وجهة نظر

عن التيارات الحزبية المضادة القادمة من الصحراء

جرت العادة أن تؤدي هزيمة الأحزاب السياسية في الاستحقاقات الانتخابية، وفشلها في تشكيل الأغلبية الحكومية، إلى بروز انشقاقات، وظهور تيارات مضادة، تضفي على نفسها صفة التصحيحية، لكن الغريب في الساحة السياسية المغربية، أن الأحزاب المشاركة في الحكومة، والتي من المفروض، أن يكون دخولها للحكومة يشكل في حد ذاته إنجازا لمسارها، تجد نفسها في الآونة الأخيرة محشورة في مستنقع من التطاحنات والصراعات بين أعضاء مكاتبها الوطنية والتنفيذية.

من الواضح، أن هناك أبعاد مختلفة تخص كل حزب سياسي، حسب سياقات نتائجه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذا مرتبطة بظروف وحيثيات تشكيل الحكومة المغربية الجديدة، فحزب العدالة والتنمية الذي تصدر الانتخابات الأخيرة، وجدت قيادته نفسها مجبرة على سلسلة من التنازلات، سارت في اتجاه تقزيم دورها في الحكومة، تحت مبررات الخضوع لإرادة الأقوياء حسب تعبير مجموعة من قيادييه، مفضلين الاستسلام للأمر الواقع والقبول بتمضية ولاية حكومية جديدة، في ظل غنائم الامتيازات والتعويضات، على أن يروا مصير حزبهم الحل دون رجعة ،فيضيع بذلك الجمل بما حمل، من خلال مبررات تدعمها السياقات الدولية الراهنة المناهضة لتوظيف الدين الإسلامي في السياسة، كما هو واقع الأمر مع جماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية، وهو شيء فهمته شرائح عريضة من مناضلي الحزب، وبالتالي فغضبهم يأخذ شكل الصمت، وهي منهجية اعتاد عليها الحزب مع توصيات عبد الإله بنكيران في مرات عدة، لمناضليه بالصمت وعدم الرد على مجموعة من الأحداث السياسية.

تبقى بعض الأصوات القيادية داخل حزب العدالة والتنمية، التي تناوش من هنا وهناك، وتعبر عن عدم رضاها عن حالة الحزب، غير ذي مصداقية، إذا ما أدركنا أن خروج تصريحاتها المضادة، جاء فقط بعدما، رأت نفسها خارج سرب الشخصيات المستفيدة من الاستوزار ومن أبرزها قيادية بارزة من أصول صحراوية، في حين أن حراك شبيبة الحزب في الآونة الأخيرة، هو شيء عادي، يدخل في إطار التموقع وفرض الذات، والتطاحنات للاستفادة من كعكة المناصب بديوان الوزراء المنتمين للحزب.

نفس الشيء يدفع بعض الأحزاب الأخرى، من قبيل الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية، إلى خروج أعضائهم بتدوينات وتصريحات مناهضة لقيادتهم، كرد فعل عن غضبها من استبعادها من الاستوزار.

غير أن المتأمل بعمق، للتيارات الغاضبة الأخيرة على قيادات أحزابها، يلاحظ أن مصدر انطلاقتها، يحمل رائحة رياح قادمة من الأقاليم الجنوبية الصحراوية المغربية، فحزب الاستقلال، ومخاض صراع قيادته الحالية مع السلطة، وغضب هذه الأخيرة من مواقفه، حيث تفكر بكل الوسائل في إزاحة تلك القيادة، حتى أن الدخول في الحكومة، أصبح محرما على الحزب، وهو أمر تضايقت منه باقي القيادات المشكلة للحزب، ليدخل على الخط تيار صحراوي يتزعمه حمدي ولد الرشيد، في مواجهة مباشرة مع حميد شباط، في الوقت ذاته، يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي بدوره، تصدعا نتيجة قيام تيار مضاد بالجهة الصحراوية كلميم واد نون، يتزعمه عبد الوهاب بلفقيه، الذي عزله إدريس لشكر من مهمة الكتابة الجهوية لنفس الجهة.

