وجهة نظر

سر الإنسان الادراري وعلاقته بأدرار (1)

أدرار مجتمع له ميزاته الخاصة وله ثقافته التي تربطه بحماية الإرث القديم أو ما يمكن تسميته بالإرث الأجدادي وله عادات وتقاليد ومعتقدات تجعله مجتمع يختلف كل الاختلاف عن المجتمعات الحضرية الملونة بألوان عديدة وبأشكال متعددة من الأفراد، فمجتمع “أدرار” في حد ذاته مجتمع منغلق على ذاته ولا يقبل الغرابة والتغريب، وبمعنى أو بآخر فهو مجتمع متحفظ، يحاول أن يلبس (بضم الياء) أفراده ألبسته الفريدة من نوعها، لباس يربط بين الأخلاق والقيم والتقاليد والتحفظ بمعنى الكلمة، إنه مجتمع غني بالإرث القديم ذلك الإرث الأمازيغي الذي يزخر بالإنسانية المتواضعة البسيطة والرائعة والتي تسعى دائما وراء كل ما هو قيمي جوهري.

فهو مجتمع أسري مبني على التضامن والتجاور والتعاون بكل ما تحمل هذه الكلمات من معاني.

إن كلمة “أدرار” ومعناها الأمازيغي يحمل بداخله مغزى عميق ورائع، مغزى يرتبط ارتباطا وثيقا بالشهامة والشموخ والعز والكرم والحرية والصمود بمعنى جوهري (الإنسان الحر)، ولهذا دائما وغالبا ما يحاول أفراده الحفاظ على هذا المغزى “الادراري” فهذا المغزى هو الذي يجعلهم يحسنون التصرف اتجاه الكل دون تميز ودون تعصب ولا عنصرية، فهم أفراد أوفياء لمغزى كلمة “أدرار” فهم لا يشعرون الغريب بغرابته مهما كان عربيا أو أعجميا أو أسوَدا أو أبيض، بل يستضيفونه أحسن استضافة ويحسنون التعامل معه كأنه واحد منهم.

ولأفراد “ادرار” ميزات إنسانية قيمة مضاعفة تتغلغل بداخلهم حرقة الدفاع عن تمازيرت وإعطاءها صورة نموذجية وفاضلة حيث أن كلمة تمازيرت داخل نفوس الأدراريين هي الأعز والأهم وهي كل شيء، ولا يحاولون حمايتها والحفاظ عليها بالكلام الزائف المرونق، وإنما بوجوههم المحتشمة، وبحركاتهم السريعة، وبابتساماتهم المرحبة، وبملامحهم المتواضعة، بناء على الإرث الذي يرحب بالكل ومن اجل الكل تحت لواء اسم “انفكي” بمعنى الضيف أو “انفكيون (الضيوف)، وبهذا يحافظون على كلمة تمازيرت التي تربطهم بحب الوطن وبتاريخه وبرجاله الكبار، رجال البطولات الذين ضحوا بالغالي والنفيس حرصا على بقاء تمازيرت ومحاربتهم للظلم والاضطهاد.

إن رجال “ادرار” رجال حريصين كل الحرص على حماية تمازيرت من كل ما قد يعرضها للإهانة والتهميش من الداخل والخارج، ويحاولون جاهدين وصامدين بكل ما لديهم من طاقات إعطاء لكل ذي حق حقه، وحرصا منهم كذلك على غرس مغزى مفهوم “أدرار” في نفوس أبناء تمازيرت وإيمانا منهم بمهمتهم التي تربطهم بحمل “حقيقة تمازيغت” فوق أكتافهم ،فحقيقة تمازيرت في مخيلتهم تضعهم بين الحياة والموت، فهي لا تباع ولا تشترى.

فلمعانات أفراد مجتمع “أدرار” في “أدرارن” أسرار وحقائق كلها متعلقة بحب تمازيرت (الوطن) ولهذه المعاناة قيمة إنسانية حيث إنهم يبتعدون عن الفتن والشر ومن كل ما قد يؤدي إلى تخريب تمازيرت وتفرقتها وغرس فيها أمراض لها أعراضها كالعصبية والعنصرية والقبلية والتفرقة، وكذلك يتهربون من الفتن ومن إعطاء الفرصة مرة أخرى للمستعمر لكي يضع عليها قبضته، إنهم يحاولون دائما الصمود لأنه العصا التي يتكئون عليها ويهشون بها على حياتهم اليومية .

إذا كانت المجتمعات الحضرية لم تعد تحترم الإرث القديم وتحاول أن تتجمل وتتزين بلباس غريبة عنها، وخالية كل الخلو من قيمها وثقافتها وتقاليدها، فان عقلية أبناء أدرار “العقلية الحرة الواعية ” وعقليات أفراد “أدرار” لا زالت متشبثة بحق الحفاظ على إرث الأجداد وعلى تاريخهم العريق والمجيد والثمين، ذلك التاريخ الذي حقق فيه الإنسان الأدراري الأمازيغي انتصاراته الكبيرة والبطولية على المستعمر الحديث وعلى أعداء السلام في تمازيرت.

لا زال هذا الإنسان المتواضع البسيط يحاول استعادة حق الدفاع عن تمازيرت والسير بها نحو خطى التقدم حفاظا على مغزى أدرار الذي تحدثنا عنه سابقا. والسؤال الذي يطرح ذاته كيف يمكن لأبناء أدرار المغتربين والمغربين في أرضهم استعادة حقهم في حماية تمازيرت وفي إخراجها من أيادي الأشباح؟

وكيف يمكنهم تجاوز محنت التهميش والإهمال الذي يتعرض له الإنسان الأدراري؟

وما السبيل إلى إخراج “تمازيرت من الأزمة الفاشلة التي تضربها من كل جهة ؟.