وجهة نظر

نبحث عن الشرف والشرفاء فلا نجدهما…..3

ارتباط إشاعة الشرف وإعداد الشرفاء بالشروط الذاتية والموضوعية:….1

وليس اعتبار نبل القيم، في الواقع المغربي، كافيا من أجل الوصول إلى اعتبار الشرف في الحياة العامة، وإلى إنتاج الشرفاء، بل لا بد من إخضاع الممارسة الفردية، والجماعية، إلى المراقبة الدقيقة، من أجل محاصرة كافة الممارسات، التي يمكن أن تعتبر منتجة لخبث القيم، الفارزة للفاسدين، والمفسدين، والانتهازيين، المعتبرين امتدادا للفساد، والمفسدين، حتى يتحصن المجتمع، وحتى يصير إنتاج خبث القيم، في ذمة التاريخ، ومن أجل أن يصير الإنسان في المجتمع الناشئ على أساس إشاعة نبل القيم، متمتعا بكافة حقوقه الإنسانية، المجسدة لإنسانيته، وحتى يتمكن الشعب المغربي من السيادة على نفسه، وحتى يصير المغاربة، جميعا، حريصين عل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وبالمضامين المختلفة على أرض الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن الحرية بدون مضامين، لا تنفي استمرار العبودية، ولأن الديمقراطية بدون مضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لا تتجاوز أن تصير ديمقراطية الواجهة، ولأن العدالة الاجتماعية، بدون التوزيع العادل للثروة الوطنية، وبدون تقديم الخدمات الاجتماعية بالمجان، لا يمكن ان تكون كذلك، ما دامت لا تنتج إلا المزيد من خدمة النظام المخزني، ومن خدمة الرأسمال، والرأسماليين، ومن خدمة التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ليبقى الأمر على ما هو عليه، إلى حين.

ولذلك، فالتمسك بتفعيل مضامين الشعارات المرفوعة، أولى من رفع تلك الشعارات.

والشروط الموضوعية، والذاتية، التي يعيشها الإنسان، أي إنسان، ومهما كان هذا الإنسان، هي التي تتحكم في تحديد ما يكون، في واقعه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى يوصف بالشرف، أو بعدم الشرف. فإذا نشأ في مجتمع يسود بين أفراده نبل القيم، ووجد من يهتم بتحليه بها في الأسرة، وفي المدرسة، وفي المجتمع، وفي الإدارة العمومية، وفي النقابات، والأحزاب، والجمعيات الثقافية، والتربوية، وغيرها، كان في نشأته، وفي ممارسته، وفي علاقاته، وفي انتمائه الحزبي، والنقابي، والجمعوي، شريفا، قولان وممارسة.

وإذا نشأ أي إنسان، في مجتمع يسود فيه خبث القيم، فإن فضاء الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، والإدارة، وغير ذلك من الأحزاب، والنقابات، والجمعيات، لا يمكن أن تنتج لنا إلا عديم الشرف، أو إذا كان مستعدا لأن يكون كذلك.

ولذلك، فالحرص على أن تكون الشروط الموضوعية، والذاتية، منتجة لنبل القيم، وفي خدمة التفاعل معها، يعتبر من الأولويات التي يجب أن تطبع الاختيارات المعتمدة، والتي لا يمكن أن تكون إلا اختيارات ديمقراطية شعبية، تعتبر مصدرا أساسيا لتسييد نبل القيم، في الواقع الاجتماعي، المعني بفرز الشرف والشرفاء.

وانعدام الشرف بين العاملين في مختلف القطاعات: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وفي الإدارة العمومية، التي لا يمكن أن تكون فاسدة، إلا بفساد الواقع، الذي عمل بشكل كبير على بث قيم الفساد فيه، من منطلق الآية الكريمة: (كيفما تكونوا يول عليكم)؛ لأن تولي العاملين أمور الشعب، الذي لا يحرك ساكنا لمحاربة الفساد، لا يدل إلا على فساد الواقع، بكل ما فيه، وحتى إن كان هناك شرفاء، فإن فعلهم في الواقع، لا يتجاوز الفضح، والتعرية، ورفع الشعار الذي لا يترجم إلى الواقع، يفعل إذا تم الأخذ به.

