وجهة نظر

“مكاتب التعاضدية” بين الشرعية والمشروعية

منذ مؤتمره السادس عشر سنة 1979 لم يستطع الاتحاد الوطني لطلبة المغرب أن ينجح في تنظيم مؤتمر آخر يدفع الدم في سائر شرايينه، رغم المحاولات المتكررة (بما في ذلك المؤتمر 17 سنة 1981) والمبادرات المقترحة من شتى الفصائل الطلابية، ذلك أنها كانت تعاني – معظمها- من الانفرادية والإقصائية ماساهم بشكل كبير في تعميق أزمة المنظمة الطلابية والحيلولة دون استئناف مسار جديد يكون جامعا للحركة الطلابية المغربية والالتفاف حول قضايا الجامعة الكبرى على الأقل.

من هذه المبادرات الانفرادية مبادرة الإخوة في العدل والإحسان والتي تتمظهر مع بداية كل موسم جامعي في شكل دعوة ما يسمى “لجنة التنسيق الوطني” إلى انتخاب “مكاتب التعاضديات” وهي دعوة تحتاج إلى كشف حقيقتها والعيوب التي تعتريها حتى يكون الطلبة على وعي تام بما يتم دعوتهم إليه، خصوصا الطلبة الجدد الذين تركز الدعوة عليهم نظرا لحداثة عهدهم بالجامعة وعدم اضطلاعهم الكافي على الواقع الفصائلي وتركيبيته وتعقيداته.

وهذه المقالة إنما كشف عن مغالطات هذه الدعوة من جانبين:
شرعية المبادرة (السند القانوني)
مشروعية المبادة (السند الطلابي)
خلفيات الاعلان الانفرادي

الشرعية:
أمام شتى المبادرات المقترحة من قبل الفصائل الطلابية المغربية للخروج من أزمة المنظمة الطلابية أوطم، وتمركز أغلب الفصائل على مقترحاتها وغياب أي حوار فصائلي أو طلابي، قرر الإخوة في فصيل العدل والإحسان سنة 2000 التوجه إلى عقد المؤتمر السابع عشر بجامعة مولاي عبد الله بفاس، وهو “المؤتمر” الذي لم يكتب له النجاح نظرا لكونه لم يجب على مجموعة من الأسئلة القانونية التي تمنح هذه المبادرة الشرعية اللازمة.

لقد كان طموح فصيل العدل والإحسان هو الخروج بقيادة وطنية تمثل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب غير أن مقاطعة الطلبة والفصائل الطلابية للمبادرة دفع الفصيل إلى الخروج بقرار تشكيل ما سماه “لجنة التنسيق الوطني” وهي “اللجنة” التي أوكل إليها منذ ذلك الوقت الدعوة إلى انتخاب “مكاتب التعاضديات” على مستوى عدد من المؤسسات الجامعية.

إن هذا القرار الانفرادي يعترضه جملة ملاحظات تسقط سنده القانوني والشرعي لم يستطع الفصيل الإجابة عنها إلى اليوم.

1. من له الحق في تنظيم المؤتمر؟:
منذ فشل/ إفشال المؤتمر السابع عشر سنة 1981 في إكمال أشغاله وإفراز قيادة وطنية جديدة تخلف القيادة السابقة سيبرز إشكال قانوني حول من له الحق في تنظيم المؤتمر الوطني، فحسب القانون الداخلي للمؤتمر السادس عشر “يعين مقر وموعد انعقاد المؤتمر من قبل المجلس الإداري واللجنة التنفيذية مكلفة ببعث استدعاءات الحضور…” وهو ما لا يتوفر للإخوة في العدل والإحسان لا من قريب ولا من بعيد، فلم يسبق لأحدهم أن كان في اللجنة التنفيذية السابقة. كما أن عضوا اللجنة التنفيذية السابقة الذين جددت فيهما الثقة بالمؤتمر 17 قد اعتقلا في إطار الهجمة الشرسة التي شنها عسكر الجامعة تجاه الطلبة. فما السند القانوني لعقد المؤتمر؟.

