منوعات

“لا يوجد مكان للنساء”.. عنوان “استنبات” مغامر

نشر موقع “هوية بريس” المغربي، ومواقع سلفية مشرقية وحسابات لسلفيين في “الفايسبوك” خبرا يهم نشاطا (دورة تكوينية) أقل ما يمكن وصفه به أنه غريب. النشاط ينظم هذه الأثناء في المغرب، و يطرح أكثر من علامة استفهام.

النشاط الذي ينظمه سلفيون أجانب في المركب الرياضي لسيدي بابا بمدينة مكناس، يؤكد إعلان برنامجه، حسب نفس المصادر، أن “الدورة موجهة فقط للإخوة بالمملكة المغربية”، ويشدد الإعلان في “ملاحظة” أنه “لا يوجد مكان للنساء”، مبرزا 3 أرقام لهواتف “الإخوة المكلفين بالإرشادات”. وتمتد “الدورة”، حسب نفس الإعلان، طيلة 7 أيام، من الأربعاء الماضي 18 نونبر إلى الثلاثاء 24 نونبر 2015. فما هي المشكلة؟

مشكلة هذه “الدورة التكوينية” سنقارب بيانها في المستويات التالية:

المستوى الأول، أن الواقفين خلف تلك “الدورة التكوينية” هم تيار من السلفية يقودهم ربيع بن هادي عمير المدخلي، وهذا الرجل أيضا أحد ضيوف الدورة حسب برنامجها. وهذا التيار يضم مجموعة من الدعاة والعلماء السعوديين بالخصوص الذين يدور همهم السياسي، حسب أدبياتهم التي وقف عليها البحث، في محاربة الإخوان المسلمين وتكفيرهم، وتقديمهم على أنهم أخطر ما ابتليت به أمة الإسلام، ويساندون السيسي في مصر و خفتر في ليبيا، ويرفضون الديمقراطية وما يلازمها من انتخابات ومجالس منتخبة. وعلى مستوى المنهج الدعوي يقولون بقاعدة متطرفة هي “من لم يبدع المبتدع فهو بدعي” وهي على غرار القاعدة التكفيرية المشهورة “من لم يكفر الكافر فهو كافر”، ويصنفون السلفيين حسب موقفهم من الإخوان إلى سلفية صحيحة وسلفية مبتدعة، أما باقي الحركات الإسلامية فهي إلى “الإخوان” عندهم أقرب! وهذا التيار السلفي، يبدو من بعض المؤشرات أنه البديل السعودي الأمريكي لـ”تعديل” السلفية الوهابية بالنسبة لأمريكا، ومواجهة الحركات الإسلامية التي تؤمن بالمشاركة السياسية، بالنسبة للسعودية، ولإضعاف التيارات الجهادية حسب بعض المصادر الاعلامية.

المستوى الثاني، يتعلق بطبيعة النشاط، فهو ليس ندوة دولية و لا يوما دراسيا يحضرهما أيضا علماء ودعاة مغاربة، ولكنه دورة تكوينية “موجهة فقط للإخوة بالمملكة المغربية”. فالنشاط طبيعته تأطيرية لمواطنين مغاربة طيلة أسبوع من طرف نشطاء في توجه سلفي بأجندة سياسية خاصة. وفي هذا السياق يطرح سؤال عريض عن أهداف هذا التأطير، خاصة إذا علمنا أن دورة مشابهة تمت في نفس المدينة في شهر أبريل الماضي؟ وهو ما سنقاربه في المستويات التالية.

المستوى الثالث، برنامج النشاط المعلن يقول الشيء الكثير. فتفاصيله تكشف بعدان، بعد قار خلال تلك الأيام يشمل فقرات صباحية ومسائية يؤطرها الشيخ عبيد بن عبيد الله الجابري، محاورها عادية جدا ولا تبرر استقدام مؤطرين من السعودية لتقديمها. فهي تدور حول شرح كتاب “الطهارة من عمدة الأحكام”، وشرح كتاب “العلم من صحيح أبي داوود” في الفترة الصباحية. و شرح “مقدمة ابن أبي زيد القيرواني”، وشرح مقتطفات من كتاب “رياض الصالحين” في المساء والليل. لكن هناك فقرات متغيرة تتعلق بمداخلات لبعض الشيوخ، حسب نفس البرنامج، وهم ربيع بن هادي عمير المدخلي يوم الجمعة، والشيخ محمد بن هادي المدخلي يوم السبت، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمان البخاري يوم الأحد. 

