منتدى العمق

حصاد فشل في أولى الإختبارات

حصاد  الإسم الجديد القديم جديد بالنسبة لقطاع التربية والتكوين، ولكنه وجه مألوف لدى المغاربة عموما لأنه قبل إستلامه لمفاتيح الوزارة من لدن سلفه رشيد بلمختار كان يشغل وزيرا للداخلية، ليس المهم هو ما إذا كان وزيرا للداخلية أم الخارجية، السؤال الأهم هو هل لديه القدرة على حل المشاكل ومجابهة التحديات التي سيواجهها والتي استعصت على من قبله، الجواب لحد الآن غير واضح لأنه خلال هذه المدة القصيرة التي تقلد فيها زمام المسؤولية باشر بعض الإصلاحات مع وضع خط أحمر تحت هذا المصطلح، لانها لا ترتقي لأن تكون إصلاحات اللهم بعض التغييرات البرتوكولية التي ألفناها وأصبحت عادة، فكل خمس سنوات يأتي وجه جديد يحاول بسط سلطته ويحاول إجراء بعض التغييرات والتعديلات التي من منظوره ستساعده على حل الأزمات المتراكمة في هذا القطاع وبسط استراتيجيته عمله وتنزيل رؤيته المستقبلية.

إذا تأملنا هذه الفترة القصيرة التي تقلد فيها المهندس حصاد مفاتيح هذه الوزارة سنلاحظ من الوهلة الأولى أن المسمى الجديد لهذه الوزارة أصبح كالتالي ”وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي وتكوين الأطر” أي أنه دمجت بين قطاعين التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي وهذا يزيد من صعوبة تسيير هذه الوزارة لأنها تشمل قضية التعليم التي تعتبر القضية الوطنية الثانية من بعد قضية الوحدة الترابية،

هذه الفترة التي تلت تعيين حصاد على رأس الوزارة شهدت هالة إعلامية وسيلان الكثير من الحبر، إلا أنه على الرغم من هذا وفي أول إختبار تقريبا لمدى فعالية الإجراءات التي اتخدتها الوزارة للحد من الخروقات والتجاوزات التي شهدتها امتحانات الباكالوريا في السنة الماضية، وكسبيل لمحاربة الغش وتسريب الإمتحانات اتخذت الوزارة عددا كبيرا من التدابير والإجراءات، بهدف ردع كل من سولت له نفسه محاولة الغش، إلا أنه على الرغم من كل هذا لم تستطع الوزارة الوصية التصدي لهذه الظاهرة والتي لازالت متفشية بحسب الأرقام الصادرة عن حالات الغش التي ضبطت، وكذا حالات تسريب الإمتحانات والتي بالرغم من كل أشكال المراقبة التي رصدت لمحاربة هذه الظاهرة إلا أن امتحانات بعض المواد سربت. وهذه الظواهر تستدعي طرح مجموعة من التساؤلات حول ما هي السبل والأساليب التي من المحتمل أن ترصد لمحاربة هذه الظاهرة مستقبلا. هذه الظواهر وغيرها ليست مقتصرتا فقط على المغرب، فهناك دول أخرى تعاني من نفس المشكل، إلا أن تداعيات استفحاله داخل المغرب باتت تضرب في العمق مصداقية شهادة الباكالوريا بالمغرب، ومبدأ تكافؤ الفرص الذي تنص عليه الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، وباتت شهادة الباكالوريا المغربية موضع نقاش على المستوى الدولي.

من بين المشاكل التي لازالت مستفحلة ولم تستطع الوزارة تقديم إجابات شافية لها لحد الساعة، هي هذا السيل من الإحتجاحات المستمرة والتي تتزايد يوما بعد يوم، فنجد المشكل الذي لا يزال مطروحا والذي عمر طويلا وهو مشكل الأساتذة المتدربون المرسبون الذين لا يزالون ينتظرون انصافهم، والذين لا يزالون معتصمين في الرباط ويخوضون أشكالا نضالية غير مسبوقة بهدف إنصافهم واسترداد حقهم المسلوب. وأيضا نجد خريجي البرنامج الحكومي 10000 إطار الذين لا يزالون هم أيضا مستمرون في نضالاتهم الراقية بغية تحقيق مطلبهم في الإدماج في الوظيفة العمومية، وهناك فئات أخرى من قبيل ضحايا النظامين وحاملي الشواهد الذين يطالبون بالترقية وتغيير الإطار بالشهادة التي تخول لهم ذلك إسوة بإخوانهم الذين انتزعوا هذا الحق.

