وجهة نظر

الصحفي القوامجي.. بين الخبر والتهريج

الصحافة ليستْ بذلة على بياضْ..ربطة عنقْ، قاميجة سوداءْ، بنطالون أسودْ. جيوب فارغة، الصحفي الزاعم الخاطئ هو الذي يؤمن حرصاً بمقولة، أنَّ الخبر الصادقْ هو رائد الإصلاح السياسي والاجتماعي والثقافي في العالم المدفونْ،أمّاَ القارئ الملوثْ فكرياً فهو الذي يؤمن بوجود طليعة على المستوى الفكري تؤثث لثالث عالمي سلمي، يؤمن بها إيماناً قطعياً، فيساومْ، ويقاومْ، ويُغلّبْ بمشيئة فهمه السطحي على كل ما يبلعهُ ويصدقه، حتى يصل في الأخيرْ إلى فهم بسطَّ الأمور بجسارة تحليلية وقوة منطقية متردية لا ترديه قتيلاً فحسبْ، وإنما ساجداً في أتم خشوعه وخضوعه، “أتمنى أن أزور باريس..وأضع إكليل ورد على الساحة التي قُتلوا فيها.” تابعاً لصحفي مبعثرْ الهدفْ، نصُهُ مليء بالحشو، وكلماته منفوخة بتهاويل الغربْ، وخبره كان في ما كان من قبله خطأ في خطأ، هذا الصنف من معتنقي السخافة العالمية، كتب أنَّ فرنساَ هي المُخلصْ الوحيدْ من طعنة الإرهابْ في العالمْ،

واعتقد في غمغمة أنَّ أحداثَ العراق وسوريا وفلسطين ومصر بائنَ قُدامه بوضوح، دون أي غموضْ يذكرْ، لدرجة أنهُ بعدماَ ألبس الخبرَ على عموده الصحفي سربال التقية البيضاء، واحتمى بظهره من أجل عطيات وهبات الحزب الناكح، اختارَ أنْ يُشاركَ مشاركته الورقية بقلم فيه شيء من النزاهة دونماَ خوف، وقرر أن يتعاطف معه أتباع المهنة السوداءْ في غفلة من نيتهْ، حتى لا يفسد علىَ نفسهْ طرقَ الوصولية إلى دروب السياسة الضيقة.وينقاد ورائها إلى منابر إعلامية صادحة بالباطل لا بالحقْ، فيخرج على الناسْ بعباءة داكنة، يقعد قعوده المباركْ، يتنفس أمام الناس صدق حروفه، يتجول في أزقة باريس، يمسك معطفه، يطير في طائرة إرباص أوروبية، وهو يملأ نفسه بأخلاقيات الصحفي القوامجي الجيدْ، مؤمناً بمهنته الجديدة، باطنه أسودْ، لكن قلمهُ أزرق على بياض صفعة الحقْ.

ويخبرنا صادقاً قلمه الفرنسي، ببوح فتاكْ في عموده السياسي المتداولْ، أنّ ما يعيشه العالمْ اليومْ من تنازع بين أطراف ترى الحق باطلاً والباطل حقاً، قد أثار إشكالاتْ كثيرة في صحفْ مالي وباريسْ والرباطْ وواشنطن، واحتد هذاَ الصراعْ بين طائفة غلبت بأفكارها المنزوية حول أنَّ أمريكاً هي الأفعوان الماحقْ، وأخرى على بينة من الباطلْ استماتت لتصل في آخر رمقهاَ إلى نوع من المتاهة السياسية. وشكلَ في عموده السياسي ترادف خطيرْ حول من وُكل لهم تصديق الخبر أو تفنيده، لدرجة أنه اعتقد أنّ السياسة لا عدمية، ووجودها حصراً يؤاخذْ عليه، ليس بما يربط السياسة بالصحف اليومية المعيشية، وإنما بما يؤمن به باطنياً هذا الصحفي ويدافعْ على غراره ظاهرياً.

ويطبعْ مع قرائه من خلال ما يكتب بالحرف التامْ. وترى هذاَ القارئ المتنطعْ، وقد ابتاع الجريدة على مهلْ، أمدَّ أربعة دراهم إلى صاحب الكشك، قلبَّ صفحات العدد الرابع من مقالات فلان ابن فلان، قرأ عموده اليومي المعتادْ، وهو الذي لا يعرف شكل النص ومحتواه، ولا يؤمن إلاَّ بصورة ما يقرأه كما يقرأ نصا قرآنياً مقدساً، يبسمل، يؤمن، ويتوكل على الله، فيرى على الصورة الأمامية الرئيس الفرنسي هولاندْ وهو يبكي على شفير الانهيار، فيُصدق ما يراه، ويبدأ يشكل عداوته للإسلاميين من وجهة نظر سطحية، ويطرح في عمقه بديل الدين الآخر الذي ارتآه المهرجْ له، فتُرفع هذه البواطنْ خماصاً للغربْ ربحاً على اعتياد، وينصاعْ القارئ معهاَ إلى تشكيل قناعات مشبعة بالتطرف الفكري الخاص به، ويصدر حكمه على الدول المنحازة للسلم رغم تسلمها، ويطلق شارات القطيعة الثالثة حول الإسلاموفوبياَ، الإسلام السياسي، الإرهاب إلخ إلخْ.

غالباً لا يتدخل الصحفي المزدوجْ، بنية مقصدية هناَ لتحويل خبر دولي إلى محلي، بلغة متجاوزة.. وإنما يقود ما قادته فيه أصولية الخبرْ في باطنه، بما كُتب لديهم، وكيفما طبع عندهم، حتى تكون بهاَ ضربة قاسية بضغينة على بترول أو غاز أو رأسمال بشري لدولة المنتسب إليه الضاربْ أو المنفجرْ.. ثم إنه لكثيرٌ على رجل الصحافة المحنكْ أن لا يفهمْ وضعية العالم الحرجة الآن بما تُجوز من رصد لأخطاء التدبير السياسي لدى حكام الغرب، ويطرح الصحفي القوامجي الفرنسي العربي سؤاله الغبي غيبياً، حول أسباب هذه النزاعاتْ التي أضاعت النصف المتبقي من عنصر البشرية الحيوي في العالم، وشكلت معهُ دول الغرب غرباً متسلما، وعرباً ميتماً، متألماً، ووجهة يقينية إلى جنة الله التي حددها للمتفرقعينْ بأجسادهم في المولات والمقاهي والمطاعم.

باريسْ هي جنة الله، لندن، بلجيكاَ.. لذا كان لزاماً على دول مثلنا بأسها الصحفي أن تتجنب إشكالات التدخل في مهام الدول الأفعوانية، وأقرتْ أن تلعب دور الحياد بشكل أساسي خيفة أن ينقلب سحر الجلادْ المغربي على فقر القيادة الصحفية والإعلامية بالمغرب، الهاكاَ. واختارت المنابر الصحفية أن يكون أبطالها صحفيون حياديون من أبرزهم مسؤولين في وزارات عديدة وأحزاب متعددة، فليس عبثا أن يختار من الحزب السياسي اشتراكيا كان أو إسلاميا من يقود سفينة الإصلاح دورية الأوراش الداخلية إلى العالمية بوجهة لا مكان ولا زمان محدد فيها.

ـــــــــــ
الكاتب والباحث عبد الجبار إدريس