مجتمع

غزلي..فيلسوف وعداء “طردته الطيور” من كورنيش الجديدة ليواجه الفقر

وأنت تتصفح حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، تجده تارة مبدعا يكتب قصصا قصيرة، وتارة كاتب عمود رأي بجريدة ورقية، وتارة أخرى عداء، غير أن لا شيء من ذلك جعل منه مشهورا ومعروفا، بقدر ما جعلت منه صورة نشرها على صفحته تحمل من معاني “الحكرة” ما جعل من الكثيرين يتضامنون معه وتحقق أعلى نسب المشاركة والإعجاب في ظرف 24 ساعة من نشرها.

“إنسانٌ مُجاز معطّل رب أسرة يجلس أمام بلدية الجديدة اليوم 2017/07/20 بعدما أخذوا عربتي رأس مالي الوحيد، هاأنذا أجلس على الإسفلت، هاأنذا أعود للصفر مرة أخرى، شكرا لك أيها الوطن الجميل”، بهذه الكلمات لخص محمد غزلي “الحكرة” التي لحقته وهو يحاول أن يكسب قوته اليومي على عربته التي حجزتها السلطة المحلية بمدينة الجديدة.

محمد غزلي ذو الـ38 سنة، من مدينة الجديدة، مجاز في شعبة الفلسفة، متزوج وأب لطفلة في ربيعها الثامن، يحكي لجريدة “العمق” فصول قصته من مجاز معطل، إلى قاص، وكاتب، وعداء، إلى بائع “سندويتشات”، قائلا: “كبقية الذين ولدتهم الجامعة كان مصيري العطالة إلى يومنا هذا، ولأنني لست من الذين يتواكلون على الحظ السعيد القليل الذي لا يبتسم إلا للذين في جيوبهم كل شيء فقد اجتهدتُ قدر طاقتي لعمل أي شيء حسب المتاح لي، فكان نصيبي مهنة الرصيف”.

ويضيف غزلي قائلا: “سكان الجديدة يعلمون جيدا أن الصيف هو الفرصة الوحيدة لجمع بعض النقود وادخارها لبقية العام، وأنا هنا أتكلم عن الطبقات المسحوقة وأنا واحد منهم، ولا أتكلم على أرباب الأموال فهؤلاء لهم قنواتهم الخاصة للربح طيلة العام”.

محمد الذي يقطن بمنزل بسيط بحي بن دريس الشعبي، بمدينة الجديدة رفقة زوجته وابنته الصغيرة، أوضح للجريدة أنه امتهن حرف الرصيف منذ أن حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة، فكان يعرض على عربته تارة الخضر والفواكه، وتارة السندويتشات وهكذا، مضيفا “عملت أجيرا في مكتبة ثم تحولتُ إلى الشارع مرة أخرى بسبب إغلاق المكتبة، تقدمتُ بأوراقي لامتحانات كثيرة لكن دون جدوى”.

مشاكل محمد غزلي مع السلطة المحلية والمنتخبة بالجديدة بدأت عندما اختار نقل حرفته إلى شاطئ المدينة، “قلتُ مع حلول فصل الصيف سأغير المكان من الشارع العام الذي كنتُ أقتاتُ منه إلى مكان آخر وهو الشاطئ، لكن المفاجأة كانت كالتالي البلدية باعت الشاطئ لأصحاب الأموال دون أن تأخذ بعين الاعتبار البسطاء الذين ينتظرون فرصة الصيف على أحر من الجمر”.

“منعوني من البيع على طول الشاطئ، من باب المرسى إلى حدود فندق معروف هناك، بحيث لا يمكن أن تقف ولو بسطل من الهندية، أدليتُ لهم بسيرتي وأنني رجلٌ مجاز ومعطل من سنة 2003 ورب أسرة فقير، وأب لطفلة عمرها ثماني سنوات، وزوجتي حامل ستضع حملها في القريب، وأن أستدين طيلة العام لأسدد لهم بعد الصيف” يقول محمد غزلي لـ”العمق”.

وتابع أنه في صبيحة أمس الخميس، كان في المكان الذي يركن فيه عربته كالمعتاد في “الكورنيش”، فإذا بسيارة محملة بمجموعة من رجال القوات المساعدة “يطوقونني من كل الجهات، تشبثتُ بالعربة، قلعوا المظلات، وطلبوا مني ترك العربة بأمر من القائد أو الباشا، لستُ أذكر، وبعد أخذ ورد، قالوا سنأخذ العربة ونترك لك البضاعة، وطلبوا مني إنزالها من العربة، انتقلتُ معهم إلى بناية البلدية وكانت قريبة وهناك أنزلت بضاعتي من العربة وجلستُ أبكي على حظي الملعون”. يضيف غزلي وكله حسرة وألم على الظروف التي يعيشها.

ويضيف غزلي مسترسلا: “في تلك اللحظات، عرّفت القائد بحالتي واستعطفته أن يتركني وشأني، لكنه قال لي بالحرف: إما أن تترك العربة وإما أن أحضر الشرطة، ثم طلب مني أن ألتقيه في الغد، ظللت أفتش عنه من مقاطعة لأخرى دون أن أعثر له على خبر، وظللت اليوم كله أنتظر لكن دون جدوى”.

ويطالب غزلي من خلال جريدة “العمق” المسؤولين بالتدخل ليسترجع عربته التي يكسب عليها قوته اليومي، مضيفا “إن لم تقدروا على الحيتان الكبيرة في المدينة فلا تأكلوا سمكتي الوحيدة، أطلقوا سراح عربتي”، مؤكدا في السياق ذاته، أن مصيره سيكون الشارع هو وابنته وزوجته وسيمتهن التسول.

غزلي لم يكن فقط، بائع “سنويتشات” على عربة بـ”كورنيش” الجديدة، فهو أيضا عداء ضمن نادي الدفاع الحسني الجديدي لألعاب القوى، وكاتب قصص قصيرة، فله كتابان غير مطبوعين، الأول عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان “مطرود من العيش” وديوان شعري بعنوان “نايُ الراعي”، وله أيضا قصيدة من الشعر الفصيح بعنوان “خذوني وارتكوا لي الوطن”، ونص قصصي منشور في جرائد ورقية يحمل عنوان “مصاص دماغ”.

ومن قصص غزلي، قصته القصيرة “من الرصيف تطردُني الطيورُ البازقة”، يقول فيها “ليلا، رأيتُ مسؤول القرية يخرجُ منتصرا وهو يمسح أصحاب الفرَّاشة من خريطة الرصيف، صباحا، وبنشوة المنتصر فتح أحضانه لحوار مباشر مع ما تبقى منهم، كنتُ ممن حضر الحوار، قبل بداية الشوط الأول من المقابلة كنتُ مصرا على قلب الطاولة عليه لو خرج من قفص الموضوع وليكن ما يكون”.