وكرد على هذا الوابل من الإحتجاجات نجد أن هذه الوزارة تنهج سياسة الآذان الصماء، وتحاول غض البصر عن هذه الفئات التي تطالب بمطالب عادلة ومشروعة. وبذل البحث عن ايجاد الحلول لهذه المشاكل المتراكمة نجد أن الوزارة الوصية تستمر في نفس النهج السابق، فبذل الإرتقاء بالمنظومة التعليمية والبحث عن حلول لهذه الملفات العاجلة  نجد أنها مستمرة في الزحف على حق أبناء هذا الوطن الجريح في الوظيفة العمومية حيث أنها قررت وكاستمرار في المهزلة التي انتهجها الوزير السابق والتي تقضي بالتوظيف بموجب عقود وباستعمال حجج واهية من قبيل محاربة الإكتضاض داخل الأقسام ومحاولة تحسين ظروف الإشتغال وغيرها من التبريرات التي تعمد الوزارة على إطلاقها لتبرير توجهاتها، حيث شرعت الوزارة في استقبال الطلبات لتوظيف أساتذة بموجب عقود وذلك للتدريس ابتداءا من الموسم الدراسي المقبل في المؤسسات التعليمية بدون أي تكوين، اللهم بعض الساعات التي تنظمها الوزارة والتي تركز فقط على الجانب النظري تحت شعار التكوين المستمر والتكوين عن بعد وغيرها من المسميات التي أصبحنا نسمعها في الآونة الأخيرة،  وتترك هؤلاء ”الأساتذة” لمجابهة المجهول داخل حجرات الدرس.

اذا حاولنا أن ندقق في هذه النقطة قليلا سوف نكنشف أن الشعارات التي نسمعها يوميا من قبيل السعي للجودة في التربية والتكوين، والإرتقاء بالمدرسة العمومية وتكافؤ الفرص لا تعلوا أن تكون مجرد شعارات وفقط، فأي جودة يتحدثون عنها بتوظيف أساتذة وتكليفهم بأقسام بدون تكوين وإقصاء أخرين بحجة أنهم غير أكفاء على الرغم من تلقيهم للتكوين النظري والتطبيقي داخل حجرات الدرس لفترة ليست بالهينة، وأي إرتقاء يتحدثون عنه وبأي نفسية سوف يبتدأ هؤلاء الأساتذه وهم يدركون أنهم يشتغلون بموجب عقود، ففي أي لحظة يمكن الإستغناء عنهم وهذه الأفعال ليست بغريبة عن هذه الوزارة فقط فعلت  نفس الشىء من قبل مع أساتذة ”سد الخصاص”.

كيف يعقل أن أستاذا يشتغل بموجب عقد سوف يستطيع أن يقدم كل ما لديه في وظيفته وهو يدرك تماما أن مستقبله غير مضمون وبين كفي عفريت فهو بين المطرقة والسندان، مطرقة العودة للبطالة بعد مرة أخرى بعد انتهاء العقد، وسندان الحمل الثقيل الذي يحملونه على عاتقهم بتوصيل الرسالة التي أتو من أجلها.

إذا نظرنا إلى التغيرات التي شهدتها هذه الوزارة سوف نستنتج أنها كلها تغيرات صورية وفقط، فنجد على سبيل المثال إلغاء العطل بالأقطاب والتي كان يدافع عنها بلمختار بدعوى أنها تساهم في التخفيف من حوادث السير، وكذا تقديم تاريخ بداية الموسم الدراسي ل 7 شتنبر 2017 بالنسبة للأسلاك الثلاث وكذا  بالنسبة للأقسام التحضير لشهادة التقني العالي، حيث أنه ليس المهم هذا التغيير الدوري الذي عهدناه كل خمس سنوات فهو لا يفيد في شيء مادام أن المشاكل الكبرى والتي تستدعي التدخل السريع لا زالت تنتظر الحل.

هذه المشاكل وأخرى تستدعي منا كل حسب مركزه البحث في العمق والبحث عن موطن الخلل، ومحاولة مراجعة المناهج التعليمية، وكذا الطريقة التي من خلالها يمكن أن نربي الجيل الجديد على مجموعة من القيم لمحاربة من الظواهر المتفشية في منظومتنا التعليمية والتي تستدعي تظافر الجهود والإشتغال الفعال عوض الإنشغال بمسائل ثانوية.