وجهة نظر

تأملات في أغنية غير خدوني – ناس الغيوان

..غير خدوني ، كثيرا ما أستمع إلى أغاني ناس الغيوان لكن في كثير من المرات تأسرني أغنية غير خدوني . أغنية ذات بوح الألم والحزن والكآبة واليأس ، غير خدوني مضمون معرفي ونسيج نصي متلاحم تحكمت في صوغ معانيه وتشكيل مضمونه رؤية واقعية نقدية ومرجعيات فلسفية تمتح من التراث وفي منأى عن مواجهات إيديولوجية .

صوت شجي يبدأ في أداء موال يوحي إلى قلب يعتصره الألم ، يتبعه أخر متحدثا عن الريم التي هي منها مولوع ، كل هدا في تناغم تام بين ألتي الهجهوج والبانجو .

..غير خدوني ..روحي نهيب لفداك ..غير خدوني ..وماصبر انا على الليمشاو أنا ماصبر..صفايح فيدين حداد أنا ماصبر.
ينطلق هدا القول من فرض منهجي أساسي مؤداه أن العقل خضع لنسق ثقافي مضمر تولى صياغة الرأي وتوجيه الكلمة حيث الهدف والمقصود ، عبر الفن والحيلة تصل الرسالة الى المرسل إليه من طرف مجموعة تغنت بألأم الشعب وكل المحرومين والمظلومين.
..غير خدوني ..الدم المغدور..الطاعني من خلفي..الدم فالصحاري جافل منك..الموت وحدة هي غير خدوني ..دلالات مفهومية كلها كلمات تحمل معاني الحزن والفراق والموت ولألم واليأس هي صوت الشعب ، نبض الشارع وهموم البسطاء .
مابعد غير خدوني.

هو سعي إلى التحرر ورفض الظلم والتنبيه إلى سيادة العقل الموضوعي ونشر روح التحرر ورفض كل الأنساق الاستبدادية ،وبدلك غير خدوني هي تأسيس فعلي للمواطنة ..غير خدوني ( الأغنية) تظهر فيها الطبقات الصوتية واللحن الموسيقي في تناغم تام يعبر عنه أل الفن باكتمال الجوقة ، ناهيك عن عن دلك التماهي الذي عبر عنه باكو وهو يرقص على إيقاع المقطع الأخير من الأغنية في سفر يسافر من خلاله القلب عبر درجات الخيال حتى يجعلك بموسيقاه تعتبر كل ما هو جسمي هو مرتبط بالضرورة بما هو روحي وما هو محسوس مرتبط بما هو معنوي .

هذا السفر الذي شدني إلى التأمل في ناس الغيوان لم ينته بعد إلى تأويل الصور الروحانية والثورية لناس الغيوان ضمن دائرة الفن ،كتعبيرات حدسية لعملية الصعود الرمزي والتي بمقتضاها أعتقد يسافر العربي أو بوجميع أو باكو ابتداء من محاكاة الطبيعة في اتجاه جنة النمادج الاصلية المعقولة .

غير خدوني..حيت المقطع الأخير “الله بابا جاوبني ، علا ش انا ضحية للصمت ، ..بابا وحج المقدس ..بابا مشتاق نشوفو.. ” رسالة يعتصرها بوح الألم تتغنى بها المجموعة بموسيقى غاية في التميز انها رسائل عن السلم و الحرب والحب والسلام وفلسطين والعالم والذات والوجدان عن الحياة والموت عن الوحدة والحزن عن الكآبة والغربة عن الله و الإنسان.

غير خدوني ..تختزل تاريخ من الغناء الثوري والروحي والوجداني والتعبير الفني عن هموم الناس و آمالهم وعن المعاني العميقة والأحلام الكبيرة .

أما قوة الأداء فتظهر في التناغم الرهيب والإيقاع والقدرة على الاستمرار واستشارة الخيال الموسيقي المتنوع والثري للمواطن المغربي والعالمي أقول العالمي وأنا استحضر كلام جيمي هاندريكس في حق عبد الرحمان باكو..مهمومة..غير خدوني ..نرجاك أنا..ياجمال..ضايعين والهمامي وغيرهم كثير من أغاني ناس الغيوان ترددها فئات متعددة ومتنوعة من أبناء الشعب المغربي بل أصبحت هذه الأغاني في مرحلة معينة من تاريخ المغرب ،ومازالت تشكل ملاذ هروب واحتماء ، من سياط الفقر وقلة ذات اليد وانعدام الحريات واهانة الإنسان والرغبة في التحرر.