سياسة

بعد سحب المغرب لقوات الجيش بـ “الكركرات” .. ماذا يحدث هناك؟

أثار خبر قرار المغرب سحب قواته من منطقة الكركرات بالصحراء في الحدود مع موريتانيا، تساؤلات في الشارع المغربي، حول حقيقة ما يحدث هناك، وما الذي دفع بالمغرب إلى سحبه قواته من هناك، وقبل هذا وذاك، متى دخلت القوات المغربية لهذا المكان الحدودي وماذا كانت تفعل هناك؟ وما تأثير ذلك على اتفاقية وقف إطلاق النار بين جبهة البوليساريو والمغرب التي ترعاها الأمم المتحدة منذ 1991.

قرار مفاجئ

بشكل مفاجئ، ودون تقديم مزيد من التوضيحات، أعلنت وزارة الخارجية أن المغرب قرر سحب قواته من منطقة الكركرات، بهدف احترام وتطبيق طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، مشيرة أن الانسحاب تم بناء على تعليمات من الملك محمد السادس، حيث ستقوم المملكة ابتداء من اليوم، بانسحاب أحادي الجانب من المنطقة.

وذكر البلاغ أن المغرب أخذ علما، باهتمام، بالتصريح الصادر، يوم أمس السبت 25 فبراير 2017، عن المتحدث باسم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بشأن الوضعية الخطيرة في منطقة الكركرات بالصحراء المغربية.

وأكدت الوزارة أن المغرب يسجل توصيات وتقييمات الأمين العام، المنسجمة مع الشرعية الدولية، مضيفا أن هذا التصريح يأتي على إثر الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس مع الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس في 24 فبراير الجاري.

وخلص البلاغ إلى أن المغرب يأمل أن يمكن تدخل الأمين العام من العودة إلى الوضعية السابقة للمنطقة المعنية، والحفاظ على وضعها، وضمان مرونة حركة النقل الطرقي الاعتيادية، وكذا الحفاظ على وقف إطلاق النار وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

بداية القصة

عبد الفتاح الفاتحي، المحلل السياسي والخبير في شؤون الصحراء، قال لجريدة “العمق” إن أصل المشكل يعود إلى شهر غشت من سنة 2016 حينما دخل المغرب إلى المنطقة الحدودية في إطار مهمة مدنية تتعلق بإصلاح الطريق الحدودية بين المغرب وموريتانيا، قبل أن يدخل عسكريا للمنطقة بهدف حماية الآليات التي يتم بها إصلاح الطريق، بعد تعرض العاملين هناك لمناوشات من قبل قوات تابعة لجبهة البوليساريو.

وأوضح الفاتحي أن انسحاب المغرب الآن هو في إطار ضبط النفس وإعطاء الفرصة للمنتظم الدولي من أجل الحفاظ على أمن وسلامة المنطقة، مشيرا أن المغرب يتفهم ضرورة إعطاء مساحة لبعثة المينورسو ومسائلتها على أساس تطبيق بنود اتفاق إطلاق النار كما هو موقع عليه سنة 1991، وترك المسؤولية كاملة أمام البعثة لمنع والحد من الاستفزازات التي قامت بها عناصر من الجبهة والذين أظهروا صورا وتباهوا بها بأنهم يقومون بتحركات على المحيط الأطلسي.

وأضاف أن هناك تقارير استخباراتية تفيد بأن جبهة البوليساريو كانت تحاول أن تفرض واقعا جديدا بدعوى أن مجلس الأمن لم يقدم حلا مناسبا لحل نزاع الصحراء، مشددا على أن المسؤولية الآن أمام المتحدة من أجل سحب كافة مظاهر التسلح بالمنطقة والعودة إلى الحالة الطبيعية وتأمين حركة المرور وفقا لما كانت عليه سابقا بإشراف أممي بالمنطقة، مبرزا أن “سحب المغرب لقواته من “الكركات” لا يعني مطلقا إخلاء المنطقة أمام تسيّبات الجبهة، وطبعا في ذلك إشارة واضحة إلى مجلس الأمن بأن المغرب يمتلك عناصر الضبط الذاتي اللازمة وعلى الأمم المتحدة أن تقوم بمسؤوليتها أمام تصرفات الطرف الآخر”.

الوضع خطير

وصف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، الوضع في “الكركرات” بـ”الخطير”، لتواجد صحراويين مسلحين وقوات مسلحة، وذلك في إشارة إلى ميلشيات جبهة البوليساريو.

وقال الرئيس الموريتاني في حوار مع قناة “فرانس24″، أذيع الجمعة، ساعات قبل نشر اتصال ملك المغرب بأمين عام الأمم المتحدة، إن الأمر في الكركرات ماض في التصعيد، ما يجعل المنطقة في خطر.

وأوضح الرئيس الموريتاني، أن “الوضع في الكركرات تماما كما تنقله وسائل الإعلام، فهناك مسلحون من جبهة البوليساريو، وهناك القوات المغربية في الجهة المقابلة، والأمر خطير وقد يتطور”.

وأضاف ولد عبد العزيز الذي كان يتحدث عن مجموعة من القضايا، في معرض جوابه عن سؤال حول موقف بلده من الصراع الحاصل بين المغرب والجزائر، -قال- إن بلاده لا تقف مع المغرب ضد الجزائر ولا مع الجزائر ضد المغرب، موضحا أن لموريتانيا موقفا حيادي من المشاكل التي يمكن أن تكون بين البلدين.