ونحن عندما نلاحظ أن فساد الإدارة، بالخصوص، يعطي سيادة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي صار جزءا لا يتجزأ من بنيات الواقع، إلى درجة أن معظم أفراد الشعب، صاروا يعتقدون بأن فساد الواقع، هو الأصل، وخلوه من الفساد هو الاستثناء، واستمرار الإدارة المغربية في فسادها، وفي جميع قطاعاتها، هو من أجل الحفاظ على فساد الواقع، الذي يضمن استمرار فساد الإدارة المغربية، باعتبار ذلك الفساد، مناسبة لتربية كل من البورجوازيين الذين يمكن تصنيفهم ضمن لائحة بورجوازية الفساد، التي تضم البورجوازيين المنتمين إلى كل القطاعات الفاسدة، بما فيها بورجوازية الريع المخزني، التي لا يمكن اعتبارها إلا بورجوازية فاسدة لأن التصنيف الذي تخضع له بورجوازية الفساد الإداري، تتناسب مع ممارستها للفساد الإداري، الذي يجعل كل الفاسدين من كبار الأثرياء، على المستوى العام، وعلى مستوى الجهات، والأقاليم، والجماعات الترابية. ولا يمكن أن ينمو ويتحرك إلا في واقع فاسد ولا يمكن أن ينمو، ويستمر إلا بهذا الواقع الفاسد.

فالإدارة تمرست على خبث القيم، والواقع يعج بخبث القيم، والفساد يكاد يعم جميع مناحي الحياة، وخبث القيم، والفسادن وجهان لعملة واحدة. وهذه العملة لا يمكن أن تكون إلا فاسدين حتى النخاع، إلى درجة أن الفساد لا يمكن استئصاله من الواقع، إلا بالقيام بثورة ثقافية، تعمل على بث نبل القيم، والعمل على استئصال خبث القيم، من أجل محاربة الفساد، ومحاصرته، واستئصاله، كنتيجة حتمية لاستئصال خبث القيم، وبث نبل القيم، من أجل أن يعوض الفساد بالشرف، وأن يعوض الفاسدون بالشرفاء، القادرين وحدهم على تجسيد التحرير، ورعاية ديمقراطية الشعب، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

والسبب في أن الشرف يكاد يختفي من العلاقة بين المرشحين، والناخبين، وبين المنتخبين، وعموم المواطنين؛ لأن الناخبين تعودوا على أن لا يترشح للانتخابات إلا الفاسدون، الممارسون للفساد السياسي، الذين يعتبرون أن الانتخابات، هي مناسبة لشراء ضمائر كل الناخبين، حتى ولو أدى الأمر إلى شراء دوائر بأكملها، لا يهمهم إن كانت ممارستهم مضرة بالواقع، أو غير مضرة به؛ لأن ما يهمهم، هو الوصول إلى المؤسسة المنتخبة، إما:

1) بشراء ضمائر الناخبين، على مستوى كل دائرة انتخابية: محلية، أو إقليمية، أو جهوية، أو وطنية.

2) قيام الإدارة بتزوير النتائج، لصالح المرشح، بعد إرشائه لها، أو بعد تقديم الخدمات لها، أو لأنه كان، ولا زال عميلا من عملائها.

3) استغلال الدين، لجلب أصوات المتدينين، المضللين، وخاصة الأميين من المسلمين، الذين يعسر عليهم فهم ما يجري في الواقع، والذين يفسر لهم على أن أي تقدم، رهين بتطبيق الشريعة الإسلامية، التي لا تسعى إلى تطبيقها إلا الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية، وحسب فهمها ورؤيتها للشريعة الإسلامية.

وهذا الفساد الذي يطبع ممارسة المرشحين، الذين يشترون الضمائر، أو تعمل الإدارة على تزوير النتائج لصالحهمن أو يستغلون الدين الإسلامي استغلالا أيديولوجيا، وسياسيا، هو الذي يجعل المرشحين الشرفاء، محاصرين اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، إلى درجة القطيعة مع الجماهير الشعبية الكادحة، التي تقع بين حرجين:

الحرج الأول: حاجتها إلى المال، حتى ولو كان ضئيلا، نظرا لغياب وعيها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ونظرا لكون الأحزاب التي ينتمي إليها المرشحون الشرفاء، لم تقم بدورها كاملا، في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، خاصة وان الأحزاب المؤدلجة للدين الإسلامي، تكيل الاتهامات المجانية بالكفر، والإلحاد، لأولئك الشرفاء الذين يزداد حصارهم في الواقع، بسبب ذلك.

