وجهة نظر

عندما يتحول الحلم الأمريكي إلى كابوس مزعج

إسمحوا لي أن أتكلم معكم من باب التجربة ، كثيرا ما يتردد على مسامعنا المثال القائل : (اللهم قطران بلادي ولا عسل البلدان) فمن يتأمل في هذا الكلام يتوصل إلى فكرة أساسية وهي : كل أقوال المتقدمين جاءت نتيجة التجربة ومحاكاة الواقع ، فبعض الناس بمجرد ما يفتح له باب العم سام يظن أن أبواب الجنة قد فتحت له، ويقول في قرارات نفسه سوف أذهب إلى أمريكا حيث كل شيئ يوجد، وينسى ماذا ينتظره في هذا البلد من الآلم و المعاناة، و أتذكر عندما ذهبت للقنصلية الأمريكية بالبيضاء من أجل المقابلة ، رأيت أحد المقبولين لما أخبروه بنجاحه خرّ ساجدا، وبعضهم أغمي عليه عندما أخبروه بعدم قبوله ، أمام هذه الحالات المختلفة أتساءل هل لهذه الدرجة تستحق الولايات المتحدة الأمريكية أن نفرح لها لدرجة السجود ، أو نحزن عليها لدرجة الإغماء ؟

لكن عندما يعيش المهاجر الحقيقة يكتشف أن الحلم أصبح كابوسا يَقُضّ مضجعه ، فبعض القرّاء سيقولون ربما كاتب هذه الكلمات إنسان ينكر نعمة العم سام أو إنسان مغفل !

أخي الكريم إذا كنت تعيش في بلد عنوانه الرأسمالية المتوحشة ، فأعلم أنك سوف تعيش المعاناة و الالم ، لأن المجتمع الرأسمالي يعيش حالة الفردانية ، وكل واحد يفكر في نفسه ، و يسعى إلى الربح المادي الشخصي ، لذلك لا تجد ذلك التعاون و التكافل الاجتماعي الذي جاء به الإسلام ، أضرب لكم مجموعة من الأمثلة التي يعيشها المغتربون ، لأبين لكم الحالة التي حالتهم في دار الغربة ، أول مثال يمكن أن أذكره لكم : الساعة تمثل بالنسبة للمغتربين قيمة مادية بمعنى أنها تساوي مجموعة من الدولارات ، لذلك تجد أغلبهم يشتغل الساعات الطوال من أجل توفير المال.

ومن الأسباب التي جعلت للساعة قيمة مادية الغلاء المادي لمتطلبات الحياة بالعم سام ، فكل شيئ له قيمة مادية ، فبقدر ما يكون دخلك تكون نفقاتك ، و كفكرة عامة عن الحياة المعيشية بالعم سام ، يمكن القول أن السبب الرئيسي في انهماك المغتربين في العمل لساعات كثيرة ، من أحل دفع ( الكراء ، الفواتير : الكهرباء ، الهاتف ، الأنترنيت ، الكاز ، التنقل ، الضرائب ، المخالفات (لمن إرتكبها) …) أمام هذه الأمور يتعين عليك أن تشتغل ليلا ونهارا ، أضف إلى ذلك إلتزاماتك الأسرية في الوطن ، لهذه الأسباب يتحول الحلم الأمريكي إلى كابوس يزعج كل مغترب .

ومن بين الغرائب العجيبة في بلاد العام سام ، قد تسكن في بيت رفقة مجموعة من الأصدقاء و لا تتمكن من رؤيتهم لمدة أسابيع ، فمنهم من يشتغل ليلا ، و فوج آخر يشتغل نهارا ، و هذا يمنع من تحقق اللقاء فيما بين أفراد البيت ، فمن سلبيات بلاد العم سام لا يترك لك أوقات الزيارة ، أو أي وقت حر يمكن لك أن تستغله في أمور أخرى ، وهنا أذكر لكم قصة واقعية لمهاجر مصري متزوج له أبناء ، كان يشتغل طيلة الأسبوع فقامت بنته الصغيرة بجمع مئة دولار و طلبت منه أن يجلس معهم يوم واحدا و تدفع له مقابله ، فإرتفاع المصاريف المعيشية يحتم من المهاجرين الاشتغال لساعات كثيرة ، أو البحث عن عمل إضافي .

كثير من الناس يعتقد أن الغرب جنة الله في الأرض ، هذا بالمقياس المادي الصرف ، و كل من أدمن على مشاهدة الأفلام الهليودية يتمنى أن يكون حضه زيارة العم سام ، صحيح هناك تقدم كبير في جميع المستويات ، لكن إذا كان هذا التقدم مصحوبا بغياب الإستقرار النفسي للإنسان ، فلا معنى لوجودك في هذه الحضارة المادية ، إن ما يميز تواجدنا في بلادنا و إن نعتت بالتخلف فهي رمز الاستقرار و الأمن الروحي ، ففي الوطن تستطيع سماع الأذان خمس مرات في اليوم ، و بذلك لا تحرم من أجر سنة الأذن ، بالوطن تشعر بقيمة رمضان ، وبه تحس بحلاوة فرحة العيد ، فكل هذه القيم الدينية تكون مفقودة أو باهتة في بلد العم سام ، فهل يتحول الحلم إلى كابوس يضايقك حتى في دينك أيها المغتــــرب ؟

ملاحظة أخرى كثيرا ما يعاني منها أغلب المغتربين ، كلما تيسرت ظروفه و تفضل بزيارة و طنه يشعر بعشرات النظرات تخترقه ، فكل واحد ينظر إليه من زاويته الخاصة ، و أذكر ذات يوم كنت جالسا مع مجموعة من الأصدقاء نناقش مواضيع مختلفة فقال أحدهم : (سعداتك انت شنو خاصك راك مشيتي الى الدول المتقدمة…)

لكل من يبحث عن المال و الانبهار بالحضارة الغربية في بنياتها و تكنولوجيتها في غياب الدين و الالتزام به قولا و عملا ، لا راحة و سكينة في حياتك و ان كنت تملك الملايير ، فأن أموت على ديني وأقنع بما قسم الله لي خير من أن تطلب الدنيا حتى تنسيك دينك .