وجهة نظر

دفاعا عن المدرسة المغربية العمومية

بؤس المدرسة العمومية المغربية واقع معيش لا تعريه التقارير الدولية والوطنية فحسب، وإنما تعترف به السلطة الحاكمة كذلك، وجل الفاعلين السياسيين والمهتمين بالشأن التربوي، وهو واقع مر لا تخطئه عيون الملاحظين والمتتبعين والممارسين وضحاياه كذلك.

ولعل علامات الأزمة التي تنخر جسد التربية والتكوين في هذا البلد عديدة بحيث يصعب حصرها، وأبرزها : التمثلات الاجتماعية السلبية حول المدرسة المغربية، وكذا الأرقام المهولة عن البطالة “الرسمية” والمقنعة. دون أن ننسى ظواهر العنف المدرسي والتحرش الجنسي وتعاطي المخدرات…المنتشرة في محيط مدارسنا.علاوة على غياب واهتراء البنيات التحتية، و ضعف البحث العلمي…وما تذيل تعليمنا للمراتب المتأخرة في التقارير الدولية حول التنمية البشرية إلا صورة صادمة عن هذا الأمر، واللائحة تطول…

صحيح أن مسؤولية النظام السياسي والحكومات المتعاقبة والأحزاب السياسية…في ما آل إليه واقع تعليمنا ثابتة (بالنظر لغياب الإرادة السياسية لإصلاح المنظومة التعليمية – تنفيذ سياسات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية – تنزيل الوصفات الجاهزة بشكل أحادي – ارتجالية المشاريع – تغليب الرؤية السياسوية- الإيديولوجية على المنظور العلمي البيداغوجي…). لكن ذلك لا ينفي مسؤولية النقابات والمجتمع المدني وجمعيات آباء وأولياء التلاميذ والأسر، وكذا الأطر التربوية والإدارية… الخ ( بالنظر إلى مواقفها اللامبالية والمتواطئة تارة، وحتى بصمتها واستقالتها من الشأن التربوي تارة أخرى، أو السعي وراء مصالح فئوية ضيقة…).

وإذا كان واقع المدرسة العمومية هذا لم يعد يخفى على أحد، فإن السؤال الذي يراد له أن يظل طي النسيان، وأن يبقى سجين اللامفكر فيه، هو: من المستفيد من تدمير المدرسة المغربية العمومية؟

يبدو لي أن هذا التخريب يصب في صالح جهتين إحداهما خارجية، والأخرى داخلية. ألمح في الأولى إلى المؤسسات الدولية المالية، وأخطبوطات العولمة الجارفة، والشركات العابرة للقارات التي حلت محل الإستعمار التقليدي، والتي تشتغل على رهن مستقبل الأجيال بالمديونية كحبل تلفه على عنق إرادة الدول. فهي من مصلحتها أن تنتج المنظومات التعليمية أكفاء- تقنيين ومتخصصين- ضيقي الأفق يضطلعون بدور الأقنان الجدد في عالم الرأسمالية المتوحشة. مهمتهم الإنتاج والإستهلاك دون الإحتجاج…

وأشير من الناحية الثانية إلى النظام السياسي الذي يمتح شرعيته من هذه الخلطة الهجينة بين مقومات تقليدية وأخرى حداثية، وليس من مصلحته أن تتجسد المدرسة المغربية الحداثية على أرض الواقع، التي ستكرس قيم الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان… بمعناها الحقيقي لا الشعاراتي. هذا دون أن ننسى لوبيات التعليم الخصوصي التي “تسلع” التربية والتعليم وتستثمر فيهما (ولنلقي نظرة على امتيازات المدارس الخصوصية، من قبيل : الإعفاء الضريبي- تفويت العقارات لهذه المدارس بأثمان بخسة – الدعم المزمع تقديمه من طرف الدولة لهذه المدارس- فصل التكوين عن التوظيف الذي يهدف لتكوين الأطر التربوية بأموال دافعي الضرائب لصالح الخواص، لنفهم حجم استفادتها …).

بيد أن التفكير مليا في النتائج بعيدة المدى التي ستترتب على تدمير المدرسة العمومية، يدفعنا للقول إنها ستكون وخيمة بحيث لن يسلم منها أحد. فحرمان فئات عريضة من الشعب من حقها في تعليم ذي جودة سيجعلها تسقط فريسة اليأس وانسداد الآفاق أمام معطوبي هذه المدرسة تنتج عنه ظواهر البطالة والجريمة و التطرف الفكري والديني…التي تعاني منها المجتمعات المعاصرة.