منوعات

بويخف يكتب: هل تغلق الحكومة والأحزاب مواقعها الإلكترونية أيضا؟

إذا نحن في دولة الحق والقانون فمن الظلم أن تعيش العشرات من المواقع الإلكترونية وحدها “على أعصابها” هذه الأيام مع قرب انتهاء آجال ملائمة وضعيتها القانونية مع مقتضيات قانون الصحافة والنشر كما تقرر ذلك المادة 125، بل إن دائرة من يجب أن يعيشوا على الأعصاب أوسع بكثير مما قد يخطر على البال لأول وهلة.

وليس صحيحا أن الأحزاب والحكومة أخذتها الرأفة بعشرات المواقع المهددة بالإغلاق، لذلك فهي تسابق هذه الأيام حلول تلك الآجال لتمرير تعديل للمادة 125 يقضي بتمديد الآجال التي وضعها، بل الحقيقة أن تلك المواقع الإخبارية ليست وحدها المعنية بالإغلاق قريبا، فموقع رئاسة الحكومة والقطاعات الحكومية جميعها، والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، بما فيها هيئات الحكامة والأبناك والشركات الكبرى، والأحزاب السياسية، والنقابات، وجمعيات المجتمع المدني ومراكز دراسات، ومواقع القنوات والإذاعات، وكل من يملك موقعا إلكترونيا ينشر فيه الأخبار عليه أن يعيش على الأعصاب أيضا.

إذا رجعنا إلى قانون الصحافة والنشر في صيغته الجديدة المعتمدة، وتوقفنا عند مجموعة من المواد، وخاصة المادة الثانية التي تقدم مجموعة من التعريفات، سندرك أن حلول آجال انتهاء سنة الملائمة لتطبيق القانون ستحل معه أزمة سياسية كبيرة، ترجع إلى كون المواقع الالكترونية لكل الهيئات والمؤسسات المشار إليها في الفقرة السابقة هي عبارة إما عن صحف إلكترونية أو دعامات إلكترونية، ولا تتوفر فيها الشروط ا لقانونية الأساسية والتي هي أولا التصريح القانوني بها، وهي ثانيا وجود مدير للنشر على رأسها، وهي ثالثا توفر مدير النشر على شروط تتعلق بمستواه التعليمي وبالتجربة المهنية في الصحافة.

سيجادل البعض بكون تلك المواقع لا تقدم نفسها على أنها صحف إلكترونية، وهذا الدفع مردود لأن العبرة، كما تقرر ذلك المادة 8 من نفس القانون، هي بالنشاط الذي تمارسه والذي ينطبق عليه ما جاء في المادة 2 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.

وإذا اخذنا مواقع الأحزاب مثلا فهي صحف إلكترونية بامتياز، ولكن ليس فيها موقع واحد طبق قانون الصحافة والنشر. نفس الشيء فيما يتعلق بالمواقع الرسمية، وخاصة موقع رئاسة الحكومة والقطاعات الحكومية. فتلك المواقع بالإضافة إلى أنها تنشر البلاغات الصحافية المتعلقة بالقطاعات الوزارية المعنية، فهي تنشر التقارير الصحافية عن أنشطة رؤسائها، رئيس الحكومة والوزراء، والوزراء المنتدبين وكتاب الدولة، ومنها من ينشر أخبارا أخرى. والمواد المنشورة نجدها في جميع الأشكال: النص المكتوب، والفيديو والصورة. وقانون الصحافة والنشر يعتبر هذا النشاط عملا صحافيا والموقع الالكتروني المعني صحيفة أو دعامة إلكترونية.

إن قانون الصحافة والنشر في مادته الثانية وضع تعريفات للصحافة، والصحيفة الالكترونية، وكل تلك التعريفات تنطبق على أنشطة المواقع المشار إليها في الفقرة الأولى، وتنطبق بشكل خاص على مواقع الأحزاب السياسية والنقابات وموقع الحكومة ورئيسها ومواقع جميع القطاعات الحكومية.

والمادة 8 من نفس القانون تؤكد بشكل واضح أنه: “تعتبر مؤسسة صحفية في مدلول هذا القانون كل شخص ذاتي او اعتباري يمارس كل او بعض الأنشطة الواردة في المادة 2 أعلاه ويتولى لهذه الغاية نشر مطبوع دوري أو صحيفة إلكترونية بوصفه مالكا أو مستأجرا، أو مسيرا لأحدهما أو كلاهما معا”. وواضح من هذه المادة أن المواقع المشار إليها سابقا تعتبر مؤسسات صحفية بحكم أنشطتها التي تتطابق مع ما جاء في المادة الثانية.

