منتدى العمق

علاقة الأستاذ بالتلميذ ومستوى التعليم.. بين الأمس واليوم

تشير دراسات عديدة،الى أن التعليم في بلادنا المغرب، يسير من سيئ الى أسوء، وقد حاولت الدولة بمعية الوزارة الوصية، إدراك ما يمكن إدراكه من خلال تبني العديد من المخططات، لعل أشهرها المخطط الاستعجالي، إلا أنه ورغم كل المجهودات، ظلت دار لقمان على ما هي عليه.

في خضم هذا الواقع،يربط العديد من المتتبعين بين تدني مستوى التعليم وصورة الأستاذ اليوم مقارنة بصورته في الماضي، مشيرين بذلك بأصابع الاتهام نحو الأستاذ محملين إياه ما وصل إليه الوضع اليوم. ويبرر هؤلاء رأيهم بكون علاقة الأستاذ بالتلميذ بالأمس كانت كعلاقة الأب بالابن تماما، عكس اليوم حيث اصبح التواصل بين الطرفين متاحا دون حواجز كثيرة، ما نتج عنه توثر العلاقة بين الطرفين، ما أدى إلى تدني المستوى حسب زعمهم، وكأن تلك العلاقة كان لزاما أن تبقى على ما هو عليه إلى الأبد، وكأن الزمن قد توقف ناسين أو متناسين كل المتغيرات والتحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع.

إن علاقة الأستاذ بالتلميذ ليست مرتبطة بالقسم، بل تتأثر بمتغيرات وتحولات العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فمثلا ألم تتأثر العلاقات الاجتماعية بعد ظهور ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي، وبكل التطورات التكنولوجية المتسارعة في عصرنا هذا؟إدا اعتقدنا جازمين أن علاقة المعلم بالمتعلم في الماضي كانت مبنية على الاحترام التام إلى حد الخوف تماما كعلاقة الأب بالإبن في السابق أيضا، فكيف هي علاقة الاب بالابن اليوم؟ الم تضعف سلطة الاباء على الابناء نظرا لتطور وسائل الاعلام؟. لامناص من أن صورة الأب قد تغيرت ولم تعد كما هي في السابق،وتحولت من علاقة عمودية لعب فيها الأب دور الأمر والناهي، إلى علاقة أفقية تتبادل فيها الآراء، يعبر فيها الطفل عن رغباته وميولاته،ولاشك أن لهذا التحول أسباب من بينها تغير أساليب التربية في المنزل، حيث اندثرت أساليب العنف تدريجيا بفضل الوعي.

إذا سلمنا بان هذه المتغيرات قد ادت الى تصدع العلاقات الاسرية وضعف تأثير الأب على الابناء، فلا ريب ان ذلك قد انعكس بالمقابل علىعلاقة الأستاذ بالتلميذ.
في نفس النطاق، المذكرتان اللتان أصدرتهما وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، الأولى تحت رقم 15-002 في 09 يناير سنة 2015،التي نصت على منع جميع أشكال العنف ضد المتعلم،والثانية سنة 2009 التي منع بموجبها الأستاذ من طرد التلميذ من الفصل. ألم تساهم هذه الإجراءات في تقزيم سلطة الاستاذ في القسم؟.

علاوة على ذلك،انتقل التعليم المغربي في السنوات الأخيرة، من التدريس وفق بيداغوجيا الأهداف، التي كان فيها الأستاذ محور العملية التعليمية التعلمية، والقائد الوحيد والأوحد في الفصل، ومالك المعرفة أمام التلاميذ، إلى طرق التدريس وفق المقاربة بالكفايات، التي تضع التلميذ في محور العملية التعليمية التعلمية، وتؤكد على ضرورة إشراك التلاميذ في بناء الدرس، وتعتبر الاستاد مسيرا لا مسيطرا. وبالتالي نكون هنا فيبداية تشكل قطيعة، لعلاقة عمودية وفق بيداغوجيا الاهداف،حيث لا سلطة تعلوا على سلطة الأستاذ. وعلاقة أفقية وفق المقاربة بالكفايات، يبني فيها التلاميذ الدرس تحث إشراف الأستاذ، في حوار مفتوح بعيد عن التسلط والسيطرة.

