منتدى العمق

لماذا أكره حزب العدالة والتنمية؟

لأنّني خلال دراستي الثّانويّة في ثمانينيّات القرن الماضي كنت أشاهد هؤلاء الذي سيصبحون بعد سنوات مناضلين في هذا الحزب يتعاطون قراءة إنتاج “الإخوان المسلمين” الفكري ويقرؤون بِنَهم كتابات سيّد قطب ومؤلّفاته السيّاسيّة و الدعويّة و الدّينيّة، وقد كان يغيظني هذا التلميذ الذي يتأبّط أحد أجزاء “الظّلال” أو ذاك الذي يحمل بين دفاتره كتاب “معالم في الطّريق” ، أو أحد كتب “فتحي يكن”، لا أحبّ التوجّه الدّيني ولا أحب قيوده الأخلاقية التي تحد من نشاطي الجامح و تعكر صفو انطلاق الشباب.

صحيح أن حياتهم الدّراسيّة و الخاصّة مرتّبة و منظّمة و ناجحة ، و أخلاقهم و اجتهادهم يرفع من شأنهم بين الأصدقاء و أمام الأساتذة و لكنّي أكرههم و أكره أيديولوجيّتهم ، و لن أدع المجال متاحا لصديقاتي و أصدقائي أن ينعتوني بالمعقّد نفسانيّا أو المتزمّت فكريّا بقراءة مثل هذه المؤلّفات أو الامتناع عن معاشرة الفتيات و تناول المسكرات و المخدّرات و لو خلال الأنشطة و المناسبات ، لن أبوح بسرّي لأحد و لكنّي وضعت كلمات ثقيلة عنوانا لكرهي ، و اخترت إسقاطات منتقاة بدقّة من الشّرق لأبرّر بُغضي لهذا التوجّه و لمن يدور في فلكه.

لأنّ “جمعيّة الجماعة الإسلاميّة” الأمّ الشّرعيّة للحزب الذي تعامل مع خلفها “التوحيد و الإصلاح” كولد بارّ و راشد استقلّ بحياته دون عقوق ، طلّقَتِ العمل السرّي بدون رجعة من أجل حركة تحت ضوء الشّمس و أنهت حكر العمل السيّاسي في إطار القانون بأنشطتها المتنوّعة ، و دشّنت لإعلام معبّر عنها يبلّغ صوتها و وجهة نظرها إلى من يهمّه الأمر، إعلام مُفحِم و مزعج لخصم الحزب و لشخصي و للفكر الذي اعتنقته.

ولأنّه لمّا قام عبد الإله يدعو قومه إلى المشاركة في الانتخابات و الدّخول إلى الغرفة التّشريعيّة غاظني في أوّل الأمر سماع صوت حزبه المعارض من داخل القبّة ، و على الرّغم من أنّني بعد ذلك خمّنت أنّ المراد هو تدجينه فكريّا ليلتحق بغيره كلاعب عادي ضمن تشكيلة المشهد السيّاسي ، أو تذويبه في حامض الواقع بصفة نهائيّة أو تحويله إلى بقايا حزب و قصّة تُروى عبرة لمن يعتبر ، فقد صرّفت كرهي لهذا الحزب من باب الاحتياط عبر كلّ القنوات المتاحة و سوّقته بحجّة أنّه تحالف مع النّظام ضدّ الطّبقات الشّعبيّة.

و قد كدت أتميّز من الغيظ حين خاب تخميني و خاب مسعاهم و أصبح عدد نوّابه و مستشاريه يربو عددا و عدّة عند كلّ محطّة انتخابيّة مؤشّرا على أنّه انتصر في الأشواط الأولى في لعبة الاستدراج المتبادل و أوقع خصمه في حيص بيص ، و لم أجد لونا أبلغ لصبغ كرهي الحربائي من إشاعة أنّ النّظام يمكّن لحلفائه الرّجعيّين للقضاء على خصومهما التقدميّين.

لأنّ طموح الحزب لم يتوقّف عند الحصول على فرصة إسماع صوته من منابر مؤثّرة كقبّة البرلمان أو المجالس التّرابيّة و لكنّه خطا بثقة نحو التسيير مستغلّا ثقة الناخب و ثقة شركائه السيّاسيّين المحليّين و قد حقّق بعض النجاح الذي أغرى بمنحه أصوات إضافيّة ، بل ذهب بعيدا نحو تحقيق فوز ساحق نال به ثقة المصوّتين خوّلت له ترأّس الحكومة ، فلا المشاركة السيّاسيّة عجّلت بالذهاب به إلى حتفه السيّاسي و لا تَرَأُس الحكومة حقّق ذلك على الرّغم من الظّرفيّة السيّاسيّة و الاقتصاديّة الصّعبة التي تسلّم خلالها المسؤوليّة و القرارات اللّاشعبيّة التي اتخذها رئيسه و التي كان يُنتظر أن تجرّ عليه عداء قاعدة كبيرة من الناخبين.

وقد تنبّأ مستشرفوا المستقبل و عرّافوا السيّاسة و مسيلمات زمانهن أن دويّ سقوط هذا الحزب سوف يُسمع من وراء المتوسّط الأبيض و المحيط الهادي ، و بدل ذلك و بعد أن تجاوز عقبات قانونيّة تشريعيّة مُفتَعلة ، و امتصّ ضربات فوق الحزام و أخرى تحت الحزام من طرف حلف من ألوان مختلفة غير متجانسة اجتمعت على ضلال بعد أن اختلطت بينها الأنساب الإيديولوجيّة ، مضى في خطّ مستقيم و بجسم حزبيّ سليم تنظّم حركاته و سكناته قواعد يحتكم إليها كلّ مناضليه سواء خلال الظّروف المعتادة أو الاستثنائيّة أو عند المنعطفات الحاسمة ، فلا تنابز حول المسؤوليّات الحزبيّة و لا تناحر حول المواقع الوزاريّة ، مضى الحزب بخطى ثابتة نحو ولاية ثانيّة و برصيد أكبر ، و لن أفشي سرّا بقولي إن التنظيمات التي تحرص على الديمقراطيّة الدّاخليّة أكثر من حرصها على المكاسب الخارجيّة و تصرّ على المهنيّة ، في الاشتغال سواء داخل هياكلها أو مع السّلطات الشّريكة ، بقدر ما تصرّ على التميّز الإيديولوجي تحتفظ بعافيّتها و تعمّر أطول من قريناتها.

لا أدري كيف تحقّق له ذلك ؟ فهل – و كما يقال – صوّت المصوّتون على معلّم السيّاسة ؟ أم على محارب التحكّم و التّماسيح و العفاريت ؟ أم على صديق الطّبقات الدنيا التي لم تنل حقّها بَعْدُ كما قال عنها رئيس الحزب ؟ أم صوّتوا على من قطع ينابيع صندوق المقاصة عن أصحاب اليسار ؟ و في كلّ الأحوال لن أقبل بالهزيمة و أتوقّف عن كرهه و لن تشحّ الألوان التي أضفيها كلّ مرّة على كرهي لهذا الحزب الذي و إن زادته الضربات التي يتلقّاها قوّة فقد تعزّز معسكر خصومه بعناصر نوعيّة تمتلك أسلحة حديثة أجهرت بسعيها ذاك ، و أطمع أن يتحقّق على يدها ما لم يتحقّق من قبل.