وجهة نظر

العدالة والتنمية من رفض الابتزاز إلى أداء صلاة الشكر

الناخبون الذين اختاروا العدالة والتنمية خلال السابع من أكتوبر الماضي، وبوؤه صدارة المشهد السياسي، ضدا على إرادة السلطوية والمال الانتخابي، لم يكونوا ينتظر منه في آخر المطاف، -وهم الذين كان يحدُوهم أمل عريض في استكمال أوراش الإصلاح التي أطلقت على عهد حكومة ابن كيران السابقة- أن يطالبهم بعض قيادات الحزب بالوضوء وأداء صلاة الشكر، عقب الولادة القيصرية لحكومة العثماني التي لم تكن في مستوى انتظارات الشارع المغربي.

لقد كان تجديد الثقة في حزب “المصباح” لولاية ثانية على رأس الحكومة لمواصلة الإصلاح، فسحة أمل فئات عريضة من الشعب المقهور، للقطع مع ممارسات الماضي والحلم بغداد أفضل، تتحقق فيه أدنى شروط العيش الكريم، ويتم من خلاله تصحيح الكثير من الاختلالات التي طبعت المسار السياسي المتعثر للمغرب كبلد لا يزال يسير نحو الانتقال الديمقراطي.

وفي خضمّ هذا المد والجزر، والتحولات الجارية، ظل حزب “المصباح” ذي المرجعية الإسلامية،- الذي اختار المشاركة من داخل المؤسسات عوض البكاء والعويل الغير المهدي خارج أسوارها_، عصيا على الاختراق، رغم المتاريس التي وضعت في طرقه، حيث تمكن من الصمود في وجه أعتى الضربات وأشدها ضراوة، وهو لا يزال إلى حد ما محافظا على هذا الرصيد، ومما لا شك فيه أن الفضل في ذلك يعود على جملة من العوامل المرتبطة أساسا باستقلالية القرار الحزبي، وتمثل قيادة الحزب لعدد من المباديء والقيم التي تعكس مدى ارتباطه بالشعب، حتى أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران ارتبط اسمه في مخيال الكثيرين بكونه يمثل كبرياء الشعب، بتعبير المعطي منجب، ضد على من ارتضوا عن طواعية أن يؤدوا دور قفاز السلطة وأدوات الاستبداد الجديد.

لاشك أن التطورات الأخيرة، التي أخرجت حكومة العثماني في ظرف قياسي، بعد تقديم الأخير لتنازلات وصفت حتى من بعض مناضلي الحزب بالمذلة كان وقع كبير على الحزب وأحدث رجات غير مسبوقة، في صفوف التنظيم، رغم أنها لم تصل إلى حد الانشقاق، إلا أنها توحي بأن المصباح ليس على ما يرام، فإطلالة سريعة على ما يكتب على جدارن مواقع التواصل الاجتماعي وما يعبر عنه من مواقف ومواقف مضادة، حتى من طرف بعض القياديين البارزين، يشير إلى وجود غليان غير طبيعي داخل صفوف الحزب، بالرغم من محاولة بعض القيادات آمتصاص هذا الغضب ودعوة مناضلي “البيجيدي” إلى رص الصفوف والوضوء استعدادا لأداء صلاة الشكر.

من الأكيد أن هذا الغليان وهذا الغضب المعبر عنه من قبل قواعد العدالة والتنمية، يعبر عن حيوية هذا الحزب عن سريان روح الديمقرطية في أوصاله وأنه حزب حقيقي،و ليس على شاكلة الأحزاب الورقية التي نشأت في رحم السلطة، لكن بالمقابل ليس من الطبيعي أن يتصور قادة الحزب أن الاشتغال لم يعد ممكنا من خارج كراسي الحكومة و أن الدفاع عن حقوق الشعب والنهوض بأوضاع فئاته المحرومة ومحاربة الفساد وإصلاح الإدارة، مرهونة بقيادة الحكومة أو المشاركة فيها حتى لو تطلب الأمر الدّوس على مصداقية العمل السياسي، وأن المعارضة شرّ مستطير وأن الحزب مصير الحزب سيؤول إلى زوال بمجرد يعود مجددا إلى صفوف المعارضة.

لقد تبرأ ابن كيران في أكثر من مناسبة من طلاب المناصب والمكاسب، ولم يكن تبرؤه هذا مجرد إطلاق للكلام على عواهنه، بل كان تجسيدا عمليا، حيث رأى الجميع كيف قاوم وصمد في وجه من أرادوا إهانة الشعب والعبث بإرادته المعبر عنها خلال إقتراع السابع من أكتوبر، وقال حيناها إنه “لن يخضع لمنطق الابتزاز في تشكيل الحكومة” وأغلب المتتبعين لمسار مفاوضات تشكيل الحكومة خلال فترة تكليف ابن كيران، التي استعملت فيها كل الوسائل لإفشال مهمته، يعلمون أنه لو كان همه المنصب والكرسي، لما رفض الإذعان والاستسلام للشروط المذلة التي ظل مربع السلطوية متشبثا بها طوال 6 أشهر الماضية.

ولا طالما اعتبر ابن كيران في لقاءاته بأعضاء حزبه خلال مختلف المحطات أن الرأسمال الحقيقي لحزب “المصباح” هو الصدق والمعقول، وهو بالفعل مؤشر استطاع من خلاله الحزب في أكثر من محطة سياسية، أن يخرج منتصرا تارة بالإنحناء للعاصفة و تارة أخرى بإثبات عجز الخصوم عن مجاراته، لكن أبدا لم يكن التبرير الواهي، أو الطمع في هذا المنصب أو ذاك من أخلاق العدالة والتنمية، الذي يحسب له أنه أعاد الاعتبار للأخلاق في العمل السياسي، في وقت ابتعدت فيه الأخلاق عن السياسية من خلال انتشار أساليب الكذب و البهتان و المناورة والانتهازية و الوصولية وأصبح معه الجميع يخادع الجميع.