من أجل مزيد من البحث في الموضوع، فتحنا المجال لجيلين من التلاميذ، جيل الماضي وجيل الحاضر، ليعبروا عن آرائهم في علاقتهم بأساتذتهم.
جيل الماضي:

– احمد ب. (34سنة): الذي ينتمي الى جيل التسعينيات يقول بان علاقته بأستاذه كانت مبنية على الاحترام والانضباط التام الى حد الخوف ويرد ذلك الى العنف المسلط من طرف الاستاذ.

– عبد الجليل أ. (28سنة):يرى ان علاقته بأساتذته كانت شبيهة بعلاقته بوالده. ويضيف على ان اسلوب العنف كان مسيطرا في القسم ما جعل التلاميذ ينضبطون الى حد الخنوع حسب تعبيره.

– محمد أ. (30سنة): يؤكد على ان مجال الحوار مع الاستاذ انداك كان شبة منعدم وان الخوف هو ما يميز علاقته بأساتذة داخل وخارج الفصل.

– سارة (25سنة):تقول سارة بان هيبة الاستاذ في الماضي كانت تسبقه، حيت أننا كنا كتلاميذ نهاب الأستاذ قبل الولوج الى القسم وذلك لمعرفتنا المسبقة عن قساوته، إذ أن مجرد كلمة واحدة منه تجمد التلاميذ،كما تؤكد سارة على أن مراقبة والديها لها وصرامتهما معها مكملة لطريقة تعامل الاستاذ.
جيل الحاضر:

-سفيان مرباح (16سنة): وهو تلميذ في الثالثة إعدادي يبدي ارتياحا حيال الجو السائد في القسم اد يقول بان مجال الحوار مع الاساتذة مفتوح،وان الاساتذة نادرا ما يلجؤون الىأساليب العنف في العقاب. ويضيف أن هذه الطريقة في التعامل إسقاط لطريقة تعامل أمه معه (والده متوفي).

– مريم اشتوك (15سنة): وهي تلميذة في الثالثة إعداديإنصب رأيها في المقارنة بين الماضي والحاضر في موضوع الحرية، حيت قالت إذا كانت الحرية في السابق غائبة، فإنها اليوم قد قدمت لنا في طبق من ذهب، دون توضيح لمفهومها ولا لمغزاها، دون قيود تضبطها، فصار التلاميذ يستخدمونها بلا وعي، حتىأصبحت تعليلا ومبررا ودريعة يبررون بها سلوكياتهم غير الناضجة وغير المسؤولة تجاه أنفسهم وتجاه أساتذتهم.

– أوبكريم محمد (15سنة):وهو تلميذ في الثالثة إعدادي وفي سؤاله عن عنف الأساتذة قال: ” الأساتذة قليل فاش كيستعملو العصا ولكن كاينين بعض التلامد ضروري من العصا باش انضبطو”

انطلاقا مما ذكرناه، ومن الآراء المستقات، يتضح بالملموس أن التغيير الحاصل في علاقة الاستاذ بالتلميذ هو تحصيل حاصل لمجموعة من المتغيرات التي شهدها ويشهدها مجتمعنا من تفكك وتصدع أسري لا يد للأستاذ فيه. إن الربط بين تقهقر مستوى التعليم وصورة الاستاذ لنظرة ضيقة لواقع الامر، بل ودليل عن عدم الالمام بالوضع الحقيقي الذي يعيشه التعليم. هذا الأخير الذي يحتاج إلى إصلاحات جدرية تبدأ بحماية الأستاذ وإعطاءه السلطة الكاملة داخل قسمه وليس تقزيم صورته والرمي به للواجهة.