مجتمع، ملف، منوعات

مسيرة الرباط.. روح “الخطابي” تعيد الوهج للشارع وتوجه رسائل للدولة (فيديو)

وحَّد حراك الريف عشرات الآلاف من المتظاهرين في “طوفان بشري” بالرباط، اليوم الأحد، رفضا للفساد والظلم و”الحكرة” و”القمع المخزني”، وللمطالبة بإطلاق سراح معتقلي الحسيمة ورفع التهميش عن منطقة الريف وكل جهات المغرب، في مسيرة حاشدة رغم الصيام والحرارة، وجه خلالها المحتجون رسائل متعددة للدولة.

فرغم اختلاف انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية، توحدت الأطياف السياسية والفكرية من إسلاميين ويساريين وليبيراليين وسلفيين، في مسيرة حاشدة بالرباط، حيث شارك ممثلو مختلف الهيئات جنبا إلى جنب رافعين شعارات موحدة تتهم الدولة بتأجيج الأوضاع في البلاد عبر المقاربة الأمنية، وتجاهل مطالب المحتجين في منطقة الريف وباقي المناطق.

الخطابي والزفزافي “يشعلان” الرباط

صور المقاوم الريفي عبد الكريم الخطابي حضرت بقوة في مسيرة الرباط، جنبا إلى جنب مع أعلام حركة 20 فبراير والأعلام الأمازيغية وصور ناصر الزفزافي وباقي رموز الحراك المعتقلين، حيث اعتبر متظاهرون أن “روح الخطابي” وخطابات ناصر الزفزافي، أعادت الوهج إلى الشارع مجددا بعد 2011، ووحدت المغاربة على رفض “الظلم والحكرة والفساد والقمع”، ووجهت رسائل إلى الدولة.

المسيرة التي دعت لها عدد من الهيئات السياسية والحقوقية والمدنية تحت شعار “وطن واحد.. شعب واحد ضد الحكرة”، طالب فيها المحتجون بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف الذين تجاوز عددهم المائة، وذلك بمشاركة والدي قائد احتجاجات الريف ناصر الزفزافي.

وصدحت حناجر عشرات الآلاف من المواطنين الذين هبوا للاحتجاج من مدن مغربية مختلفة رغم الصيام والحرارة، بشعارات قوية من قبيل “عاش الشعب عاش عاش.. المغاربة ماشي أوباش”، “المخزن مشيتي غالط.. مابقاو يخلعونا زراوط”، “هي كلمة واحدة.. هاد الدولة فاسدة”، “واهيا واهيا واهيا.. لي حاكمينا مافيا”، “لا لعسكرة الريف”، “الشعب يريد.. سراح المعتقل”، “يا المخزن حذاري.. كلنا الزفزافي”، “سلمية سلمية.. لا حجرة لا جنوية”، وغيرها من الشعارات المتضامنة مع حراك الريف.

المسيرة الحاشدة التي عرفت حضورا قويا لجماعة العدل والإحسان تنظيما ورمزيا، شاركت فيها فعاليات حقوقية وجمعيات المجتمع المدني، فضلا عن حضور العشرات من المنابر الإعلامية الوطنية والدولية، حيث امتلأت المساحة الممتدة من ساحة باب الأحد إلى الساحة المقابلة لمحطة القطار المدينة، مرورا بالبرلمان، بحشود المتظاهرين، في مشهد أعاد للأذهان حراك 20 فبراير قبل ست سنوات.

المتظاهرون أبدعوا في احتجاجاتهم منذ انطلاق المسيرة، خاصة أعضاء جماعة العدل والإحسان الذين نزلوا بكل ثقلهم، حيث عرفت مسيرة اليوم تنظيم أشكال فنية قرب البرلمان، أبرزها مسرحية تعبر عن “الحكرة” في المجتمع.

وقدر نشطاء أعداد المتظاهرين ما بين 150 ألف إلى 250 ألف شخص، في حين قللت وكالة المغرب العربي للأنباء الرسمية من عدد المتظاهرين، مكتفية في قصاصة لها بالإشارة إلى أن عددهم تراوح بين 12 إلى 15 ألف فقط، وذلك في ظل تغطية إعلامية  وطنية ودولية واسعة للمسيرة.

رسائل المسيرة

منظمو المسيرة الوطنية “ضد الحكرة”، أصدروا بيانا في نهاية المسيرة، قالوا فيه “إن المسيرة الوطنية الشعبية ليوم الأحد 11 يونيو 2017، بمدينة الرباط، تأتي لتبليغ رسائل واضحة وبصوت واحد وفي وقت واحد للحكم والحكومة، مضمونها أن الشعب المغربي ممثلا بقواه المناضلة لن يتخلى عن حراك منطقة الريف وسيظل معبأ حتى تحقيق مطالبه العادلة والمشروعة، ولن يسمح بأي تراجع عن المكاسب الديموقراطية والحقوقية مهما كانت جزئية، والتي حققها الشعب المغربي بفضل عقود من الكفاح وقدم من أجلها تضحيات جسيمة”.

