وجهة نظر

تعديل الإرث في الإسلام.. الإجتهاد المستحيل

من الأسئلة التي يجب على دعاة المساواة بين الرجل والمرأة  في الميراث الإجابة عنها بوضوح :

هل سيتم تحقيق مطلب المساواة من داخل نظام  الإرث في الإسلام أم من خارجه ؟

 

إذا كا ن الجواب هو من خارج نظام الإرث في الإسلام، فإن هذا لا يتصور إلا من خلال إبطال وإلغاء هذا النظام بأكمله. وهذا معناه تعطيل العمل بجزء من القرآن الكريم وأحكامه الواردة في سورة النساء الآيات 11-12-176 من سورة النساء، وتعطيل العمل بجزء من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي شرحت و فصلت و بينت كل ما يتعلق بأحكام الإرث في الإسلام .ومعناه هدم جزء من منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين التي تنظم مجالين من أخطر المجالات في حياة المسلم، وهما مجال الأسرة والمجال المالي الإقتصادي. ومعناه اتهام صريح لشرع الله بعدم صلاحيته لواقعنا وبظلمه للمرأة وعدم إنصافها. ومعناه أيضا تعطيل صريح و تجاوز خطير للدستور المغربي ومقتضياته وتطاول شنيع على مؤسسة إمارة المؤمنين وعلى شخص الملك باعتباره حامي حمى الملة والدين بنص الدستور. وهذا ما لا يدعيه دعاة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث أو على الأقل ما لا يجرؤون على التصريح به رسميا.

أما إذا كان الجواب هو أن مطلب المساواة سيتحقق من داخل نظام الإرث في الإسلام بدعوى أن الإجتهاد من داخل النص القرآني لا يمنعه الإسلام، وبدعوى أن كثيرا من أحكام الإسلام كانت مناسبة وصالحة لزمان غير زماننا ولواقع تاريخي غير واقعنا وبدعوى أن المقاصد إذا كانت ثابتة فإن الوسائل متغيرة وباب الإجتهاد فيها واسع …إلخ.  

فههنا  سؤال آخر:

هل يريد دعاة المساواة جعل مطلبهم هذا إلزاميا وقانونيا ومفروضا على الجميع بنص القانون و بالتالي وجب تغيير الشق المتعلق بالإرث في مدونة الأسرة أم أن مطلب المساواة متروك للورثة في حالة التراضي بينهم.

فإذا كان المقصود هو ترك الورثة ليتراضوا فيما بينهم فهذا مما لا ينكره عاقل أو منصف وليس في الشريعة ما يمنعه أو يحرمه، بل أكثر من ذلك، التحدي المطروح على هؤلاء الحداثيين أن يعبروا عن حسن نواياهم و يبادروا بالتنازل عن نصيبهم لأخواتهم و أمهاتهم وزوجاتهم بعد قسمة التركة و يعطوا القدوة من أنفسهم.

أما إذا كان المقصود هو الإلزام والإجبار بنص القانون فهذا هو مربط الفرس ومكمن الإختلاف.

وههنا وجب التأكيد على ملاحظتين :

الملاحظة الأولى : إن نظام الإرث في الإسلام نسق متكامل وبنية متراصة، ونظام محكم متين و الورثة داخل هذا النظام تحكمهم شبكة من العلاقات المتداخلة والمتقاطعة ولا يتصور -والحالة هذه – إجراء تعديل بسيط على حالة معزولة قد يتم حصرها – جهلا – في المساواة بين الأخ و الأخت و بين الابن والبنت وينتهي الأمر، بل أي تعديل على جزء من نظام الإرث في الإسلام سيمتد ليمس هذا النظام برمته.

الملاحظة الثانية: إذا كانت المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث – حسب دعاة المساواة – مطلبا دستوريا وحقوقيا وديمقراطيا وحتى شرعيا .. فإن هناك مطلبا آخر لا يقل أهمية عن الأول و لا يمكن بتاتا الفصل بينهما وهو مطلب المساواة بين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة في الميراث بحيث لا يستوي من الناحية الحقوقية والقانونية تسوية المرأة بالرجل مع إبقاء تمييزها و تفضيلها على امرأة أخرى. ولا تسوية الرجل بالمرأة مع إبقاء تمييزه على رجل آخر.