2. تركيبة “لجنة التنسيق الوطنية”
أمام فشل المؤتمر ومقاطعة الفصائل الطلابية والجماهير الطلابية عموما له، سيختار فصيل العدل والإحسان أن يشكل ما أسماه ب”لجنة التنسيق الوطني” وحسب القانون الأساسي للمؤتمر السادس عشر؛ تتشكل لجنة التنسيق الوطني من أعضاء المجلس الإداري، وممثلين وكتاب عن الفدراليات بالخارج، وكتاب مكاتب الفروع بالداخل وكتاب عن المكاتب الوظائفية التي تنشؤها اللجنة التنفيذية، وممثلي التعاضديات.

إن الفراغ الذي دخلت فيه أوطم منذ 1981 سيجعل هذه اللجنة خالية من أعضاء المجلس الإداري، وممثلي فيدرايات الخارج والمكاتب الوظائفية وكثير من ممثلي التعاضديات إلا التعاضديات التي كانت تسيطر عليها العدل والإحسان. فهل هذه هي “لجنة التنسيق الوطنية” التي ينص عليها القانون الداخلي؟.

3. تركيبة “مكاتب التعاضديات”:
بعد تشكيل ما سمي ب”لجنة التنسيق الوطنية” منذ ذلك الزمان إلى اليوم ستعكف على الدعوة مع بداية كل موسم جامعي إلى الدعوة لتنظيم “انتخابات مكاتب التعاضديات” وبغض النظر عن عدم شرعية هذه الأخيرة لما ذكرناه سابقا. فإن مجموعة من التحولات التي طرأت على المؤسسات الجامعية والمجتمع الطلابي ستضع المبادرة في أزمة قانونية أخرى:
يحدد القانون الداخلي المنبثق عن المؤتمر 16 تأليف مكتب التعاضدية على الشكل التالي:

• المؤسسات التي يقل عدد طلابها عن 500 يتكون مكتب التعاضدية من سبعة اعضاء
• المؤسسات التي تضم من 500 إلى 1000 طالب يتكون مكتب التعاضدية فيها من تسعة أعضاء
• المؤسسات التي تضم من 1001 إلى 5000 طالب يتكون مكتب التعاضدية فيها من تسعة عشر عضوا.

لكن المؤسسات الجامعية ستعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الطلبة أمام الاستقرار النسبي في عدد المؤسسات الجامعية مقارنة مع عدد الطلبة المتزايد، فقد وصلت بعض المؤسسات الجامعية اليوم في أعداد طلبتها أزيد من 40 ألف طالب (كلية الحقوق بابن زهر مثلا…) وهو ما لم يتناوله القانون الداخلي لكونه ينتمي إلى واقع الجامعة في نهاية الثمانينات وليس منتصف العقد الثاني من الألفين.

كما أن القانون ينص في حالة تواجد مؤسسة جامعية جديدة على تفويض اللجنة التنفيذية والمجلس الإداري للجنة تقوم بمهمة تأسيس مكتب تعاضدية جديد. وهو الأمر الذي لا يمكن توفره بسبب الفراغ التنظيمي الذي يعيشه أوطم منذ حوالين العقدين والنصف. فكيف أسس الإخوة في العدل والإحسان هذه المكاتب في عدد من المؤسسات الجامعية الحديثة العهد بالتاسيس ( الكلية المتعددة التخصصات بآسفي التي تأسست سنة 2003).

المشروعية:

لقد كان لغياب الشرعية عن مبادرة العدل والإحسان أثرها البالغ على قبول الطلاب بهذه المبادرة، فبقيت مبادرة معزولة على مستوى المكان وعلى مستوى الطلبة والمكونات الطلابية أمام بروز أشكال تنظيمية ستتجاوز النقاش العقيم حول من له الحق في تمثيل أوطم وهو ما سينعكس على عدة مستويات:

1. مقاطعة الفصائل الطلابية:
لقد قاطعت كل الفصائل الطلابية مبادرة الإخوة في العدل والإحسان، بغض النظر عن خلفيات المقاطعة الخاصة بكل فصيل، لكن انحسار هاته المبادرة على طلبة العدل والإحسان فقط يؤكد انفراديتها وعدم وجود أي تقارب حولها. فهل يعقل أن كل الفصائل مخطئة منذ 1981 إلى اليوم إلا فصيل العدل والإحسان؟.