هذا البرنامج الذي يتأسس على أربعة كتب متوفرة، يشرحها ويقدم مضامينها رموز “التيار السلفي المدخلي” لمواطنين مغاربة، يؤكد جيدا أننا أمام عملية استنبات قصرية لتيار سلفي جديد في المغرب، و من مدينة مكناس.

المستوى الرابع، يتعلق بمكان الدورة التكوينية، و التي يتوقع أن يخرج من رحمها الجيل الأول من المغاربة الذين يحملون فكر المدخلي ويتعلقون برموزه ويعتنقون مواقفه السياسية والفكرية. وهذه الدورة الثانية التي تحتضنها مدينة مكناس، بعد دورة احتضنتها دار الشباب عبد الكريم الخطابي في الأيام 20-24 أبريل 2015. وهذا اختيار رمزي لمدينة عرفت في تاريخ المغرب المعاصر بديناميكيتها في تفريخ الجمعيات والتيارات والرموز السلفية والدعوية، و صغرها و طبيعتها الشعبية مما سيسهل عملية انتشار التوجه الجديد. و لها ميزة تساعد في نجاح “الدورة التكوينية”، وهي بعدها عن مدينة مراكش عاصمة “السلفية العلمية” (الوهابية) بقيادة الشيخ المغراوي، وعن مناطق الشمال و الوسط (البيضاء بالخصوص) حيث ينشط التوجه السلفي الجهادي.

المستوى الخامس، يتعلق بطبيعة وحجم الحاضرين في الدورة التكوينية. و في غياب المعطيات المتعلقة بهذا الشأن، وبما أن النشاط لم يعلن عنه إلا في العالم الافتراضي، مع تحرك جمعية محلية في الدعوة إلى دورة أبريل، يمكن التكهن بأن جمهور الدورة سوف لن يختلف كثيرا عن جمهور الأنشطة السلفية في المدن العتيقة المغربية مثل مدينة مكناس. بمعنى أنهم سيكونون شبابا أغلبهم عاطلون عن العمل، أو حرفيون ومتوسطو التعليم أو أميين.

إذا اكتفينا بالملاحظات السابقة يمكن القول إننا أمام عملية استنبات تيار سلفي جديد في المغرب انطلاقا من مدينة مكناس، وبالنظر إلى المعالم الكبرى للتوجه السلفي الجديد، و في ظل استمرار إغلاق عشرات من دور القرآن في المغرب، يمكن توقع تمزقات في الجسم السلفي على غرار ما تعيش عليه مصر ولبيا والسعودية بين التيار الجديد والسلفية التقليدية. وتوقع مواقف تكفيرية و تبديعية قوية للإسلاميين المنخرطين والمومنين بالمشاركة السياسية. ومن حيث القيمة المضافة لاستنبات التيار الجديد في المغرب، يطرح سؤال: لماذا هذا الاستنبات؟ وما هي أهدافه الحقيقية؟ ولماذا الآن؟

قد يغري التوجه غير الجهادي لتيار المدخلي البعض لغض الطرف أو تشجيع أو الإشراف عن عملية استنباته في المغرب، لكن التجربة التاريخية تقول إن التيارات المصنوعة و الموجهة تنتهي دائما بالخروج عن السيطرة، لتباشر تمزقات في المجتمع. ورغم أن خطاب المدخليين غير عنيف، إلا أنه لا يختلف من حيث الحمولة المتطرفة والمتشددة عن التيارات السلفية التي خرج من رحمها الارهاب. كما أن منهج التفكير ومنهج التعامل مع الارث الفقهي الذي يتغذى عليه التطرف و الارهاب لا يختلف في شيء عن المنهج السلفي المنتشر. و لا يقدم التيار الجديد أي ضمانات لمحاربة التوجه الجهادي إن لم نقل إنه بما أشرنا إليه يوفر له الأرضية الأيديولوجية الضرورية، وقاعدة الاستقطاب لتنطلق موجة جديدة من التطرف والإرهاب.

إن خَلاص المغرب من الوباء الإرهابي ومن التطرف يوجد في علمائه ودعاته ومفكريه ومثقفيه وإعلامييه، وقبل هذا في مؤسساته القوية. إن تفعيل كل ما سبق مما يملكه المغرب من إمكانات هو الكفيل بدحر كل الطروحات المتطرفة. أما استنبات تيار سلفي له أجندات سياسية متطرفة واضحة فهو خطأ جديد، قد يؤدي المغرب ثمنه، لا قدر الله، على المدى القريب و المتوسط.