مجتمع

الراحل الطيب بناني.. مهندس إصلاحي في زمن الرصاص والقمع

عايش الطيب بناني الذي رحل عنا يوم السبت الماضي أوج الحراك المغربي في عهد جيل الاستقلال، ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من موقع الفعل في أكثر أوقاتها استثناءً، وكما يفضل رفاقه في الاتحاد الاشتراكي التعبير عنها بـ”الأيام الشداد” حين كان الزعيم الراحل عبد الرحيم بوعبيد يؤسس لخطواته الأولى في اتجاه إقرار أخذ النضال الديمقراطي بينما الملك الراحل الحسن الثاني يحاول التحكم بيد من حديد أمام مد جماهيري في مغرب خارج لتوه من الاستقلال، تزامنت حينها الأحداث مع المد القومي، وهزيمة يونيو 1967 دون أن ننسى ذروة الحرب الباردة التي كانت تقسم العالم إلى فضائين.

أدرك الموت الطيب الآن فقط، ولم يمهله المرض، وهو الذي عايش مرحلة مغربية كان فيها الموت يدق أبوابه على بيوت المناضلين وأهاليهم في كل لحظة بحثا عنهم ويرحلهم إلى حيث لا يعرف الأهل أين، وكم من رفيق له في الدرب وأخ ذهب سدى أو شهيد في ذروة الاختطافات والقمع والإخفاء القسري التي ميزت تلك المرحلة من تاريخ المغرب المعاصر.

قال عنه وزير التشغيل السابق جمال أغماني وهو ينعي خبر وفاته على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “فالفقيد من الوجوه الاتحادية التي عرفت بمسارها النضالي الطويل”.

أما رفاقه في الاتحاد الاشتراكي فيرون في الطيب بناني الإنسان والمناضل ذاك “المناضل الصلب والمحنك في إدارة المعارك والصراعات وتجاوز الإكراهات…، رجل كله طيبوبة ولطف، منفتح على كل الطاقات الخيرة، يبتعد ويتجنب القضايا الفارغة والصراعات المفتعلة، يترك مسافة منطقية تحقق التوازن الممكن مع الجميع، قليل الكلام ولطيف المعشر”.

في إحدى شهاداته، وهو يتحدث عن ميلاد الاتحاد الاشتراكي، يحكي الطيب بناني كيف كان نضاله من داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب رفقة الشباب الاتحادي طريقا مساعدا على كسر طوق الجمود الذي دب في أكبر حزب يساري مغربي حينها وانبعاثه: “كنا في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب نتخذ المبادرات من أجل إحياء الحزب وكنا كشبيبة نجتمع مع المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، وفي تلك الفترة لم تكن تصدر الجريدة، كنا نوزع البيانات بشكل مباشر ونتصل بالفروع من أجل التعبئة…”

ويضيف الطيب بناني: “كنا كشبيبة في تلك الفترة نجتمع في مقر بشارع تمارة (فوق شركة للسيارات)، واجتمعنا في منزل الأخ الحبيب الشرقاوي من أجل التهييء ومناقشة وضعية الحزب والسبيل للخروج من الوضعية المتجمدة التي يعيشها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. حتى قرار 30 يوليوز 1972 قرار إيجابي وموقف تاريخي أخرج الحزب من حالة التشتت والجمود وفتح الطريق لتأسيس الاتحاد في حلته الجديدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.”

كان الطيب هنا يتحدث عن القرار الاتحادي الذي هندسه الراحل عبد الرحيم بوعبيد في اتجاه استئناف مسار عمل الحزب، في وقت اعتقلت فيه بعض القيادات واختارت أخرى المنفى واغتيلت واختطفت أخرى، فكان قرار مجموعة من قيادات الحزب في 30 يوليوز التي قادت إلى المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي سيرجع الاتحاد إلى ساحة النضال الديمقراطي، والتوافق مع المؤسسة الملكية على خلفية قضية الصحراء والإجماع الوطني حول الوحدة الترابية للبلاد، مع بداية ما كان يعرف بالمسلسل الديمقراطي في المغرب أواسط سبعينيات القرن الماضي.

في العام 1970، سينتخب الطيب بناني على رأس أكبر نقابة طلابية كانت تزعج النظام: الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، التي كانت تحتضن حينها كل الطيف اليساري المغربي وتختزل أحلام مناضلي اليسار.

عرف عن الطيب بناني، الرئيس السابق للمدرسة المحمدية للمهندسين، أنه مهندس آخر للعبة الاختلاف في منظمة “أوطم” الجماهيرية، رغم أن خصومه السياسيين، ظلوا يصنفونه ضمن “كوكبة” الإصلاحيين و”المنبطحين”، قاد الاتحاد الوطني لمدة سنتين إلى حين المؤتمر الخامس عشر، حيث سلم مشعل القيادة إلى خصم سياسي كان تياره بارزا على الساحة الجامعية المغربية، هو عبد العزيز المنبهي القادم من “إلى الأمام”، وهي القيادة التي سرعان ما سيتم الإجهاز عليها عن طريق القمع، أهي القيادة التي لم تستطع تحصين أوطم، أم طريقة “الهندسة، التاريخ يبين أنه منذ ذلك الحين دخلت أوطم في “متاهات” نضالات افتقدت قيادات حقيقية.