وجهة نظر

حكومة فقدت صوابها

بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على الظهور الباهت لطبيب المغاربة النفسي ليلة “صامدي سوار”، حيث حاول طمأنتهم حين قال كل شيء و لم يقل شيئا، خرجت أجهزة الأمن عشية الأحد محاصرة المستجمين بشاطئ الحسيمة، و مانعة المحتجين السلميين من حق أقره دستور المغرب و المغاربة. دولة مصرة على تكدير “ويكاند” المغاربة !

حديث رئيس الحكومة ليلة السبت وصفه محللون و مراقبون بالفارغ من أي مضمون سياسي، هدف إلى طمأنة الرأي العام ليس بلسان السياسي المُخير، بل بمنطق الموظف المُسيّر.

الرجل بدل مجهودا لكن النتيجة جاءت سالبة بحسب ذبذبات نبض مواقع التواصل: أغلب المتابعين تاهوا في كلمات الرجل الفضفاضة التي اقتربت في لحظات كثيرة من لغة الخشب. لكن المؤسف و المثير للاستغراب هو نمط الفصام الذي باتت الدولة تعامل به مواطنيها عامة، و الريفيون خاصة.

الطبيب النفسي “العثماني” أدرى بأعراض الفصام، و هي أن يعبر المريض عن شخصية في الصبح و يناقضها مساء. هو تماما سلوك دولة ذات مؤسسات. سلوك مزاجي متقلب أضحى جليا أكثر من اي وقت مضى.

ليلة العيد خرج الملك محمد السادس ينتقد تقاعس وزراء الحكومة و تهاونهم في إنجاز مشاريع وقعت تحت إشرافه الشخصي. رئيس الدولة أمر بالتحقيق و استعجال الإنجاز، و الإنكباب عن العمل، و حذر من مغبة تقديم أية مشاريع لا تمتلك مقومات الحياة، تملقا للملك وخداعا لشعبه.

بعد أربع و عشرين ساعة خرجت قوات الأمن، وكأنها تنتمي وتحت سيطرة وإدارة دولة أخرى، تحيي شباب الريف الحسيمي بالهراوات صباح عيد يفرح فيه الصائمون بإفطارهم.
بعد أقل من أسبوع، ظهر رئيس الحكومة، الرجل الثاني نظريا في هرم السلطة، بعد سبات عميق، مطمئنا المغاربة، معترفا بالأخطاء واعدا بالإصلاح. عقب كلمة الرجل بأقل من أربع و عشرين ساعة تجمعت قوات الأمن مناقضة تصريحات رئيسها الأول، مانعة تجمعا سلميا على شواطئ مدينة الحسيمة.

ماذا يجري؟ هل هو تناقض سياسات؟ أم تضارب اختصاصات؟ أم كما وصفها “مناضلو البام” الذين بعثوا من كهفهم السحيق: محاولة جهات الهروب للأمام و تأزيم الوضع و نشر التظاهرات في باقي أرجاء الوطن للإفلات من العقاب و خلط الأوراق؟
حقيقة الإجابة لا هذه و لا تلك.

إن أردنا عين الصواب، علينا فتح كتاب السياسة و تأمل مناهج معاملة الأنظمة لشعوبها، خاصة المتخلفة منها.

هو ببساطة أسلوب العصا والجزرة. تقدم لك جزرة في المساء، و تضرب بعصا غليظة في الصباح، حتى تحمد ربك على النعمة، فتفضل حل الجزرة على مقاربة العصا.
جهات تهادن و يحن قلبها و تظهر الرأفة و السعي للإصلاح، و أخرى تضرب بيد من حديد كل من تجرأ و عض يد التسامح. أدوار الأم الحنونة و الأب الصلب يعاد تطبيقها على مواطن مغربي لا يزال تحت الوصاية.

أسلوب “تكلم بلطف و احمل عصا غليظة” لم يعد يجدي في فضاء مفتوح و أمام شعب نصف سكانه شباب و نصفهم عاطل ليس لديه ما يخسره. إذا كان الآباء و الأمهات يخافون على استقرارهم و سلامة أولادهم و مستقبلهم في تعاملهم مع الدولة، فإن المراهقين الطائشين و الشباب العاطل “ما عندو ما يخسر: إما كرامة و مواطنة حقة و إما…”

نحذر من لا يزال يطبق مضامين كتاب الأمير، للداهية ميكافيلي، بالحرف، فيعمل بتقنية خبث الوسائل يبرر نبل الغايات، و صبّ العذاب على الشعب صبا و متعه بالخير قطرة قطرة…أساليبكم لم تعد تنفع مع مواطن كسر جدران الخوف، و بلغ كتلة حرجة أصبحت معها حدود الحياة و الموت و الاعتقال غير واضحة!

الشعب المصري أيام ثورة يناير كان قاب قوسين أو ادني من أن “يحن قلبه” على رئيسه حسني مبارك، فيقبل بالتفاوض و الحلول الوسطى، قبل أن ينزل رجال أعمال الرئيس الأغبياء ببلطجيين على الجمال، فيما عرف بموقعة الجمل، ضربا و تنكيلا بمتظاهري ميدان تحرير، فكانت نقطة نهاية مسار حسني مبارك الرئيس، و ليس النظام.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ.