وجهة نظر

الرقي.. فرض كفاية

قبل أيام قرأت عن دراسة أجراها باحثون بجامعة يال الأمريكية تثبت أن تناول الحلويات يعطّل مركز الإحساس بالشبع في الدّماغ لاحتوائها على مادة الفريكتوز، وتساءلت حينها، هل هناك من طريقة لتعطيل استجابتنا العصبية عند الوصول لحد معيّن من مخالطة بعض الفارغين الذين تفرضُهم علينا ظروف الحياة اليومية !

طبعا لست أنتظر عقارا جديداً يقوّي مناعتنا مع هؤلاء، فالأمر أشبه بحُلم مُستقطع من فيلم خيال علمي، لكني أتحدث عن شيء آخر، فأحيانا حين تجد نفسك تتعامل مع نوع خاص من البشر تدرك أنّ ليس للأمر علاقة طردية بالذكاء ومستواه بقدر ما للأمر علاقة بحفنة من المواقف والتوجهات المائلة تماما كبُرج بيزا . . .

فأصناف العقول المجوّفة التي قد تجبر على التعامل معها بحكم عملك أو صفتك أو فقط بحكم تواجدك معها على نفس الكوكب، تجعلك تدرك أن التفاهة بزماننا صارت صناعة ثقيلة وعملة رخيصة لا يهمّ حقا كم يكون لها من وجه ما دام الجهل هو حاديها .

فحين تصير بعض الأخبار الرخيصة تحتل مكانا وتيراً بين الأخبار الوطنية والعالمية، وحين يتمكّن الرأي العام بوصفه المسؤول بصفة مباشرة أو حتى غير مباشرة عن تسويق مثل هذه السخافات وتداولها لأيّام, سنفهم حينها أن الأمر أكبر من لعبة شطرنج تباع فيها البيادق في سوق النخاسة، وسنستوعب ما معنى أن تتعدّد مواقفنا كما تتعدّد طبقات الغلاف الجوّي ..
“الفرق فقط أن هذه الأخيرة تتداخل في بعضها مما يجعل من الصعب الفصل بينها، ونحن نتباعد مما يجعل من الصعب الجمع بيننا! ”

ولست هنا أتحدث عن موضوع معيّن، فالأمثلة لست أحتاج أن أدرجها فهي منتشرة بأريحيّة بيننا ولكني أتحدث عن الكمّ الكبير من انشغالاتنا بسفاسفِ الأخبار والمواضيع التي تمتص جزء مهمّاً منّا ومن وجودنا دون أن ندري ..
وهنا أتحدّث عن الوجود.. فدوما ما كنت أقول أننا نحتاج قبل أي شيء أن نوجد..فنبضات القلب وحدها لا تكفي، هناك ذلك الشيء الذي يجعلنا موجودين لا أحياء فقط..

ولا أريد أن ينطبق علينا قسراً فكر إميل سيوران الذي يظنّ أن كل الأدلة تشير إلى أننا موجودون في هذا العالم لكي لا نفعل شيئا ..فأنا أومن أننا موجودون لأسباب كثيرة معيّنة تُلغي عبثية الحياة التي نظّر لها ألبير كامو وجسّدها سيزيف، فحتى إن كانت هذه الحياة مجردة محطّة سنستقل بعدها القطار للمحطّة الأخيرة، فإنني لا زلت أراها قطعة بازل من الصعب أن تستوي اللوحة النهائية بعدها،
فلو اعتلينا السطح ونظرنا بالأسفل، سنجد أن الشارع الملوّث من الممكن أن يستحيل شارعا أنيقا ببعض اللّمسات، لكن أفكارنا و نظرتنا الأحادية لجنس الأمور يجعل من الصّعب الحصول على فكرٍ راق نظيف !

فما دمنا محملين بأصناف من الاهتمامات العارية من المعنى الاصطلاحي لها، وما دمنا محاطين برغبتنا بمُؤثرات عقلية ومرئيّة لا تخدم مسألة وجودنا، فلا داعي أن نلبس عُدّة الغطس لنغوص في قيمة وجودنا، فالوجود كوصفة، يحتاج مقاديرا ومُكنة، والمقادير هي الأرواح التي نختارها رفقة ومناهج التعلّم والحياة التي نختارها لنرقى بذواتنا، والمُكنة هي مجموع المكاسب التي تُحسن نوعية استوطاننا لهذا الكوكب، لنتحول من مجرد مستهلكين إلى فاعلين !

ولأن العقول المُجوّفة لا يمكننا التخلص منها لأنها تشكّل بعض مظاهر الحياة الديمقراطية، فالأفضل أن نتجاهل وجودها الاعتباري فقط !

التورّط ببعض السخافات يجعلك رخيصا بجرعات أكبر، هناك أشياء أهمّ بالعالم تنتظر

تعليقات الزوار

  • أم وليد
    منذ 7 سنوات

    تفكير عميق..و دعوة لطرد التفاهة من حياتنا لأن وجودنا أسمى