منتدى العمق

حراك الريف .. بين المتطلبات والمزايدات

حراك الريف احتجاجات الحسيمة

بدأ الحراك الاجتماعي في الريف يأخذ أبعاداً خطيرة في الآونة الأخيرة بسبب تراكم عدّة أخطاء في تدبير الإحتجاجات من الدولة ومن قيادة الحراك، لهذا لا بدّ أن نتسأل عن كيف تحوّلت هذه المطالب الاجتماعية المحضة من ساكنة المنطقة إلى اتهامات بالإنفصال والعمالة الخارجية من الحكومة؟

لنبدأ من أصل الحكاية أي من أوَّل مظاهرة والتي كانت بسبب طريقة الوفاة المروّعة التي لقي بها الشهيد “محسن فكري” حتفه، وقد أيقظت هذه الحادثة شعور – الحكرة – لدى أهل الرّيف، والذين لا تزال ذاكرتهم لم تتجاوز بعد جراح سنوات الرصّاص، استثمر نشطاء الحراك – أوّلهم ناصر الزفزافي – هذه الظروف وهذا الشعور العام لطرح مشكل التنمية الذي يفرض نفسه بقوّة في منطقة تعرف أكبر معدّل للبطالة على المستوى الوطني، وتعيش بشكل كبير على تحويلات أبنائها في دول المهجر.

لكن الدولة التي كانت قد خرّبت سابقة الوسائط الحزبية التي قد تساعد في فتح قنوات حوار مع الساكنة بفرض حزب هجين في تمثيل المنطقة، تعاملت برعونة كبيرة مع هذه المظاهرات، حيث لجأت إلى العنف في مواجهة احتجاجات ترفع شعار “سلمية سلمية بلا موس بلا جنوية” ، وهو ما عزّز أطروحة قيادة الحراك التي تتّهم الدولة باستهداف الرّيف، ما نتج عنه تزايد المتعاطفين معهم وتوسّع دائرة الاحتجاجات من الحسيمة فقط لتشمل الرّيف بالكامل.

بعد هذا توجّست الدّولة، وبدأت في الاستجابة لبعض المطالب، وفتحت قنوات مباشرة للحوار مع الساكنة، ومع المنتخبين بالمنطقة، هذا التجاوز لقيادة الحراك لم يستسيغوه ونزلوا بدورهم إلى الساكنة لتحذيره من “قوالب المخزن” وكثفوا من احتجاجاتهم.

ولأنّ لغة الشارع هي ما تفهمه الدولة عبر تجارب عدّة، عاهدت الساكنة قادة الحراك على الاستمرار في التظاهر لغاية تحقيق كافة المطالب، وولّوهم على تمثيلهم لدى الدّولة.

جلب استثمارات وخلق مناصب شغل مستعجلة بإقليم الحسيمة فتح شهية الكثير من المناطق المهمّشة في المغرب للسّير على نفس خطى المحتجّين في الرّيف لانتزاع حقوقهم المشروعة في الشغل والصحّة والتعليم …، وقد بدأت بالفعل تشكّل تنسيقات لتأطير الاحتجاجات في عدّة مدن مثل تنغير وخريبكة وأسفي، وهذا ما استشعرت خطورته الدولة مخافة اتساع رقعة الاحتجاج لتصبح على صعيد وطني وتكرار تجربة هي في غنى عنها كحراك 20 فبراير، لهذا تحاول وزارة الداخلية استغلال بعض أخطاء قائد الحراك ناصر الزفزافي في إقحام المؤسسة الملكية في الاحتجاجات لعزل هذه القيادة، ودفع الساكنة للتبرؤ منها ومن أفكارها الهدّامة حسب قول الوزارة.

من المؤكد وجود انفصاليين في الرّيف، مثلما يوجدون في الجنوب الشرقي وسوس والصحراء، وصوتهم نشّاز وغير مؤثّر بالمرّة، لكن قمع المحتجين المسالمين وتوجيه تهمة الانفصال والعمالة لأعداء الوطن سيدفعهم غصباً لتبنّي هذا الطرح مثلما حدث لمجموعة مصطفى الوالي” في السبعينيات.

لهذا يجب على الدولة رفع التهميش والحيف عن هذه المنطقة دون الإلتفات إلى الأخطاء التي قد يقع فيها المحتجون عبر تنزيل البرنامج التنموي “الحسيمة .. منارة المتوسط” الذي لا يزال حبراً على ورق رغم أنّه كان من المفترض أن ينتهي من أشغاله سنة 2019!

وتحمّل مسؤوليتها في التوزيع العادل للثروة في كل ربوع الوطن، وتحقيق الشروط الأدنى للعيش الكريم لكّل الشعب لضمان عدم تكرار مثل هذه الاحتجاجات الكبيرة في مناطق أخرى في السنوات القادمة.