2. على المستوى الطلابي:
ركز فصيل العدل والإحسان في دعايته الطلبة للمشاركة في “انتخابات مكاتب التعاضديات” على مجموعة من الآليات:
• مع اقتراب موعد “الانتخابات” يخوض الفصيل “معركة نضالية” من أجل حشد الطلبة يقدم خلالها نفسه على أنه “مكتب التعاضدية الممثل الشرعي للطلبة”.
• مع اقتراب موعد الانتخابات تصددر “لجنة التنسيق الوطني” يوما “للغضب الطلابي” ينظمه طلبة العدل والإحسان باسم “مكتب التعاضدية” يظن الشاهد أن القيامة ستقوم في الجامعة فتعود الأجواء إلى سابق عهدها في منتصف “يوم الغضب”.
• قبيل أو بعيد الانتخابات يتم تنظيم “أيام ثقافية” تكرس الدعاية.
• التركيز على الطلبة الجدد لاستقطابهم إلى صناديق الاقتراع الوهمية.
• ثم إلى العام القادم.
ومع كل هذه الخطوات لم يستطع العدل والإحسان أن يستقطب حتى خمس طلبة كل مؤسسة جامعية ينظم فيها مبادرته؛ هذا الخمس الذي يمكنه بمنطوق القانون الداخلي أن يسقط مكتب التعاضدية المنتمي إليه.

3. مسلكيات شبيهة بانتخابات الجماعات المحلية أو التشريعية:
تنتقد العدل والإحسان بشكل لاذع في كل مناسبة الانتخابات المحلية والتشريعية التي ينظمها المغرب وتقوم بمقاطعتها، بذريعة وهمية الانتخابات وتحديد النتائج سلفا وغياب اللوائح الحقيقية وعدم احترام إرادة المواطن، لكن الغريب هو أن طلب الجماعة يمارسون كل هذه الأساليب تقريبا في دعايتهم:
• لدرء التهمة عن مشاركة العدل والإحسان وحدها في “انتخابات التعاضديات” يتم اللجوء إلى تقديم لوائح انتخابية أخرى للفصيل تحت اسم “مستقلة” وما هي بمستقلة، إنما هي لائحة الإخوة في العدل والإحسان لا غير.
• في يوم الاقتراع ترى الإخوة في العدل الإحسان يجرون الطلبة جرا للاقتراع بالاستعطاف وشتى وسائل الدعاية.
• لا تجد في “مكاتب التعاضديات” إلا إخوة العدل والإحسان، وفي بعض الأحيان إن حصل أن انتخب طالب مستقل، إما يدمج في الجماعة أو يهمش حتى يقدم استقالته بعد اكتشافه الحقيقة وهذا حصل غير ما مرة (الجديدة-سطات مثلا).

4. أشكال نضالية جديدة:
لقد عرف المجتمع الطلابي تحولات عميقة أمام الكثير من النقاشات العقيمة من قبيل من هو ممثل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب؟ والكثير من العبارات المسكوكة من قبيل “أوطم الممثل الوحيد والأوحد للجماهير الطلابية” جعلته يبتكر أشكالا تنظيمية ونضالية جديدة يناضل من خلالها لتحقيق مطالبه ويبتعد ما أمكن عن النضالات الفصائلية الضيقة كالنضال تحت يافطة الانتماء الجغرافي (طلبة زاكورة، طلبة تلوين، طلبة برشيد…)أو تحت يافطة بيداغوجية (طلبة الحقوق، طلبة الجغرافيا، طلبة الشريعة،،،) لعل آخرها وأبرزها ما حققته تنسيقية طلبة الطب.

5. البحث عن المشروعية الخارجية:
لجأ طلبة العدل والإحسان بشكل بالغ إلى الحضور في الملتقيات الطلابية خارج المغرب باسم “الكتابة العامة للاتحاد الوطني لطلبة المغرب”، إذ هي الملتقيات الوحيدة التي يمكنهم الترويج فيها لاحتكارهم المنظمة الطلابية، دون الوقوع في حرج السؤال عن مواقف الفصائل الطلابية المغربية الأخرى، أو انحسار مبادرة العدل والإحسان في عدد قليل من المؤسسات الجامعية. ومع ذلك فوصول شيء من الصورة الكاملة لواقع الحركة الطلابية في المغرب إلى المنظمات الطلابية في الخارج أسقط الفصيل في ارتباك كبير حول الجواب المناسب الذي ينبغي تقديمه لهذه المنظمات.

