منوعات

صبي ابن كيران ولص أحرضان

بعض القصص لا يمكنك أن تنسبها إلا لمن سمعتها منهم أول مرة، من هذه القصص تلك التي رواها المحجوبي أحرضان، يقول فيها: في يوم من الأيام كنت أجول بمفردي في الغابة، فجأة خرج عليّ شخص، وطلب مني نقودي وحاجياتي. ولأنني خفت منه، فإنني سارعت إلى تسليمه كل ما أملك. لكن ما إن قفل راجعا من حيث أتى، حتى صرخت في ظهره: سامحني آخويا؟..أجاب بسؤال: آش خاصك؟ (آش عندك؟)…قلت له: أردت فقط أن أفهم منك أمرا إلى جات على خاطرك، كيف أنك تقريبا بنفس قوتي، ولديك نفس ملامحي، ومع ذلك استطعتَ سلبي أغراضي بينما أنا خائف…أجابني قاطع الطريق بسرعة وكأنه جهز الجواب قبلا: ببساطة لأنني أضع رِجلا في الدنيا والأخرى في الآخرة، أما أنت فتضعهما معا في الدنيا…ولأنه لم تكن تفصل بيني وبينه إلا خطوة واحدة، فإني لما سمعت جوابه، قفزت عنده بقوة، وأخذت من تلابيبه بكلتا يدي (شنقت عليه)، وقلت له: إوى دابا آسيدي هاهما رجلي بزوج في الآخرة، فإما أن تسملني أغراضي وإما واحد فينا يمشي الآخرة. آنذاك فهم قاطع الطريق الأمر، وعلم أن درسه أتى أكله، فسارع بتسليمي رزقي وقفل خائبا.

هذه القصة التي لا أدري أين قرأتها أو سمعتها من أحرضان، كما لم أذكر متى استقرّت بذاكرتي، تمنحنا الكثير من العبر التي لا أظن أن أحرضان نفسه عمل بها. هذه الواقعة المتخيلة تخبرنا أنه ما علينا إلا أن “نزعم شوية”، و “نحمر أعيننا” في سارقينا لعلهم أجبن منا، كل ما في الأمر، أنهم أكثر منا مغامرةً أو يلبسون قناع الشجاعة بينما هم جبناء في حقيقتهم. أما سبب إيراد هذه القصة في هذا التوقيت، فعائد إلى أني أزعم أن بإمكانها مساعدة بعض الساسة على حسن التصرّف في مثل هذه الحالات. وأول السّاسة الذين من شأن قصة أحرضان إفادتهم هو السيد عبد الإله ابن كيران، الذي يؤدي هذه الأيام دور “أمّ الصبي” كما يقول إخواننا في لبنان. فهو يؤكد أكثر من مرة أنه يهتم بـ “استقرار الوضع” بصرف النظر عن نوعية “الاستقرار”، أي يريد أن يترك لهم “الصبي” حتى لو اضطرّه الأمر إلى التنكر إلى “كبده”.

لا يمكن أن أقول بأن هذا الأمر غير محمود، لكن غير المحمود هو أن تصبح تلك نقطة ضعفك، أو أن تصبح نقطة ضعفك مكشوفة لـ “العفريت”. فعندما يعلم الأخير يا سيد ابن كيران بأنك مستعد للتضحية بـ”صِبيتك”، فإنه سيأخذهم منكم تباعا. فـ”التحكم” يا سيد ابن كيران أخذ منك صلاحياتك الدستورية ثم أتبعها مهامك التنفيذية، وعندما أظهرت له “حرصك على الصبي” بدأ يدخل بيتك ويفرض عليك من يَصلح للمطبخ ومن يصلح للحمام ومن يليق بغرفة النوم… وأنت لن تستطيع أن تقول له “كفى” لأنك ببساطة أصبحت بدون “كبد” بعد أن فرّطت في صبيانك تِباعًا”… حتى حركة أحرضان سيصبح من الصعب عليك القيام بها، لأنك أثقلت جسمك بالجروح… ربما قصيدة “عباس” لأحمد مطر تفيد أيضا في هذا السياق.