ثمة دلالات متعددة تحملها هذه التيارات المضادة، القادمة من جنوب المغرب الصحراوي، فهي تعبر عن تحول في إستراتيجية المكون الصحراوي، من لعب دور التمثيلية الجهوية، إلى دور أكثر فعالية في المشاركة في صياغة القرار الحزبي مع مكونات محاور الرباط وفاس، وبالتالي محاولة كسر هيمنة القوى التقليدية، الرافعة لشعار الشرعية التاريخية.
خروج المكون الصحراوي للأحزاب المغربية للاحتجاج، قد يفهم منه، إرسال رسالات سياسية عن عدم رضاه عن تمثيلية جهتهم في التشكيل الحكومي الجديد، وعن تزايد ضغوطاتهم للعب دور أكبر داخل الأحزاب السياسية المغربية من جهة، أما من جهة أخرى، فقد يراد بذلك، تحويل الصراع الحزبي على المقاعد الانتخابية من الصحراء، إلى صراع بين تلك الزعامات التي تحمل طابعا قبليا، إلى داخل الأجهزة التنظيمية لتلك الأحزاب نفسها، خصوصا وأن ما يميز الحكومة الجديدة هو اكتساح تيار المكون الأمازيغي، المتمثل في كل من رؤساء أحزاب العدالة والتنمية ،التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية.

على الرغم من أن الصراعات ذات البعد القبلي الاثني، لا يراد لها أن تظهر للعموم، وتحدث بشكل خفي، غير أنها بدأت تتكشف شيئا فشيئا، عند تشكيل الحكومة الحالية وصارت تغذيها سلوكيات قادة الأحزاب السياسية، الذين يميلون إلى تقديم مقربيهم إلى تقلد المناصب الوزارية والمهمة، حتى أن رئيس حزب سياسي يقال في الكواليس، بأنه اقترح نفسه وابنته للدخول إلى الحكومة، مما يفتح الباب على بداية تلمس تدافع وتنافس جهوي سياسي في المغرب، وهو معطى كانت الدولة المغربية واعية به منذ زمان، من خلال الحرص على هندسة تشكيلة حكومية تجمع تمثيلية لأغلب جهات المملكة، ولو بنسب مختلفة، حتى تضمن التوازن وترضي أغلب الأطراف.

التمثيلية الجهوية في مراكز القرار المؤثرة، تخضع لمتغيرات الظروف السياسية، حيث يظهر في الآونة الأخيرة، التركيز على فتح الباب أمام شخصيات ريفية من شمال المغرب، للعب أدوار مهمة في الساحة السياسية، قصد بعث رسالة مفادها، انخراط أغلب المكونات الجهوية في صياغة القرار وتدبير شؤون البلاد، فتنصيب وزير داخلية جديد في ذلك المنصب الحساس، ينحدر من منطقة الشمال الريفي، وهو شيء جديد ونادر، ولكن يأتي ربما للمساعدة على احتواء وإخماد موجة الاحتجاجات التي تعرفها منطقة الحسيمة، فضلا عن شخصيات أخرى كالأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، ورئيس مجلس المستشارين، اللذان يحتلان بدورهما مواقع مؤثرة داخل الساحة السياسية المغربية، وهو أمر قد يدفع شخصيات من جهات أخرى، إلى التنافس من أجل وضع قدم تقترب أكثر فأكثر من مراكز القرار.

محاولة أبناء المناطق الجنوبية الصحراوية، لعب دور قيادي أكبر داخل الأحزاب السياسية التقليدية، يأتي أيضا في ظل واقع جديد، يتمثل في أن قياديي بعض الأحزاب السياسية خصوصا في المجالات الحضرية، لم يعد لهم التأثير الشعبي اللازم لكسب الأصوات الانتخابية في الدوائر التي يترشحون فيها، حيث أن عدد منهم لم يتمكنوا من الصعود للبرلمان، على الرغم من إدراج أسمائهم على رؤوس اللوائح، وبالتالي أصبحوا فاقدي للشرعية الجماهيرية، واستمرار تواجدهم على هرم الأحزاب يأتي فقط نتيجة سيطرتهم على القواعد المتحكمة في انتخاب أعضاء المكاتب الوطنية والسياسية، في حين أن القياديين الحزبيين المنتمين للصحراء، يتوفرون على قاعدة شعبية، نتيجة للطابع القبلي لتلك المناطق، مما يجعل مسألة نجاحهم في البرلمان، مسألة مفروغ منها، وبالتالي يصبح وزنهم الفعلي، ومطالبهم بلعب دور أكبر في الأحزاب لها ما يبررها.