خلفيات المبادرة:
في ظل هذه التحديات القائمة وجمود العدل والإحسان على هذا الخيار إلى أبعد الحدود دون أدنى مؤشر يحيل على حصول مراجعات في هذا الموقف، يجدر بنا طرح سؤال: ما الأبعاد الكامنة خلف هذا الاختيار الانتحاري؟:
1. معركة العدل والإحسان مع النظام:
لقد كانت جماعة العدل والإحسان أمام التضييق الممارس خصوصا مع نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات تبحث عن سند شعبي يؤكد قوتها واستعصاءها عن التطويع، أو بمعنى آخر البحث عن “مؤسسات جماهيرية” تنقل معادلة: العدل والإحسان ضد النظام، إلى معادلة: الشعب ضد النظام، ونحن إن كنا نتضامن مع العدل والإحسان في التضييق الممارس عليها فإننا لا نتفق معها في نهج هكذا طريقة لتبليغ صوتها.
2. التمركز حول التنظيم:
لم يمر اليسار –الراديكالي منه على الخصوص- مرور الكرام على المنظمة الطلابية أوطم، بل ترك بصمته عميقا في طبيعة المنظمة الطلابية وأدبياتها، فالتنظيم في أدبيات الماركسية-اللينينية يحتل موقعا مركزيا من خلال القول بانطباق الفكرة مع التنظيم مع المناضل بطريقة ميكانيكية، تمتح من الفلسفة المادية المؤطرة.
لذلك كان تمركز اليسار الراديكالي حول التنظيم تمركزا لا نظير له، فصلابة التنظيم وإحكامه بالقبضة الستالينية هو الكفيل بقيام الثورة حسبه، وقد وصلت هذه الصلابة أوجها في مقولة “أوطم الممثل الشرعي الوحيد والأوحد للجماهير الطلابية”، وهو مالم ينتبه له الإخوة في العدل والإحسان فأخذوا العبارة على ما فيها من استصنام ومخالفة لسنة الله عز وجل في التنوع، والحري بحركة إسلامية أن تتحرى المقاصد وتعطي للأدوات حجمها الطبيعي الذي يتماشى مع المصلحة ومع المقصد الأكبر.

خاتمة:
لقد حان الوقت لإعادة قراءة الحركة الطلابية وفق التحولات العميقة التي أفرزها الربيع الديمقراطي، وإلا فإن المجتمع الطلابي لن يرحم الفصائل أو يبقى حبيس تصوراتها الصدئة، فالربيع الديمقراطي في لحظاته النماذجية أعرب عن حالة تضامنية متجاوزة للحزبية والطائفية بشكل منقطع النظير لدرجة أن الأحزاب والفصائل السياسية بدت لاهثة خلف السرعة التي كان يسير بها المجتمع، والأمر نفسه يعيشه المجتمع الطلابي الذي أصبح مبادرا إلى خلق معارك كبرى بطرق إبداعية جديدة. وللأسف مازالت الفصائل الطلابية لم تنتبه لذلك.
ليس هدفنا من هذا المقال أن نستغرق مع الإخوة في العدل والإحسان نقاشا أكل عليه الدهر وشرب، بقدر ما يهمنا تنبيه الطلبة عموما إلى واقع الحركة الطلابية المغربية في عمومه، ومناقشة الفصائل الطلابية الجادة حول التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع الطلابي اليوم.
إن بناء حركة طلابية قوية يتطلب منا تجاوز العقلية الطائفية، والتحرر من الأجوبة السابقة، والتوجه نحو بناء تجربة خاصة بجيلنا ومراعية لظروفه وليس تكرار تجارب الآخرين الذين غادروا الجامعة منذ عقود وصكوا أجوبة خاصة بهم.

ــــــــ

أحمد الحارثي