلى الوطن في عطلة أو زيارة، “يتلفوا لك النوامر” وتجد نفسك لا تتكلم إلا لغتك الأصلية، “وفين يا صاحبي كاين شي ولا الفرشي”، “وفين يا عشيري”، إنها اللهجة المغربية التي تتميز عن باقي اللهجات، فلا يتقنها إلا المغاربة ولا يفهمها إلا هم وبعض الأشقاء الجزائريين. أذكر لكم قصة وقعت لي: ذات يوم في الشهر الأول كان لي نقاش مع أحد المصريين، إختلافنا في العمل، “طلّع لي الدم”، وأردت أن يفهم أني غاضب منه، حتى يلزم حدوده و يتقي ردة فعلي، فإذا بصاحبنا لا يكثرت، بدأت معه أتكلم لغة الفرزدق فإذا به يزقزق ولا يهتم، عندها غيرت الايقاع، وقلت له: “شوف جمع راسك ولاّ نخلي عشتك”، ورد قائلا: “إنت بتكول إه”، قلت: “له سير عند سيدنا google وغدي يقول لك أنا أكول إه”، فقال: “والله يا هشام فكرتك تتكلم فرنساوي” وأجبته قائلا: “سير الله يداوي وخذ لك شي ملاوي راك خاوي داوي.” وتحول النقاش من حالة غضب إلى ضحك، وكلما التقيت به أذكره بذلك اليوم، و يخاطبني مقلدا لهجتي: “جمع راسك أصاحبي”.

كثيرة هي القصص التي تقع للمغتربين في بلاد العم سام، سأحول أن أروي لكم من أخبارهم إن شاء الله، وأسأل الله التوفيق والسداد إلى ما فيه خير البلاد والعباد.