وجهة نظر

هل دخل مجتمعنا ”سوق رأسه”!

قالت عائشة الشنة رئيسة جمعية التضامن النسوي :”ولات السيبة في البلاد، وليت كنخاف نخرج الزنقة، وكنحس بحال الى خارجة لساحة حرب”!! وذلك بعد مهاجمتها من شخص في حالة سكر “دون أن يتدخل أي مواطن”!

بعد حادثة التحرش الجنسي الذي تعرضت له فتاة مختلة عقليا في “طوبيس” بالدار البيضاء، تكرر تساؤل كثير من المواطنين: “الطوبيس عامر.. والناس كيشوفو علاش ماتدخلوش”؟!

وقالت شابة مستنكرة: “الأخطر في هادشي ان البنت كانوا الناس معاها في الطوبيس..ماكاين اللي يتدخل، ماكاين اللي يهضر، ماكاين اللي يفكها ..”!!!

هذه هي الحكاية ايها السادة، لماذا لم يتدخل “الناس” ودخلوا جميعهم سوق راسهم؟!

هل هي “الانانية” التي فرضت هيمنتها على المجتمع المغربي ؟!

هل ماتت الشجاعة والشهامة في مجتمعنا وانتشر الجبن والخوف بفعل فاعل ؟!

هل منعت الدولة مواطنيها من مواجهة “المعتدين” عن طريق “شرع اليد” ولم تستطع ملأ الفراغ؟!

مادور الدولة في نشر ثقافة “ماشي شغلك”، وترويج مقولة “ادخل سوق راسك”؟!

من المستفيد حقا من “انقراض” ثقافة “الاستنكار” و”النهي عن المنكر” ؟!

ماسر العلاقة المشبوهة بين الدولة و بعض “المنحرفين”، الذين يتم “استعمالهم” في أغراض شتى ! وفي “التظاهرات” و”الاوقات الصعبة” ؟!

هل “السماح” عمدا للمنحرفين و”المشرملين” بزرع “الخوف” في نفوس المواطنين له دور في “ضبط” المجتمع ؟!

هل انتقل “الاستنكار” و”النهي عن المنكر” و”مساندة الضحايا” إلى العالم الافتراضي، بدل “نجدتهم” في الميدان؟!

هذه الاسئلة وغيرها لم نطرحها سنجيب عن بعضها حقا ونتجاهل بعضها عمدا فلا تذهبوا بعيدا !

عدنا:

وأنا اتابع الاخبار الصادمة القادمة من المملكة الشريفة، رجعت بي الايام رأسا إلى ايام الصبا، فقلت مع نفسي ان أبناء جيلي – نحن الذين هرمنا الآن-“دزنا في الضو”! ويبدو أننا كنا محظوظين فعلا بالاستفادة من ”تربية الشارع“ الذي نوجه اليه الكثير من أصابع الاتهام، ونرميه بالسلبيات وكل الموبقات، ونعلق عليه كُلا من فشل الاسرة في “التربية” وزرع الاخلاق، وعجز الدولةفي “التنشئة” على حسن السلوك !

أتي علينا حين من الدهر، ونحن صغار، كلما رصدت “راداراتنا” الصغيرة أي “منظر مشبوه” في الشارع “تنطلق” تلقائيا “صيحات” الانذار والتحذير التي تختلف باختلاف “المنظر” و”المظهر” المرصود، فإذا شاهدنا مثلا شابا او “رجلا” يرافق فتاة أو امرأة بطريقة تثير الريبة في الشارع، لا نتردد إطلاقا في إطلاق “الصيحات الجماعية” التي تنخرط فيها “دورية”من الاطفال تتشكل في الحين موجهين النداء مباشرة ”للذّكر المهيمن“ و نصيح وراءه: ”واطلق الدجاجة لماليها …“ !!، ونتبعه ونتتبع خطواته حتى “يتفرقا” او يختفيامن “المجال”! وحسب سلوكه وردة فعله ينتهي ”نهينا عن المنكر“! فان تجاهلنا وحث الخطى مهرولا نزيد في الصياح إلى ان يبتعداأو يتفرقا، إذ تنسحب الفتاة خوفا من الفضيحة، فقد رصدها ”الرادار“ الذي يشتغل ليل نهار! وإن كانت غير محظوظة فقد يتعرف عليها أحد افراد “الدورية” فتصل “الإخبارية” فورا إلى اخيها أو احد افراد اسرتها، كما قد يتطور الموقف احيانا، حيث يضطر افراد “الدورية” لاستعمال “سلاحهم الوظيفي” ضد “المشبوهين” فيتم رميهم بالحجارة !!وهو ما يجعل عملية “المصاحبة” العلنية بين الذكور والانات في جيلنا “مغامرة” حقيقية ! تستدعي “السرية” التامة، والتواري بعيدا عن الانظار و”أنظمة الرادار” البشرية! المنتشرة في كل درب وزنقة وشارع..

ولا يختلف الامر عندنا إذا ما رصدت “راداراتنا” الصغيرة سكيرا “معربطا” في الشارع،عندها يتشكل”فيلق” التدخل السريع فورا، وتنطلق الصيحات المناسبة لهذا السلوك المخل بالاداب،فنصيح جميعا بصوت واحد :”وا السكايري بوقرعة …”! ولن يفلت إلا بالابتعاد عن “الدرب” وشعاراتنا يتردد صداها وراءه وفي ذهنه إلى ان “يسحى” من سكرته ويختفي من شاشات الرادار التي رصدته معربدا ومتلبسا بالجرم المشهود!