أول هذه الرسائل، حسب البيان الذي اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منه، هو “الانخراط المبدئي المسؤول واللامشروط في الحراك المطلبي العادل، بكل مناطق المغرب، وإدانة المقاربة الأمنية في التعاطي مع الحركات الاحتجاجية السلمية”، ثم “المطالبة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم معتقلي الحراك، وتندد بكل أشكال القمع والعنف التي تعرض لها المواطنون والمواطنات وفي كل المدن المغربية، وخاصة منطقة الحسيمة”.

وأشاد البيان بما سماه “الاستماتة النضالية لأسر معتقلي الحراك واستعداد الشعب المغربي لاحتضان معركتهم من أجل حرية بناتهم وأبنائهم، والتنويه بالترافع المبدئي لهيئة الدفاع وكل المحاميات والمحاميين الشرفاء”، معتبرا “نجاح هاته المسيرة الوطنية، مقدمة لتوالي معارك انخراط الشعب المغربي في جبهة الدفاع عن الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية”.

وأوضح البيان ذاته، أن “الشعب المغربي بقواه الحية الديمقراطية السياسية والنقابية والحقوقية والنسائية والشبابية والثقافية والجمعوية، استجاب عفويا وتلقائيا بالمشاركة الكثيفة في المسيرة الوطنية الاحتجاجية، والتي امتلأت بها شوارع الرباط تحت شعار “وطن واحد، شعب واحد ضد الحكرة”.

ودعا المنظمون كل الهيئات السياسية الديمقراطية والنقابية والحقوقية، وعموم المواطنين والمواطنات إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية، في هاته المرحلة الدقيقة، بالتكاثف لتحصين المكاسب الديمقراطية والاجتماعية، والضغط السلمي والمدني لتحقيق المطالب العادلة للشعب المغربي، والتصدي لخيارات الدولة في جر الحراك السلمي والمدني لمقاربات سنوات الرصاص، بدل الاستجابة الفورية للمطالب الديمقراطية والاجتماعية لبنات وأبناء الشعب المغربي، حسب البيان.

“الشعب أعطى فرصة 5 سنوات للنظام”

محمد حمداوي، عضو مجلس الإرشاد بجماعة العدل والإحسان، قال إن الشعب المغربي عاد إلى الميدان الآن، بعدما أعطى للنظام فرصة 5 سنوات، مشيرا إلى أن “النظام تصور أنه خرج من عنق الزجاجة وطوى صفحة 20 فبراير وراء ظهره”.

واعتبر القيادي في جماعة الراحل عبد السلام ياسين، خلال تصريح لجريدة “العمق” في مسيرة الرباط، اليوم الأحد، أن النظام “التف على مطالب الشعب” خلال الخمس سنوات الماضية، مشددا على أن “الشعب يعود للميدان مجددا، وسنقف بقوة مع المطالب ولن نتراجع عن تحقيق كل حقوق الشعب كاملة”.

وأضاف أن مسيرة الرباط التي شارك فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين، هي “مسيرة الشعب المغربي بكل أطيافه وفئاته، للتأكيد على وحدة الوطن وعلى المطالب المشروعة لمنطقة الريف وكل مناطق المغرب”، متابعا قوله: “جئنا نناصر المطالب العادلة، وينبغي تلبيتها كاملة، وثروات البلاد تكفي مطالب الريف وزيادة، لا يجب استمرار التهميش والحكرة والقمع، ونطالب بإطلاق جميع المعتقلين”.

استقالة لفتيت واعتذار الحكومة

إسحاق شارية، أحد محامو معتقلي حراك الريف، طالب وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، بتقديم استقالته من الحكومة، داعيا إلى تقديم اعتذار رسمي من طرف الحكومة للشعب المغربي، وفتح حوار جاد لإنهاء أزمة الريف، داعيا إلى الاستجابة لكافة مطالب المغاربة “الذين ذاقوا درعا بالفقر والحكرة والفساد، وخرجوا اليوم ليقولوا نحن مع الحسيمة ومع كافة الفقراء والمحكورين”، وفق تعبيره.

وقال شارية في تصريح لجريدة “العمق” خلال مسيرة الرباط، اليوم الأحد، إنه لن يرفع أي ملتمس أو مطلب إلى الجهات الحاكمة بالمغرب، معتبرا أن “الشعب سيقول كلمته وعلى كل الضمائر الحية الاستماع لهذه الأصوات لإطلاق سراح كل المعتقلين والاستجابة لكل المطالب الاجتماعية”.

وبخصوص معتقلين الحراك، أوضح المحامي أن “معنوياتهم جد عالية لأنهم يدافعون عنا جميعا، يدافعون عن كرامة وشرف المغارية وأموالهم وثرواتهم المنهوبة والموجودة الآن في جيوب الفاسدين”، لافتا إلى أن عدد المعتقلين يتجاوز المائة، وكل يوم تزداد الاعتقالات، معتبرا أن هذه السياسة التي وصفها بـ”القمعية”، لن تؤدي إلى خير، وفق قوله.

