وجهة نظر

إحراق الذات احتجاجا على جور أحكام القضاء المغربي

حينما تتواتر أفعال أو ردود فعل محددة، كطريقة للاحتجاج تبلغ درجة إحراق الذات عبر إضرام النار فيها كقمة للاحتجاج، فإن ذلك يشكل ناقوس تنبيه صريح وبليغ غني بالدلالات، يستدعي الانتباه في مرحلة أولى للتساؤل وتحليل الواقعة، وفي مرحلة ثانية يستدعي الأمر التدخل لحل المشكلة موضوع الاحتجاج ورد الفعل من جذورها. وفي الحالات التي نتناولها اليوم فإن موضوع رد الفعل الرافض لواقعة معينة له علاقة وثيقة بالاحتجاج على أحكام قضائية، مما يعبر عن رفض تام لمنطوق هذه الأحكام ولمخرجاتها. وبطبيعة الحال فللموضوع علاقة وثيقة باستقلالية القضاء ونزاهة أحكامه واحترامه لشروط المحاكمة العادلة والإنصاف والمساواة أمام القانون، وحماية حقوق أطراف عملية التقاضي، والخضوع لفلسفة العدالة وليس لمآرب أخرى تدخل في نطاق فساد الجسم القضائي ببلادنا. وإليكم بعض الوقائع.

الواقعة الأولى

في شهر مارس 2016، أحالت الشرطة القضائية لأمن أكادير، على أنظار الوكيل العام بمحكمة الإستئناف ، شخصا أضرم النار في نفسه بمكتب وكيل الملك بابتدائية أكادير. وحسب مصادر مطلعة، فإن الوكيل العام قضى بعدم الاختصاص في هذه القضية مما دفع بالشرطة القضائية إلى إعادة إحالة مضرم النار على النيابة العامة بابتدائية أكادير، والتي قضى وكيل الملك بها بمتابعة الشخص المعني في حالة سراح في انتظار محاكمته بتهمة اضرام النار والتهديد. وقد تدهورت الحالة الصحية للمعني بهذه القضية بعد أن قضى أزيد من 22 يوما بجناح الحروق بمستشفى أكادير.

وكان المعني بالأمر، الذي يشتغل بائعا متجولا، قد رفع دعوى قضائية ضد حارس ليلي أقدم على تكسير عربته، غير أن القضاء قرر في آخر المطاف حفظ الشكاية، وهو المقرر الذي لم يستسغه المواطن فأقدم على إضرام النار في نفسه داخل مكتب وكيل الملك أمام ذهول عدد من المواطنين ووكيل الملك نفسه، حيث أصيب بحروق من الدرجة الثالثة.

الواقعة الثانية

خلال شهر شتنبر 2015 أضرم شخص في الأربعينات من عمره النار في جسده أمام محكمة الإستئناف بأكَادير، في محاولة منه الإنتحار، احتجاجا على حكم قضائي صدر في حقه، حيث صبّ كمية من البنزين على أطراف جسده ثم أشعل النار فيه، وتم نقله إلى مستشفى الحسن الثاني لتلقي العلاجات على الحروق التي أصيب بها.
وتعود أسباب هذا الحادث إلى كون المعني بالأمر، قد خسر ملفا قضائيا في إطار نزاع عقاري بينه وبين خصمه بمدينة تارودانت، بحيث لم يستسغ إصدار حكم قضائي من لدن محكمة الإستئناف لفائدة خصمه في هذا النزاع الذي طال عدة سنوات ابتدائيا واستئنافيا.

الواقعة الثالثة

أضرم مواطن النار في جسده، خلال شهر شتنبر 2015، بسبب إصدار حكم قضائي غيابي ضده عن المحكمة الابتدائية بأكادير، في ملف نزاع يتعلق بأرض والده في قضية عمرت لأزيد من 60 سنة في ردهات المحاكم.

وحسب بعض المصادر فإن الشخص الذي ينحدر من مدينة اولاد تايمة، حضر إلى المحكمة صباحا، وبعد فشله في التواصل مع المكلفين بالملف، انتهى إلى علمه أن المحكمة حسمت غيابيا في ملف الأرض، ليخرج إلى الساحة ويفاجئ الجميع بإضرام النيران في جسده بواسطة ولاعة بعد صب البنزين، لكن تم في النهاية إنقاذه من الموت.

الواقعة الرابعة

خلال شهر أبريل 2017 قامت سيدة مغربية في عقدها الرابع، بإضرام النار في جسدها، بمنطقة سيدي حجّاج، دائرة ابن أحمد إقليم سطات، وذلك احتجاجا على حكم قضائي توصلت به بخصوص إفراغ منزلها. وتدعي المعنية بالأمر أن الحكم الصادر في قضيتها يستند إلى وثائق مزورة ومدعين وهميين لا وجود لهم على أرض الواقع. واعتبرت إقدامها على إحراق نفسها نتيجة إحساس بـ « الحكرة » بعد حكم قضائي جائر بالإفراغ، ليتم نقلها إلى المركز الصحي بأولاد أمراح، ومنه إلى المركز الاستشفائي، الحسن الثاني بسطات، ثم إلى المستشفى الجامعي ابن رشد بالدار البيضاء، حيث خضعت لعملية جراحية بسبب خطورة وضعها وتعرضها لحروق من الدرجة الثانية….
خلاصة

هذه نماذج قليلة جدا من مئات، إن لم نقل عشرات آلاف، من الملفات الرائجة أمام مختلف درجات التقاضي ببلادنا، والتي تشتم منها رائحة عدم الإنصاف وعدم استقلالية القضاء وندرة نزاهة الهيئات القضائية. فأن يقدم الإنسان على إحراق جسده احتجاجا على مقرر قضائي، أو على طول الآماد وبطء المساطر وشبهات التلاعب… ليس قرارا هينا، ولن يقدم عليه إلا من بلغت به درجات إحساسه بالظلم والغبن وعدم الإنصاف درجاته القصوى التي تفوق قدرته على التحمل ليلج مرحلة إحراق الذات ( هذا لا يعني أنني مع هذا الخيار).

تخيلوا معي لو أن كل من عبر عن امتعاضه من عدم عدالة مقرر قضائي صادر في حقه، أقدم على إضرام النار في جسده لاستطاع المغربيات والمغاربة أن يحطموا الأرقام القياسية عالميا في الموت حرقا وحرقة على بؤس العدالة في البلد، ولنافسنا الآسيويين في ممارسة “الهاراكيري” اليابانية حيث كان الفعل معروفاً لدى مقاتلي الساموراي الذين يؤمنون بضوابط “قانون البوشيدو” وكانوا يلجأون له لتفادي الوقوع في أيدي العدو أو لمسح عار الهزيمة. وبطبيعة الحال فإن خيار إحراق الذات احتجاجا لن يرجع الحق إلى نصابه ولا إلى أصحابه.

ولمن أراد/ت المزيد من الأمثلة عن فساد قضائنا عليه الرجوع إلى كم ووثائق مشاريع “إصلاح القضاء والعدالة في المغرب”، التي ترقد في الرفوف أو التي ظلت حبرا على ورق منذ أول ندوة عقدت في الموضوع إلى آخر مبادرة من ذات القبيل.