هكذا كنا نعيش في الشارع الذي كان يعرف تفاعلا ايجابيا من اي سلوك منحرف، مهما كان مصدره، ومهما كان سن “المنحرف”، من “الشمكار” الصغير إلى “الشيبة العاصية” الكبير، مرورا بـ “الحشايشي” و”الشفار” و”القمار” و”السكايري” ….! لم تكن السلوكات المنحرفة تمر أبدا امام الانظار من دون اي تدخل او نهي او استنكار…!!

وحتى إذا اندلع خلاف او خصومة بين اثنين او جارين اوفريقين، تجد دائما من يتدخل و”يفك” وسط “الجوقة” التي تتشكل فور رصد “المخاصمة” او “المضاربة”، إنك دوما تجد من يبادر بالتدخل أو “المصالحة” و”الدخول بخيط ابيض”، ولا يكتفي “الجمهور” بالتفرج فقط أبدا !

أما في هذا الزمان فقد عم شعار “شوف وسكت” وسادت “نصيحة” “ادخل سوق راسك”، وانتشرت مقولة “انا مالي” حيث انتصر “الخلاص الفردي”، “اسيدي تفوتني غير انا ودبر راسها” ! هنا أعلن المجتمع استسلامه التام أمام كل الانحرافات ورفع الراية البيضاء !!

في الماضي كان المنحرف “المجاهر” بانحرافه يجد امامه عدة “متدخلين” بدون اي تردد، فإن لم ترصده دورية للشرطة “لاراف” او “القوات المساعدة”، فلن يسلم من متدخل “راشد” في المكان، وحتى ان فلت من هؤلاء وأولئك، فإن قرون استشعار “ولاد الدرب” له بالمرصاد، ولن يمر من دربهم بسلام، وينجو بفعلته وكأن شيئا لم يكن ..! وإن كان سارقا عاثر الحظ في بعض الاسواق فلن يخرج “حيا”، فإن نجا لن يخرج سليم الجسد والنفس أبدا ..! ولن يعرف “يد من الفوقانية” !!

أما في هذا الزمان فقد ارخت الدولة يدها عن المنحرفين المحترفين، بل إنك قد تجد أحيانا “علاقة” جيدة جدا بين الطرفين !! وهو ماشجع كثيرا من المنحرفين على مهاجمة “المتدخلين” ومحاربتهم في العلن حتى مالت الكفة لصالحهم، وانقرضت في مجتمعنا فئات “الناهين عن المنكر”، واحتفل “المجاهرون” بنصرهم المؤزر، فقد رفع المجتمع الراية البيضاء، وخلا لهم الجو، ليعيثوا فيه “كريساجا” و”تشرميلا” وفسادا امام اعين الناس والدولة! وهاقد بدأنا نسمع ان المنحرفين هواة ومحترفين اصبحوا يهاجمون الدوريات الرسمية من افراد الشرطة انفسهم بالسيوف مما يضطرهم لاستعمال اسلحتهم الوظيفية ..!ومضى ذلك الزمن الذي كان يفر فيه البرئ قبل المنحرف من امام سيارات الشرطة او القوات المساعدة ..!!

إن ما نشاهده الآن من انفلات اخلاقي هو نتيجة طبيعية لفشل كل من الاسرة والدولة والمجتمع في منع “المنحرفين” وردع “المجرمين” والحد من ظاهرة “المجاهرين” !!

هكذا أعلنت الاسرة فشلها، وفقدت الدولة هيبتها، ورفع المجتمع الراية البيضاء! والعجيب الغريب انك تجد دوما من يبرر هذا السلوك السلبي، وانتشار ثقافة “الخلاص الفردي” في المجتمع، فيحكي لك “المتفرجون” حكايات محفوظة لنهايات غير سعيدة لافراد “تورطوا” في عملية “التدخل”،لمواجهة “منحرف” في مكان عمومي، أو”مناصرة” ضحية في حالة اعتداء، فيتم التركيز على “معاناة” شاهد العيان ودخوله في دوامة “السين والجيم” في اقسام الشرطة او الدرك والمحاكم، مع عدم توفير الحماية، وهو –في رايهم – ما شجع ثقافة “شوف واسكت” و”ادخل سوق راسك”، وهو بالتالي ما عجل بـ”انقراض” المتدخلين بكل فئاتهم..!
لخصت أم أحد القاصرين، المشاركين في عملية التحرش الجنسي في “الطوبيس”، المشكلة بقولها : “الدراري ضحايا الشارع والتشتت العائلي.. والمؤسسات..”! مضيفة “يقولون لنا: فين كنتو على اولادكم ؟! وردت على منتقديها من المسؤولين بكل صراحة وشجاعة “وانتم فين كنتو على اولادنا؟!!”

وأخيرا: إذا لم تستعد الاسرة دورها والدولة هيبتها والمجتمع “سلطته”، فإن الانفلات سيزداد سوءا، ولن ينفعنا حينها “دخول سوق راسنا” في الواقع أثناء صراخ الضحية، وإشعال “العالم الافتراضي” بموجات الاستنكار فقط بعد “النشر”!!