المقاربة الأمنية “خاطئة وخطيرة”

عادل بنحمزة، الناطق الرسمي باسم حزب الاستقلال، قال في تصريح لجريدة “العمق” خلال المسيرة، إن خروجهم في الرباط اليوم يأتي من أجل التضامن مع الحسيمة وللمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ورفض المقاربة الأمنية التي انتهجتها مؤخرا ضد المسيرات الاحتجاجية بمنطقة الريف، معلنا تأسفه مما اعتبره “سوء تدبير أحزاب الأغلبية لهذه الاحتجاجات من خلال محاولة تحريف المطالب الاجتماعية وجعلها مطالب انفصالية، وكذا من خلال تغليط الرأي العام بحملة إعلامية ضد نشطاء حراك الريف”.

وأضاف المتحدث، أن المقاربة الأمنية في التعامل مع حراك الريف أثبتت فشلها، مشيرا إلى أن “الحراك الذي كان محصورا وطنيا، اليوم العالم بأجمعه يعرف مظاهرات الريف ويتضامن معه ويندد بالدولة، وهذا فيه إساءة لبلدنا”، مشددا على أن “الدولة لابد أن تراجع أوراقها وتعلم أن المقاربة الأمنية مقاربة خاطئة وخطيرة يمكن أن تؤدي ببلدنا إلى عواقب غير سليمة”.

القيادي الاستقلالي اعتبر أن سماح السلطات بتنظيم مسيرة الرباط، هي “إشارة مهمة نتمنى أن تستمر الدولة في هذه المقاربة، لبناء الثقة، التي لن تتحقق إلا بالإطلاق الفوري لكافة معتقلي الحراك”، وفق تعبيره.

رافضو المسيرة: حنا عياشا.. عاش الملك”

إلى ذلك، انتقد بعض الشباب ممن يوصفون بـ”العياشة”، مسيرة الرباط اليوم الأحد، معتبرين أن المتظاهرين يفتقدون للوطنية ولا يحملون العلم المغربي في احتجاجاتهم.

وقال أحد الشباب في تصريح لجريدة “العمق” أثناء المسيرة، إن “أبناء الحسيمة يعيشون أحسن منا، والناس دالحسيمة خرجوا على المغاربة”، مضيفا: “من حرر الريف من الإسبان هو المغرب، ولولا الملك لما كانت الحسيمة كما هي الآن”، متسائلا بالقول: “هل يوجد أحد هنا (في المسيرة) يعبر عن وطنيته؟ أين راية المغرب؟ المغربية ليست بالكلام بل تضحية”، مردفا بالقول: “أنا عياش.. وعاش الملك”.

وأضاف شاب آخر بأن رفضهم للاحتجاجات هو خوفهم من أن يسير المغرب على نفس خطى ليبيا وسوريا اليمن والعراق، قائلا “حنا ما عندناش البترول والغاز، عندنا الفوسفاط قيمته أقل من النفط، وعايشين أفضل من كثير من الدول بملايين المرات”.

واعتبر المتحدث أنه يدافع عن أمن البلد، “حتى لا تتعرض والدتي وأختي وزوجتي للاغتصاب كما يحدث في سوريا بعد غياب الأمن” حسب قوله، فيما أشار آخر إلى أنه “لو لم تكن قوات الأمن والعسكر كما يطالب المتظاهرون، لكانت أمهاتنا وأخواتنا تغتصبن، عاش الأمن والبوليس والمغرب”، حسب تعبيره.

دموع زوجة الربان

المسيرة التي نددت بـ”الحكرة” والظلم، لم تستطع فيها زوجة ربان سفينة الصيد الذي أحرق نفسه بمدينة الداخلة قبل شهرين، وقف دموعها وهي تتحدث لجريدة “العمق” أثناء المسيرة، اليوم الأحد، متهمة جهات بقتل زوجها.

وأوضحت أن ملف زوجها تم طمسه وإتلافه، لافتا إلى أنها ذهبت إلى الوكيل العام وإلى الشرطة دون أن تظهر الحقيقة، مشيرة إلى أن الربان “قام بدعوى قضائية وهو على قيد الحياة وتم إتلاف الملف، وبعد وفاته قمت بدعوى قضائية وتم إتلاف الملف أيضا”، حسب قولها.

وأضافت أنها لا تريد من الدولة أي تعويض، بل تريد أن يدخل ملف زوجها إلى القضاء، مشيرة إلى أنها متأكدة أن زوجها قُتل ولم يحرق نفسه، مردفة بالقول: “أنا متأكدة أنه ما حراقش راسو كيما كيقولو.. هما حرقوه وتهاناو منو”.

وتوفي يوم 2 أبريل الماضي، الربان خالد قادر، متأثرا بجراح بليغة أصيب بها بعد إقدامه على إضرام النار في جسده أمام مندوبية الصيد البحري بالداخلة، أثناء خوضه اعتصاما احتجاجيا للمطالبة باسترجاع حقوقه، حيث حولت جنازته إلى مسيرة احتجاجية غاضبة بمسقط رأسه بمدينة المضيق، شارك فيها عدد كبير من نشطاء المدينة وعائلة وأقارب الراحل.