الحرج الثاني: حاجتها إلى الالتزام بتوجيه السلطة في عملية التصويت، حتى تكسب ود المقدمين، والشيوخ، والقواد، والباشوات، والعمال، وغيرهم، ممن يتحكم في الواقع، من منطلق أن ذلك التوجيه، هو من إرادة السيادة الوطنية. وهذه الحاجة أيضا هي نتيجة لغياب الوعي في مستوياته المختلفة، والذي يمكن المواطن / الناخب من الاعتبار بأنه سيد نفسه، وان لا أحد يتحكم في ضميره، وأن العمل السياسي، لا علاقة له بالدين الإسلامي، وان الإنسان، مهما كان، لا يمكن أن ينتهي إلا إلى الوطن، وأن الوطنية تقتضي ترسيخ القناعات، حتى يعمل الجميع على تكريس الاختيار الحر، والنزيه، الذي هو التعبير السليم عن ممارسة الشرف، وعن اختيار الشرفاء للمهام المنتظرة منهم، لصالح كادحي الشعب المغربي.

ولزوال الحرج الأول، يجب مواجهة المرشحين الفاسدين جماهيريا، وفضح ممارستهم على أرض الواقع، ولزوال الحرج الثاني، يجب فضح ممارسة رجال السلطة، على جميع المستويات، ورفض انحيازهم إلى هذا المرشح، أو ذاك، والحرص على أن يكون الاختيار حرا، ونزيها، لا علاقة له ببيع الضمير، أو بتوجيه السلطة، بعد امتلاك الوعي بذلك.

وانفتاح اليسار على العناصر الفاسدة من المجتمع، دليل على أنه صار ملغوما بالفساد، وبمنظور انتهازي، ومن منطلق أنه أصبح لا يهتم إلا بالأصوات، وبعضوية مجالس الجماعات الترابية، وبعضوية مجلس النواب، والمستشارين، مع أن الذين أصبحوا أعضاء في بعض المجالس، ثبت في بعض المناطق، والجماعات الترابية، أنهم يبيعون ضمائرهم إلى الفاسدين، الذين يترشحون للرئاسة، وإلى الفاسدين الذين يترشحون إلى المجالس الإقليمية، وإلى الفاسدين الذين يترشحون إلى مجلس المستشارين، كما تؤكد ذلك محاضر التصويت.

ولذلك، فمنطق مشاركة اليسار في الانتخابات، يجب ان يكون مصحوبا بالتتبع التنظيمي، وبممارسة النقد، والنقد الذاتي، وبالمحاسبة الفردية، والجماعية، وباتخاذ الإجراءات الضرورية الحاسمة مع الفساد، والمفسدين؛ لأن المفروض، أن لا ينتمي إلى اليسار، إلا المناهضون للفساد، والفاسدين، والمفسدين، مهما كان لونهم، أو انتماؤهم السياسي.

وإذا ترشح فاسد باسم اليسار، وباسم الشرف، والشرفاء، ولم يناهضه اليسار، واليساريون، لا يمكن أن يعتبر اليسار إلا قابلا بالفساد في صفوفه، ولا يمكن ان يعتبر اليساريون إلا فاسدين، أو قابلين بالفساد في صفوف اليساريين، ما داموا قابلين بترشيح الفاسدين.

وقد كان من المفروض، أن يدقق اليسار في هوية المرشحين للانتخابات الجماعية، أو البرلمانية، حتى لا يضطر إلى تبرير ممارسات المرشحين، والمرشحات، الفاسدات، والفاسدين؛ لأن تبرير الفساد في صفوف اليسار، لا يعبر إلا عن انتهازيته، وعن انتهازية اليساريين القابلين بالفساد، والفاسدين، في صفوف اليسار، خاصة، وان تلغيم اليسار، واليساريين بالفاسدين، والمفسدين، أصبح ظاهرة، تطبع كل الأحزاب اليسارية، التي تشارك في الانتخابات، التي تدبرها الإدارة المخزنية. ومعلوم ما انتهى إليه شأن حزب التقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي، وغيرهما في تاريخ المغرب السياسي الحديث.