وبما أن القانون لم يستثن أي جهة يمكن أن تقوم بالأنشطة الصحفية من قواعده ومقرراته، تطرح أسئلة جوهرية، منها:

السؤال الأول: المادة 12 تؤكد:”يجب أن يكون لكل مطبوع دوري أو صحيفة إلكترونية أو أية دعامة إلكترونية أخرى طبقا لما ورد في المادة 2 أعلاه، مدير للنشر”. فهل للمواقع المشار إليها مدير للنشر؟ المواقع المشار إليها، (ربما باستثناء موقع وزارة العدل الذي يتوفر على مدير لم يصرح به) لا تتوفر على مدير للنشر، وبعض الأحزاب عينت مسؤولين بمثابة مدير للنشر دون اتباع المسطرة القانونية في ذلك، ليبق التعيين داخليا فقط.

السؤال الثاني: يتعلق بالتصريح القانوني، إذ لا يكفي تعيين مدير للنشر تتوفر فيه جميع الشروط الواردة في المادة 16. والمادة 21 من قانون الصحافة والنشر يؤكد أنه:” يجب التصريح بنشر أي مطبوع دوري أو صحيفة إلكترونية داخل أجل 30 يوما السابقة لليوم الذي يتوقع فيه إصداره، ويودع هذا التصريح في ثلاثة نظائر لدى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية التي يوجد فيه المقر الرئيسي للمؤسسة الصحفية…”. وإذا كانت المواقع الرسمية ليس لها أصلا مدير للنشر كما في بعض المواقع الالكترونية للأحزاب وبعض النقابات، فهل قدمت الأحزاب والهيئات التي عينت “مديرا للنشر” تصريحا قانونيا؟ إن جميع الهيئات والمؤسسات المشار إليها لم تقدم تصريحات قانونية كما تؤكد ذلك المادة 21 السابقة.

سنكتفي بهذين السؤالين، لنعيد سؤالا كبيرا هو: إذا لم يمرر أي تعديل للمادة 125 من قانون الصحافة والنشر قبل حلول تاريخ نهاية مدة الملائمة مع القانون، هل ستتوقف جميع تلك المواقع الإلكترونية عن النشر بحلول تاريخ تطبيق قانون الصحافة والنشر؟ وما هي المبررات التي سيتذرع بها أصحابها للاستمرار في النشر ضدا على القانون؟

إن عشرات الصحف الالكترونية اليوم تسارع زمن حلول نهاية آجال ملائمة وضعيتها مع القانون، وتعيش اوساطها حالة من الهلع والخوف حول مصيرها. ومنها من سارع إلى التعاقد مع مدير نشر يستوف الشروط القانونية، ومنها من يستعد للإغلاق، لكن لا شيء يتحرك داخل الأوساط الحزبية والنقابية والقطاعات الحكومية، وغيرها، كأنها غير معنية بملائمة وضعيتها مع قانون الصحافة والنشر.

إن النازلة التي نحن بصددها تعتبر امتحانا خاصا لمفهوم دولة الحق والقانون، فهل يتم التعامل مع الصحف الالكترونية التي لم تقم بالملائمة بمنطق “الحيط القصير”، وتترك الأحزاب والنقابات والمواقع الحكومية والوزارية الرسمية في وضعية غير قانونية؟

إنه لا يكفي أن نؤكد على  الصحف الالكترونية التي لم تتمكن من ملائمة وضعيتها مع القانون بأن تطالب بطبيق القانون على الجميع. بل النازلة التي نحن بصددها تكشف الاستهتار بالقانون من طرف واضعيه والساهرين عليه، فكيف يمكن تفسير إسقاط الأنشطة التي تبثها المواقع الرسمية، بما فيه موقع المؤسسة التشريعية نفسها، ومواقع الأحزاب، وغيرها، من خضوعها لقانون الصحافة والنشر؟ وكيف غاب عنها استحضار تلك الأنشطة عند مدارسة قانون الصحافة والنشر بعد مدة “حضانة” غير يسيرة؟