وأكد الرئيس الموريتاني أن دولته مستقلة ولا يحق للجزائر أن تتدخل في علاقته بالمغرب، ونفس الشيء لا يحق للمغرب التدخل في علاقته مع الجزائر.

تهديدات البوليساريو

أعلن وزير الدفاع الوطني، في جمهورية “البوليساريو” الوهمية، عبد الله لحبيب البلال، أن “الجيش الصحراوي كله في حالة استعداد واستنفار من المحبس إلى الكركرات على طول الحزام الحدودي”.

وأضاف عبد الله لحبيب البلال، في تصريحات صحافية، أن “سنة 2017 ستكون سنة حاسمة على طريق بناء القوة العسكرية حتى تكون في أتم وأعلى درجات الاستعداد للرد على الاستفزازات المغربية”.

وأوضح أن “الوضع في الكركرات لازال كما هو والمسافة الفاصلة بين جيشنا وجيش العدو الغازي (المغرب) أقل من 120 مترا، وهذا الوضع قابل للانفجار في أي لحظة لأن العدو المغربي لم يرجع بعد إلى جادة الصواب وعليه أن يرجع إلى الوضع قبل غشت”.

ومضى يقول، “يوما بعد يوم يزداد تعنتا وغطرسة وتطاولا على المجتمع الدولي ولم ينصع إلى الشرعية الدولية في رجوعه إلى الوضع قبل أغسطس والبحث الجاد عن حل مشكلة تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية”.

وسجل أن “جيش التحرير الشعبي منذ خرق العدو لوقف إطلاق النار حيث أوقف تقدمه ومنعه من استكمال تعبيد الطريق في اتجاه الشقيقة موريتانيا، والذي نؤكده أن جيشنا كله في حالة استعداد واستنفار من المحبس إلى الكركرات على طول حزام الذل والعار”.

في ظل هذه الأجواء قام رئيس جبهة البوليساريو بجولة ميدانية إلى كافة وحدات “جيش التحرير الشعبي الصحراوي” المرابطة على طول الحزام من المحبس إلى الكركرات.

وكان المغرب قد أطلق حملة أمنية على تجارة التهريب في المنطقة، بداية غشت 2016، وحاول إنشاء طريق بري يمر عبرها ويصل إلى موريتانيا، قبل أن يقوم مسلحو البوليساريو بقطع الطريق ومنع التجار المغاربة من الوصول إلى موريتانيا.

العمل المغربي في “الكركرات” رأت فيه جبهة “البوليساريو الانفصالية” التي تعتبر أن المنطقة متنازع عليها، عملا تصعيديا من قبل الرباط، فشرعت في حشد مقاتليها في المنطقة، تلويحا باستعدادها للمواجهة.

ويعتبر مراقبون أن هذا البلاغ يعد أقوى وأوضح تصريح رسمي مغربي على التطورات العسكرية الجارية في منطقة (الكركرات) القريبة من الحدود المغربية الموريتانية، التي عرفت في الفترة الأخيرة تصعيدا كبيرا بين الجانبين.

تحذير مغربي

حذر الملك محمد السادس في اتصال هاتفي مع الأمين العام الجديد لمنظمة الأمم المتحدة، مما وصفها بـ”الاستفزازات” التي تقوم بها البوليساريو، ما قد تؤدي إلى نسف وقف إطلاق النار. وقال محمد السادس إن الوضع الحالي “يهدد بشكل جدي وقف إطلاق النار ويعرض الاستقرار الإقليمي للخطر”.

وأوضح بلاغ للديوان الملكي، أن الملك “طلب من الأمين العام للأمم المتحدة اتخاذ الإجراءات العاجلة واللازمة لوضع حد لهذا الوضع غير المقبول، الذي يهدد بشكل جدي وقف إطلاق النار ويعرض الاستقرار الإقليمي للخطر”.

وأضاف بلاغ للديوان الملكي، أن “الملك محمد السادس، أجرى اتصالا هاتفيا، الجمعة، مع أنطونيو غوتيريس، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة”.
وزاد البلاغ أن “الملك أثار خلال هذا الاتصال انتباه السيد غوتيريس إلى الوضعية الخطيرة التي تسود منطقة (الكركرات) بالصحراء المغربية، بسبب التوغلات المتكررة للعناصر المسلحة لـ”البوليساريو” وأعمالهم الاستفزازية”.

وأكد البلاغ أن “هذه الأعمال اقترفت بشكل مقصود قبل شهر من عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بهدف خلق البلبلة، وفي محاولة يائسة لنسف هذا المسلسل”.
وشدد بلاغ الديوان الملكي، على أنه و”تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، كانت وزارتا الشؤون الخارجية والتعاون والداخلية والمفتشية العامة للقوات المسلحة الملكية قد أشعرت، في مناسبات عدة، المينورسو والأمم المتحدة بهذه الأعمال”.

تعد الكركرات منطقة جغرافية صغيرة في منطقة الصحراء المغربية المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كم من الحدود مع موريتانيا وعلى بعد 5 كم من المحيط الأطلسي، وتقع القرية تحت سيطرة المغرب. لا يتعدى طولها 3.7 كيلو، متر حددتها الأمم المتحدة بناء على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع المملكة المغربية وجبهة البوليساريو في 6 شتنبر 1991، كمنطقة عازلة فاصلة بين ميليشيات البوليساريو الانفصالية والقوات الملكية المغربية المتمركزة خلف جدار الرملي. وتعرف المنطقة الحدودية العازلة يطلق عليها “قندهار”.