منتدى العمق

“من قلب الحدث” .. مأساة “تالا رواق”

عند انتهاء زيارتنا للمعتقلين في سجن عكاشة، وبعد أن شكرنا مدير السجن على حسن تعامله معنا، وعلى تطبيقه للقانون حين يجب، وشكرت أيضا أعضاء اللجنة الجهوية بالدار البيضاء وأعضاء المجلس الوطني الذين كانوا في استقبالنا للسهر على توفير أجواء حسنة حتى تمر زيارتنا على أكمل وجه، وشكرنا كل الذين سهروا على كل ذلك من أعضاء لجنة دعم المعتقلين بالدار البيضاء، وهذا من باب “الصواب” وعدم نكران الجميل الذي قاموا به ولا زالوا…ليس إلا.

عند انتهاء الزيارة، استقلينا الحافلات الصغيرة الثلاث، في طريق العودة نحو الحسيمة، عصر يوم الأربعاء، وحين توقفنا عند محطة بنزين، وعلى بعد ثوان من شد الرحال، التحق بنا شاب يطلب منا أن نقلّ معنا ثلاثة أشخاص إلى الحسيمة، أب مسن قسمات وجهه يغزوها الحزن والألم وشابة تاهت بين الحياء والدهشة مما سمعت ورأت ربما، وشاب يافع ينتقل يمينا ويسارا وهو يجيب على الهاتف.. أجبت الشاب بأننا لا نتوفر على مكان لهم بيننا، ومباشرة عند الانطلاق، أحسست بفريد بداخلي يشدني من قميصي ويهزني بقوة، كان ذلك طيفا أمامي، ينهرني ويقول: عليك أن تجد لهما مكانا ولو تنمح لهم مكانك وتعود في وسيلة نقل أخرى… لم أحس وأنا أصرخ في وجه السائق بأن يتوقف حالا.. نزلت من الحافلة، وأوقفت الحافلات الثلاث في زحمة شوارع الدار البيضاء، قلت للسائق: سنقلّ أولئك الأشخاص معنا إلى الحسيمة.. رغم احتجاج السائقين بأن ذلك يعتبر عددا زائدا عن القانون في عدد الاشخاص المسموح بهم.. بعد إعادة الحساب تبين بأنه يمكن توفير مكانين لشخصين والثالث سيجلس في ممر الحافلة الداخلي.. ركب بجواري الأب، ثم ركبت الشابة رفقة أخيها في ميني باص آخر، وبعد مسافة قصيرة من السير، اهتديت إلى حل قد يحل المسألة بعد أن جمعت الثلاثة في حافلة واحدة مان بها ثلاثة أشخاص سينزلون في الرباط.. قبل ذلك كانت دعوات الرجل لنا لا تتوقف، لم يسمح لي حتى أن أسأله لماذا حدث ما حدث، لقد كانت عائلة “صلاح لخشم” الذي اعتقل في أحداث تالا رواق، ويوجد بسجن عكاشة.. الأب والأخ والأخت. اضطررنا لتغيير اتجاه الرحلة عبر تازة إلى رحلة طويلة عبر تطوان، حتى لا نزيد من معاناة العائلة التي زادها ما وقع لها من تعميق الجراح..

في الطريق وفي محطة استراحة في الطريق السيار بين القنيطرة والعرائش، علمت بأن العائلة كانت قد جاءت مع شخص رابع ” السائق” اعتقل بالدار البيضاء بدعوى أنه مبحوث عنه، وتركت العائلة بلا سائق يعود بهم إلى تالارواق البعيدة… سلم علي الرجل/الأب وهو يقاوم فرحته بأن وجد أشخاصا وعائلات يحملون نفس همه، وشرحت له مجهوداتنا في البحث عن رقم هاتف يوصلنا بهم، وبأننا مجرد عائلات معتقلين اختطفوا واعتقلوا ظلما.. ومنحت لي الشابة رقم هاتفها في حال تنظيمنا لأية زيارة جماعية لاحقة، ويكونوا ضمن اللائحة..

قلت للأب وابنته: لستم وحيدين، نحن نعوم في نفس البحر الهائج جدا، لكن إن تمسكنا ببعضنا البعض، سنصل إلى بر الأمان، بلا ضحايا آخرين..

ودعت العائلة الصغيرة، التي كانت تتمايل بين الحزن والفرح، تقوت عزيمتها أكثر ..وأدركت حينها بأن الحراك حقا “حراك مبارك”.