تأسيسا على ما سبق فإن دعاة المساواة بين المرأة والرجل في الميراث مطالبون بتقديم دراسة علمية دقيقة و مفصلة لجميع حالات الإرث حيثما التقى في مسألة و فريضة رجل وامرأة أو رجل ورجل أو امرأة وامرأة، والإجابة عن جميع الإشكالات والتساؤلات مع بيان المنطلقات والأصول و القواعد الشرعية المعتمدة في أي اجتهاد أو تغيير و تعديل ما دام الإجتهاد سيتم من داخل نظام الإرث في الإسلام و ليس من خارجه.

من الحالات التي سيجد دعاة المساواة أنفسهم أمامها وملزمون بالإجتهاد فيها من داخل نظام الإرث في الإسلام – هذا إذا أمكنهم ذلك ؟؟ – تسوية البنت بالابن والأخت الشقيقة بالأخ الشقيق و الأخت لأب بالأخ لأب والأم بالأب والزوجة بالزوج.  

و بنفس منطق المساواة وجب توريث الجد لأم كما ترث الجدة لأم وكما يرث الجد لأب، وتوريث أبناء البنت كما يرث أبناء الإبن، وتوريث أبناء وبنات الأخوات الشقيقات أو لأب، كما يرث أبناء الإخوة الذكور الأشقاء أو لأب، وتوريث بنات الإخوة الأشقاء،  أو لأب كما يرث إخوانهم الذكور،  وتوريث أبناء الإخوة لأم كما يرث أبناء الإخوة الأشقاء أو لأب، وتوريث العمة والخالة والخال كما يرث العم، وتوريث العم لأم كما يرث العم الشقيق أو لأب.

و بنفس منطق المساواة وجب التسوية بين الزوجين والأبناء و بين الزوجين و الأبوين وبين الأبناء و الأبوين، وتسوية الإخوة لأم بالإخوة الأشقاء أو لأب، وتسوية الإخوة بالجد، إذ لا معنى للمطالبة بالاجتهاد في مسألة تسوية الأنثى بالذكر دون الاجتهاد في مسألة ترتيب الورثة و تحديد الأقرب منهم للموروث. علما أن هذه المسألة محسومة شرعا وتكفل الله بتحديدها حيث قال سبحانه: ” آباءكم و أبناءكم لاتدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ” النساء 1

لحد الآن لم يقدم دعاة المساواة بين الرجل و المرأة في الميراث أي دراسة علمية دقيقة و تفصيلية للمغاربة حتى تتم دراستها ومناقشتها نقاشا علميا هادئا بعيدا عن التشنج وردود الأفعال. ففي كل مرة يطلع علينا من يفجر فرقعات إعلامية لايكون غرضها سوى الاستفزاز وجس النبض والإلهاء و ربما أهداف أخرى لايعلمها سواهم و ليس دائما غيرة على المرأة و حقوقها بدليل أن كثيرا من الهيئات والمنظمات والأحزاب المنادية بالمساواة، المرأة فيها هي أبعد ما تكون عن تمتيعها بهذه المساواة في هيئاتها وهياكلها ومؤسساتها.

من الناحية العملية التطبيقية لنأخذ حالة واحدة يأخذ فيها الرجل ضعف الأنثى ونرى مدى إمكانية تحقيق هذه المساواة عمليا ومن داخل منظومة الإرث في الإسلام وهي حالة البنت مع الابن

شرعا يرث الابن بالتعصيب و يسمى عاصبا بنفسهن  وترث البنت بالتعصيب مع أخيها للذكر مثل حظ الأنثيين وتسمى عاصبة بغيرها، وترث كذلك بالفرض: ترث النصف عند الانفراد والثلثين عند التعدد عند غياب أخيها (الابن).

 تطبيقا لمطلب المساواة سيطرح سؤالان :

أولا : هل سنسوي الابن بالبنت فيرث بالفرض مثل أخته النصف عند الانفراد والثلثان عند التعدد و يلغى ميراثه بالتعصيب، وفي هذه الحالة لا يعقل أن يبقى الإخوة الأشقاء أو لأب والأعمام وارثين بالتعصيب وهم أقل منه جهة ودرجة وقوة بل يجب تسويتهم بالابن ويرثون هم أيضا بالفرض وهنا سيكون قد أسقط وألغي كليا ركن ركين من أركان الإرث وهو الميراث بالتعصيب.

