وجهة نظر

بلاد العياشة

بينما تجلس في أحد مقاهي “كورنيش” أغادير، تصدمك أسعار انتفخت ضعفين مع أنها في الأصل حارقة : قهوة العشرون درهما أضحت أربعينا، ووجبة الخمسين درهما صارت مائة…

الغريب و الملفت للنظر أن صاحب المقهى، أو المغني الذي “ينشط الجلسة” لا يتوانى بين الفينة و الأخرى عن الهتاف: عاش الملك! ظنا منه أن عبارات الولاء ستعفيه من المراقبة والزجر. لقد أضحى الكثيرون مؤمنين أن عبارة “عاش” هي كلمة التوحيد التي تجب ما قبلها من تجاوزات في حق الوطن والمواطنين.

الحقيقة أن عبارة “عاش الملك” تعبر عن إرادة المغاربة في جعل المؤسسة الملكية جامعهم ورمز وحدتهم، بعد أن فشلوا في إرساء نموذج مواطنة عادلة منصفة تجمع الكل تحت لواءها، بمنطق المساواة و سيادة القانون بين الناس كأسنان المشط.

واقع الحال يقول أن الأمازيغي لا ينكح إلا أمازيغية، و الصحراوي إلا صحراوية، و”العربي” لا يتق إلا في بني جلدته، و أكبر شركات البناء (دون ذكر الاسم) لا تشغل سوى أبناء زاكورة و النواحي. غابة الولاء فيها للون الجلد و شكل القوائم!

هيبة و رمزية المؤسسة الملكية لا يجب أن تجعل الكثيرين يعتبرون التمسح على أعتابها بمثابة عبارة “التكبيرة” التي تحلل ذبح المواطن، و سرقة رزقه و محاصرته في حله و ترحاله حتى يضل قابعا في أسفل هرم ماسلاو، معتبرا الأكل و الأمن أكبر الإنجازات و أعظم النعم!

أصل “التَّعيَاش” ليس عبارة عاش الملك، التي لطالما رددها كثيرون من وطنيي هذه الأمة، بسطاء و نخبة، مدركين أنها الملاذ الأخير لدولة تتشدق ليل نهار بشعارات دولة الحق و القانون، لكن واقعها يتجه صوب الإيغال في جو البداوة و دولة الوصاية و منطق الرعية.

“التَعيَاش” نعت يصف حال طائفة كبيرة من المغاربة تسترزق و “تَعتاش” من مكانة الملك، بالسلب أو بالإيجاب.

المواطن البسيط الذي يملك حكما قضائيا لصالحه ظل يراوح مكانه سنوات دون أن يجد سبيله للنفاذ، يتسلق عمودا برفقة صورة لعاهل البلاد مهددا بالانتحار و مرددا “عاش الملك”، فقد يئس من قدرة قضاء “مستقل” على إنصافه!

المرآة المسكينة التي حلت سلطات البلدية لتهدم بيتها بداعي “خرق القانون” تجد نفسها معتصمة حاملة لصورة ضامن وحدة البلاد و استقرارها، بعد يأسها من مؤسسات تصرف عليها المليارات لتزيين الصورة، و كسب نقاط في تصنيف الاتحاد الأوروبي لأكثر البلدان المتخلفة ديمقراطية!

المسئول “الفاسد” تجده معلقا صورة لملك البلاد خلف مكتبه، لا يفلت حفل وَلاء و لا افتتاح دورة تشريعية، و لا يضيع الفرصة إن أُتيحت له لتقبيل اليد من الجانبين و بإصرار…ذات المسئول له حسابات بنكية منتفخة و فيلات منتشرة و الكل يهتف: ليس من أين لَكَ هذا! بل هنيئا لك بهذا!

خلال السنوات الأولى لحرب الصحراء، كانت جيوش البوليساريو تداهم قرى و دواوير منطق محاميد الغزلان المحاذية لتندوف. تَسلبُ المنازل و تداهم الأعراس لتأخذ بالغصب ما توفر من مؤن و أطعمة و كل غال و نفيس، قبل أن تصطحب العَلم المغربي “رهينة”.
إحدى السيدات “الوطنيات” رأت العلم و لم ترى كتائب الانفصاليين. عند اقترابهم منها هتفت بحماس “عاش الملك!” ليصفعها احد المتمردين آمرا إياها بلهجة حسانية ” قولي تحيى الجبهة!”

عبارة “تحيى” مساوية لكلمة “عاش”، و ما كان يفعله انفصاليو الخارج يعيده “انفصاليو” الداخل، بشرعية و حس وطني عال.