منتدى العمق

الحقيقة المرة

نشر مؤخرا على شبكة التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لطبيب في مدينة صفرو اثار غضب المغاربة الذين شاهدوه. القصة ان هذا الطبيب ترك مكتبه في المستشفى الحكومي الذي اصطفى أمامه مجموعة من المواطنين المرضى الذين أتوا لزيارته. هذا الطبيب غادر المكتب بدعوى انه داهب ليؤدي الصلاة . لكن الحقيقة كما يظهر في هدا الفيديو أن الطبيب ذهب إلى المقهى لشرب قهوة ويدخن سيجارته مع احد الأصدقاء وترك المواطنين ينتظرون. لماذا تفاعل المغاربة بنوع من الاستغراب و الصدمة مع هذا الشريط، هل هذه الممارسة غريبة على المجتمع المغربي. هذه الممارسة شائعة و الفساد و انعدام الأخلاق المهنية شئ اعتاده المغاربة و لاشئ جديد يحمله هذا الشريط.

في من بين المواضع اكثرا شيوعا داخل المجتمع المغربي و التي تناقش بغزارة هي الفساد و اقتصاد الريع اللذين ينخران المؤسسات العمومية و يقفان حجزا امام اي تقدم في التنمية الاقتصادية. الكل يوجه أصابع الاتهام الى الدولة و دورها في تفشي هذه الظاهرة التي تخرب النسيج الاقتصادي و الاجتماعي. الى درجة ان الكل يردد أمثالا و أقوال شعبية ترسخ هذه الممارسات داخل المؤسسات على قبيل القول “لي ماعندو سيدوا عندوا لاله” “دهن السير إسير”.
اذا كانت الدولة هي الوحيدة المسؤولة عن تفشي هذه الممارسات الشادة داخل المجتمع، فإن المواطن يلعب دورا كبيرا في تفشي هذا السلوك في مجتمعنا .

نعم الدولة لها دور كبير في انتشار الفساد من رشوة و انعدام المسؤولية في تسير الشأن العام الى تزوير و الكيل بمكيالين في التعاطي مع شؤون المواطنين .هذه الممارسات هي سلوكات
غيرقويمة. كثيرا ما يوصف الأفراد الدين يصهرون على شؤون الدولة بعدمنزاهة (سلوكياً،وظيفياً،مالياً) .هذه السلوكات تنخرهياكلالدولة و يصعب معها الحل . يرجع هذا الى أسباب أهمها بنيوية كغياب اليات المحاسبة والاعتماد على أساليب عتيقة في تسير شؤون البلاد. زِد على ذلك غياب الإرادة في تحديث المؤسسات العمومية.
مسؤولية الدولة تم التطرق له في عدة المناسبات و ليس عليه اختلاف ، لكن السؤال الأهم هو دور المواطن العادي في تشجيع هذه الممارسات داخل العائلة و في علاقته الاجتماعية.

للأسف ان كل واحد داخل المجتمع المغربي من الأب و الام و الأخ الى الصديق ساهم بشكل او بأخر في انتشار الفساد. لو تعاطينا مع هذه المعظلة بنوع من الشجاعة الاخلاقية فلا احد منا يمكنه ان يدعي البراءة .
كل منا له احد أفراد العائلة يشتغل في القطاع العام ، و نفتخر بما حققه من إنجازات من مسكن، سيارة و لم نتجرأ يوما ان نتسائل هل هذا الشخص مما حقق نتيجة عمله و من عرق جبينه ام ان المدخول الشهري الذي يتقاضاه يستحيل معه توفير مايكفي للوصول الى هدا المستوى المعيشي. اكثر من ذلك تجد أفراد العائلة يتباهون بهذا الشخص امام الآخرين . كم من مرة نقارن بين شخصين يعملان نفس الوضيفة على أساس ممتلكاتهم دون مراعات مصدر المال. في هذه الحالة الانسان النزيه يصبح فاشلا و الانسان الذي حصل على الأموال عن طريق الرشوة و الفساد غالبا ما يوصفه الناس بانه ذكي و ناجح. كمًمن مرة نفتخر بصديق لا يشتغل و يتوصل باتب شهري من أخيه او اخته تشتغل في الدولة. غلبا ما يقدم بعض الأشخاص على انه اخ فلان او فلانة او انه عمه او خاله يشتغل كذا او كذا. القرابة اصبحت معيار في تحديد مكانة الأشخاص في المجتمع.
تجد الأب يفتخر بابنه الذي يرسل له مبلغا ماليا كل الشهر علما ان المدخول الشهري للابن محدود، مصدر هذا لايهم بالنسبة للعائلة. كم من مرة سأل الأب ار الام هل هذا المال مصدره حلالا ، هذا ليس بمهم المهم هو ان يتوصل الأب في أخر الشهر بهذه الأموال.كم منا يعرف شخصا في العائلة او صديقا رغم بساطة وظيفته و مدخوله الشهري و يمتلك منزلين و سيارتين و أبناء يدرسون في القطاع الخاص كم منا يعرف شخصا لا يؤدي عمله بالوجه المطلوب و لا نتجرأ على نهي المنكر.

مرة كنت جالسا في المقهى مع مجموعة من الأشخاص و كان هناك شخص لا عرفه ، وًعندما غادر هذا الشخص الطاولة نظر نحو احد الجالسين الذي اعرفه و قال لي بنوع من التعالي ان صديقه هو اخ لأحد اطر الدولة و يتوصل بحوالة كل شهر من أخيه و انه في غنى عن وظيفة. كم مرةًسمعت مثل هذه القصص و كأنها هذا الوضع مصدر للافتخار.

الاخلاق لم تعد مقياسا داخل مجتمعناو لم يعد احد في هذا الزمان يبالي بمقولة الشاعر احمد شوقيإنمـاالأمـمالأخلاقمـابقيـت. فإنهمذهبتأخلاقـهمذهبــو. من السهل ان نتهم الدولة بالفساد، من السهل ان نشير باصابعينا الى الاخرين لكن من المصعب ان ينظر الانسان في المرأة و ان يتسائل هل أقوم بدوري كمواطن في إصلاح هذا المجتمع.