وجهة نظر

المشروع الديمقراطي.. إيقاع بطيء وارتداد إلى الخلف

النظام المغربي بارع في التفويت والتبديد، يطرح المسلسلات والمشاريع، فتغدو المسلسلات طويلة، والمشاريع تبقى مشاريع إلا أن تقوم الساعة، ومن راقب الأنظمة مات غما –كما يقال-..

وفي هذا الصدد فقد طرح النظام المغربي في منتصف الثمانينات ما سمي ب”المسلسل الديمقراطي” وكلمة مسلسل توحي بسيناريو متعدد الحلقات، وديكور وماكياج وأقنعة وتشخيص محبوك الإخراج، شبيه بمسلسلات ألف ليلة وليلة، وليالي الحلمية، والحاج متولي، والمسلسلات الميكسيكية أو التركية الرتيبة الايقاع.

“المسلسل الديمقراطي” هو قالب يضيق بديمقراطية الآن والهنا، ويتسع لديمقراطية الجرعات، يسير عندما يراد له أن يسير، فيسير سير السلاحف، ويتراجع بعدما تنفذ بطارية سيره، ويستنفذ أغراضه الإعلامية والكرنفالية، تراجع العدائين الكبار..

وبعدما تمر مجمل حلقات “المسلسل الديمقراطي”، وتصير ثقيلة، ويقل مشاهدوها، تأتي فصول “المشروع الحداثي الديمقراطي” في بداية الألفية الثالثة، ويمر أكثر من عقد من الزمن، والمشروع يبقى مشروعا، لا يغادر هلاميته، ولا يتحول إلى برنامج عمل، لأنه يراد له أن يسكن في قاع المشروع وللأبد!..

لماذا يتم اقحام هذه القيود على الديمقراطية.. اقحام مسلسل طويل الحلقات، ثم اقحام مشروع بدون مصادقة أو مصداقية؟!.. لماذا لا يستحضرون الديمقراطية إلا بهذه القيود اللاجمة.. أهو هندسة لها حسب المقاص، حتى لا تفضي الجرعات الزائدة إلى كوارث، لا تحمد عقباها؟!.. أم هي فوبيا تصاحب قوى التحكم، كلما التقط جهاز تنصتها كلمة “الديمقراطية”، منبعثة من أفواه الضحايا، فتعيش رهابا عظيما، وتتحسس مسدسها، لتكتم هذه الكلمة الفاضحة ؟!

الديمقراطية نبتة برية لا تخضع لقيود، ولا تتنازل عن حقوق، ومن يريد أن يهجنها، يحولها إلى سم قاتل.. الديمقراطية هي الديمقراطية كالمرآة فاضحة، ترفض أن تجزأ، أو تفصل حسب المقاص، وتصاب بالانهيار والقرف إذا ما استخدمت لتأثيت مشهد غير ديمقراطي، أو تبرير وضع تسلطي، أو تقديمها في وصولات إشهارية، شبيهة بوصولات الصفقات التجارية.

الديمقراطية بدون سيادة الأمة تغدو ورودا بلاستيكية، تنبعث منها روائح المعامل النتنة.. الديمقراطية بدون تداول فعلي على السلطة، هي ديموكتاتورية هجينة، تقدس الألفاظ، وتغتال المعاني.. الديمقراطية بلا فصل حقيقي للسلط، وبدون محاسبة، هي ماركة غير مسجلة في مدونة المجاميع القانونية والحقوقية..

فوفروا عنكم أيها الحاكمون العناء، واختاروا بين الديمقراطية أو الاستبداد، ولا تخلطوا بينهم، فليس في الطريق منتصف طريق، وليس أمامهم والله إلا صدق الإرادة، وصواب العمل، لتكسبوا الجولة، وتتوجوا بتاج الديمقراطية فوق رؤوسكم.. فالديمقراطية ترفع شعوبا، وتضع آخرين، فلا تستبدلوا الرفعة بالضعة، فتضلوا عن الطريق، وتضيعوا المفتاح.

ـــــ
الجديدة في صبيحة 22/12/2015