منتدى العمق

دفع “البالي والراشي” لبيان “الانفصالي” و”العياشي” لرفع اللبس عن الأهالي و”الغاشي”

إطلاق الكلمات على عواهنها دأب من لا يعرف قدر الكلمة ولا يعطيها حق منزلتها، وقد نثرت الرياح هذه الأيام كلمات كثيرة، طفا منها مصطلح “العياشي”و” الانفصالي”، وقد تلقيت حولها أسئلة كثيرة إحداها من امرأة كالدر مصونة حلاها النور بضياء كأنها باللؤلؤ مرقونة تقول: شيخي الجميل الحبيب قد تضاربت أراء الناس وتعاورت وتغاننت وكادت تتناطح عن لفظة طارئة كأنها البرد في عز الرمض، فارفع عمى قلبي الفاشي ووضح لي معنى “العياشي” وهنئ بالي واكشف لي عن معنى “الانفصالي” :

قلت بالله مستعينا، ومستقويا به على الشدة والضعف فما خاب من اتخذه وكيلا وهو حسبنا. افتتح الجواب بقبلة على خديكلتفتح ذهنك، وتفهمي ما أقوله ويستوعبه وعيك ، العياشي يا شيشي في اللغة يراد به مطلق طلب العيش لأن الف العلة الزائدة على الحروف الأصلية تفيد زيادة المعنى الزائد وهو الطلب فكل من التمس طريقا يطلب منه رزقا فهو عائش عياش، ولكن عيب هذا المعنى اللغوي أنه وسع الشقة والهوة فلم يفرق بين طالب الحلال، وسارق العيش بالغلال، فاحتيج إلى الاصطلاح للتضييق على “عياشي” الباطل الخناق ، ففي القواميس تعاريف شتى جلها جانب الصواب؛ لعدم استحضاره قيود الحدود ورسومات التعاريف لكي يكون التعريف صحيحا من عدمه، فمن التعاريف التي لا تدخل في لفظتنا -وإن كانت من مسلمات قضيتنا- من قال إن العياشي هو من يردد عاش المغرب وعاش الملك وعاش…، فهؤلاء مخطئون لعدم شمول اللفظة لهذا المعنى ولكون هذا المعنى من جملة المتفق عليه بين جمهور المغاربة فلا يحتاج إلى تدقيق، فهو خارج عن المراد من اللفظة، فعاش الملك والوطن وعاش الشعب التي يجمعها الشعار الخالد(الله الوطن الملك)من جملة مسلمات المغرب، وبينها تلازم ففي مآلاتها شيء واحد؛

فالمَلك للشعب وكل شعب في حاجة لمن يقوده فهو محتاج إلى الملك، وكلاهما في حاجة لجغرافية يقيمون عليها متعلقات متلازمتهم، فكانت عاش الملك وعاش الوطن وعاش الشعب شيء واحد، كل منها يستلزم الآخر، فمن هذا الوجه فقولها من جملة المعهود في قلوب وذهن المغاربة ، لكن المعنى الذي يراد من إطلاق “العياش” هو ذلك التعريف الذي يستعمل عاش لنفسه موهما أنه يدعو إلى عيش غيره، فكان لا بد من استحضار البعد السوسيولوجي والبسيكولوجي الموغل في الذات الفردية والجماعية الثاوية للنفس العياشية والانفصالية، للوقوف على معنى عاشاته وشاشاته ، وباستحضارنا لهذه الأبعاد نقف على أن كثيرا من الشعاراتيين يستعملون عاش وعاش وهم لا يريدون حقيقتها إلا بقدر ما تعود عاش عليهم بالنفع الخاص، فإن لم تعد انقلب على عقبيه ولعن عاش وعاشات، فخسر نفسه ووطنيته بكل متلازماتها من حب للملك والوطن والشعب…، فهؤلاء عياشيو الباطل (باللفظ)، وفي مقابلهم عياشيو الحق (بالمعنى) وهم الوطنيون وذكرهم في خاتمة المقال.

أما عن الانفصالي فهو الجزء الباطل من العياش الذي لا يريد إلا نفسه فهو منفصل عن وطنيته وذاته منتم لمصالحه الآنية، وهو كالريش التي تذروها الرياح لو جاءه الخونة وألقوا عليه رزقا لهتف بعيشهم … فهو عياشي بالذات انفصالي بعقبى المآل

ويسمو عن هؤلاء كلهم الوطنيون وهم كل من هتف باللفظ أو بالمعنى بالعيش لأسس هذا البلد من ملك ووطن وشعب… وقدم النصيحة الخالصة التي تعود على كل ما تقدم بالخير وإن لم يصب هو منها أي شيء مادي، لأنه في المآل لا شك مصيب ،وأي خير يرجوه المغربي أكثر من أن يرى بلاده بخير ملكا وشعبا وإنسانا واقتصادا….

فهم لا يحتاجون إلى ألقاب لأنهم الألقاب حقا وصدقا،هتافهم سرا وعلانية للمغرببكل مستلزماته التي ذكرنا ، دون أن يكون عياشا(بالمعنى الباطل) ولا انفصاليا(كله باطل) … وإنما هو وطني ويكفيه أنه وطني محب لكل ثوابت وطنه محب لتقدمه وازدهاره، فصورته صورته أينما ولى وجهه.
ورحمة بقلبك الرقيق أتوقف هنا، فالغواني يؤذيهن الجد الطويل …