أم سنسوي البنت بالابن وهذا معناه أن البنت ستصبح عاصبة بنفسها مثل الابن وليست عاصبة بغيرها بحيث ترث مثله للذكر مثل حظ الأنثى، وعند غيابه وجب أن ترث أيضا بالتعصيب فلا معنى أن تبقى وارثة بالفرض تأخذ النصف عند الإنفراد و الثلثين عند التعدد وقد تساوت مع الابن . وهذا معناه تعطيل و إسقاط فرض النصف و الثلثين من الميراث و تعطيل قوله تعالى :” يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنثين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف “.

وسيطرح إشكال آخر وهو بعد أن تصبح عاصبة بنفسها حينما ستلتقي في مسألة مع الأب وهو عاصب بنفسه أو ستلتقي مع الأخت الشقيقة أو الأخت لأب وهي عاصبة مع غيرها أو مع عصبة آخرين فما الحل، ومن سيحجب من وكيف سيعاد ترتيب الوارثين بالتعصيب، وما العمل مع بنت الابن التي تأخذ السدس تكملة للثلثين مع البنت الواحدة.

السؤال الثاني: بأي معيار ووفق أي اعتبار شرعي  يمكن إجراء أي تعديل مما ذكر بعد أن سقطت الإعتبارات والمعايير الشرعية المقررة.

و لنفترض جدلا أن البنت تساوت مع الابن في الميراث وأصبحت عاصبة بنفسها فمن حق الزوجة أن تتساوى مع الزوج،  لكن يبقى نفس السؤال المطروح: هل سنسوي الزوجة بالزوج فتأخذ مثله النصف عند غياب الفرع، والربع عند وجوده أم سنسوي الزوج بالزوجة فيرث الربع عند غياب الفرع والثمن عند وجوده علما أن كل حالة من هذه الحالات ستجرنا لإشكالات كثيرة عندما سيلتقي الزوج أو الزوجة بورثة آخرين.

ومن حق الزوجة أيضا أن تصبح عاصبة بنفسها إذا ما أصبحت البنت عاصبة بنفسها.

ومن حق الأم كذلك أن تتساوى مع الأب في الميراث لكن يبقى السؤال المطروح دائما هل سنسوي الأم بالأب فترث مثله بالتعصيب وفي هذه الحالة ما الحل عندما ستلتقي بعصبة آخرين. أم سنسوي الأب بالأم فيرث مثلها السدس عند وجود الفرع و متعدد الإخوة والثلث عند غيابهم،  وفي هذه الحالة سيطرح نفس السؤال الذي طرحناه بالنسبة للابن، ما الحل مع الإخوة الأشقاء
أو لأب والأعمام هل سيبقون عصبة وهذا غير منطقي ومخالف لمطلب المساواة، أم سيصبحوا وارثين بالفرض. ثم أي فرض سيأخذه كل واحد منهم. وكل حالة من هذه الحالات ستفتح الباب أمام عشرات الحالات الأخرى.

 ودائما مع نفس السِؤال الذي يتكرر: وفق أي اعتبار، وبأي معيارشرعي ستجرى هذه التعديلات بعد أن تسقط الاعتبارات والمعايير الشرعية المقررة.

خلاصة الكلام إن تعديل و تغيير أو إلغاء فرض واحد في الميراث سيؤدي بالضرورة إلى تعديل و تغيير أو إلغاء جميع الفروض المقدرة في القرآن. وإحداث تغيير وتعديل أو إلغاء لنصيب واحد بالتعصيب سيؤدي بالضرورة إلى تعديل و تغيير أو إلغاء نصيب جميع الورثة بالتعصيب.

فماذا سيتبقى في نظام الإرث في الإسلام إذا سقط الإرث بالفرض وسقط الإرث بالتعصيب ..

ساعتها سنجد أنفسنا أمام من سيدعو لتبني القانون الفرنسي في الإرث وآخر يدعو لتبني القانون الإنجليزي و ثالث يدافع عن القانون الإسباني ورابع يأخذ من كل فن بطرف.

أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هوخير

إرجعوا لشرع الله فإن لكم ماسألتم.