منتدى العمق

إلى الحكومة المغربية ورئيسها

منذ استبعاد سلفك بنكيران وتعيينك رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة وأنت تدهشنا يا سيد العثماني، فلم يمضي أسبوع على بدايتك المشاورات مع باقي الأحزاب حتى تخليت عن شرط الأمين العام ورحبت بالإتحاد الإشتراكي في حكومتك المرتقبة، التي كان من المفروض أن تعكس الإرادة الشعبية حسب قولكم، وطبعا أردتم حكومة قوية ومنسجمة فشكلتموها من 6 أحزاب إضافة إلى حزب التكنوقراط ، فنجحتم في أسبوع بالمهمة التي لم ينجح فيها سلفكم في 6 أشهر عجبا هل المشكل في بنكيران، أمر يدعو للإستغراب.
هذا كله مر في صمت وبرد وسلام، كأن المواطنين لا يعقلون أو يسمعون، تنازلاتكم يا سيد العثماني تواصلت بلا حدود، وصدق من قال “أصعب تنازل هو التنازل الأول”، فأخرجتم لنا حكومة من 39 وزير وكأننا ندير نصف الأرض الشمالي متناسين أننا دولة سكانها 33 مليون فقط، الوجوه بقيت نفسها فقط الفرق في الحقائب المحصل عليها، منهم من جمع الأرض والماء والهواء والبحار ومنهم من انطبق عليه المثل القائل “المهم هو المشاركة”.
والأكثر غرابة هو البرنامج الحكومي، فلم نسمع من السيد رئيس الوزراء عن إصلاحات جوهرية في قطاع التعليم والصحة، وأرقام عن فرص الشغل للقضاء على البطالة، ومحاربة الفساد، أو ربما هذه إصلاحات يصعب تحقيقها في ظرفنا هذا بحكم أن “المصلحة العليا للوطن” تقتضي تأجيلها لوقت لاحق ربما والإكتفاء بتوزيع الصدقات على الفقراء والمساكين.
أما تبريراتك السيد الرئيس لهذه التراجعات الكبيرة التي وضعت حدا للإنفتاح الديمقراطي الذي عشناه لفترة، لا يقبلها عقل سليم، ورفضها أعضاء الحزب قبل غيرهم، فهي بالأساس لم تبغي الإجابة عن تساؤلات المواطنين وإنما كان هدفها إطفاء غضب المنتسبين.
هنا لا مجال للشك في حسن نواياكم السيد العثماني فأخلاقكم العالية يشهد بها البعيد قبل القريب لكن ممارسة السياسة ليست كممارسة الطب، في الثانية تكون مسؤولا عن المريض وفقط أما في الأولى فأنت مسؤول عن كل مواطن ومواطنة الذين صوتو لك وضدك، وتكريما لأصواتهم يجب احترام رأيهم في كل كبيرة وصغيرة، أو على الأقل تجنب إهانتهم، فأن تكون منتخبا معناه أن تستمد شرعيتك من المواطنين وليس من مكان أخر، هذا ما تقول به الديمقراطية إن لم أكن مخطئا.
لا شك أن حزب العدالة والتنمية مثل نموذجا في استقلالية القرار الحزبي وحافظ على مسافة بينه وبين السلطة، لكنه اليوم مهدد بفقدان هذه الإستقلالية التي ميزته عن أقرانه من “أحزاب الإدارة”، وكل الخوف من أن يتحول إلى مخلوق لا يعيش إلا في حضن السلطة، ولدينا في الإتحاد الإشتراكي أكبر دليل، وكيف تحول من حزب كبير إلى حزب قزم لا يناسبه مكان إلى في مقاعد الحكومة، ألا فل نعتبر.ولا تنسى يا سيد العثماني أن كل شيء يمكن تحقيقه والوصول إليه، إلا ثقة المواطن فإن هي اهتزت لا تعود، والأمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ السياسي المغربي.
أكثر ما سيفقده المغاربة في الخمس السنوات المقبلة هو لغة الصراحة والوضوح التي تعودوها مع بنكيران، ويحسب للرجل أنه أدخل السياسة لبيوت المغاربة، أما لغة الخشب والبيانات المقروئة فلا تسمن ولا تغني من جوع، بل على العكس تبعد الناس عن السياسة وتساهم في العزوف عنها. مهمتك ليست سهلة سيد العثماني ولا أنت محسود عليها لكن نريدك فقط أن تضع بين عينك حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام “أد الأمانة إلى من ائتمنك”، فالناس ائتمنتك على أصواتها فلا تردهم خائبين.