منوعات

بويخف يكتب.. الـ”PJD” على مفترق الطرق بين السياسة والديموقراطية

1) من أجل تحرير مناط النقاش

حزب العدالة والتنمية في مؤتمره الثامن القريب مقبل على الحسم في عدة قضايا مصيرية، على رأسها قضيتين كبيرتين، تتعلق الأولى بتجديد أطروحته السياسية على ضوء تجربته في ممارسة الشأن العام، وأيضا على ضوء واقع المشهد الحزبي الضعيف وتأكد غياب الإرادة السياسية للإصلاح او ضعفها الشديد على أقل تقدير. وتتعلق الثانية بالديموقراطية الداخلية للحزب وما إذا كان المؤتمر حاسما في حفظها وتمتينها على اعتبار أنها ما يميزه ويعطيه مصداقية وقوة لدى الرأي العام، أم أنه بعكس ذلك سيدشن مسار التراجع فيها.

والنقاش الدائر اليوم بين أعضاء حزب المصباح، مع ما يعتريه من انزلاقات نحو الارهاب الفكري والابتزاز اللفظي، نقاش مصيري في الحسم ليس بين تيارين داخله، كما يتم الترويج لذلك، بل للحسم بين اختيارين متباينين، اختيار يمارس فيه الحزب السياسة بالديموقراطية وخيار يمارس فيه الديموقراطية بالسياسة. والأمر هنا لا يتعلق بالتلاعب بالكلمات، بل بتوصيف دقيق لحقيقة التشابك الجاري على مستوى الجدل والنقاش، والذي فاض عن الجدران التنظيمية للحزب ليملآ شبكات التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد.

ومهما كانت الملاحظات النقدية على حزب المصباح في مجال الممارسة الديموقراطية، فهو يصنف ضمن أكثر الأحزاب المغربية ممارسة للسياسة بالديموقراطية. وأهم معيار في هذا التصنيف هو معيار الديموقراطية الداخلية وليس الشعارات الترويجية أو الممارسات العامة التي تفرض قوانين الدولة ودستورها الانضباط لها. ويشهد خصومه قبل غيرهم أنه حزب ديموقراطي بامتياز، بحكم ديموقراطية قوانينه الداخلية، وبحكم الاحترام الصارم لتلك القوانين، ولكن بشكل أكبر بحكم هيمنة المؤسسات وليس الأشخاص على قراراته.

والامتحان المصيري الذي يقبل عليه الحزب في مؤتمره المقبل حول ديموقراطيته الداخلية يتم اختصار قضيته إعلاميا في مسألة الولاية الثالثة للأستاذ ابن كيران على رأس أمانة الحزب. ويتم استسهالها بمقاربات تبسيطية تدور حول شخص الأستاذ ابن كيران، من معه ومن ضده؟ ومما عمق تزييف الوعي في هذه المسألة الحديث عن صراع بين تيارين يختلفان حول شخص الأمين العام المقبل. وتم تحريف النقاش عن صلبه السياسي والفكري بالحديث عن تيارين، “تيار الاستوزار” الذي تتم محورته حول الوزراء ويتم التأسيس له من المسار الذي تكرس بعد رفع البلوكاج السياسي الظاهر، والذي انتهى بإعفاء الأستاذ ابن كيران من مهمة تشكيل الحكومة. وتيار “الزعيم المنقذ” الذي يتم ربطه بخيارات رفض التنازلات وتقديم الأستاذ ابن كيران كرجل الخلاص السياسي الوحيد والأوحد بالنسبة للحزب. وحشر النقاش في هذه الزاوية الضيقة وجعل محوره هو شخص الأستاذ ابن كيران حرفه عن حقيقة ما يخفيه وما يعنيه بالنسبة للديموقراطية الداخلية للحزب.

غير أن أخطر ما تسلح به البعض من التبريرات التي تكرس تزييف الوعي بمسألة الديموقراطية الداخلية، تبريرات ديماغوجية يتم ترويجها من شاكلة أن المؤتمر سيد نفسه، وأن القرار الجماعي الحر هو الديموقراطية بعينها، وغير ذلك من التبريرات المبسطة التي تهرب النقاش من مجاله الحقيقي وتقتل الفكر السياسي وتقمع النقد، وكأن الديموقراطية ليس لها روح ولا مبادئ ولا قواعد تحكمها، وإنما هي جماعة وقرار بالأغلبية! وهي إيديولوجية سياسية ما أكثر ما اعتمدها حكام وزعماء “خالدون” في أحزاب ونقابات وجمعيات ضدا على القوانين، لتمرير قرارات إنما يتم خلالها اغتصاب ديموقراطية “الجماعة” باسم الجماعة نفسها، سواء كانت شعبا او أعضاء مؤتمر حزب او جمعية. إن اجتماع قوم بشكل شرعي واتخاذهم لقرارات بشكل حر، لا يعني أن قراراتهم ديموقراطية، وهذا ما لم يدركه بعد العقل الإسلامي الحديث العهد بدكتاتورية الجماعة والذي ما يزال يعاني من هشاشة الفكر الديموقراطي.

إن تحرير مناط النقاش في مسألة “الولاية الثالثة” أمر حيوي جدا، فهي في أسسها الفكرية والمنهجية لا تتعلق بمن مع أو ضد شخص الأستاذ ابن كيران، بل بخيارين متناقضين يعاني النقاش الجاري من سوء استحضارهما، خيار يجعل الأولوية للاعتبارات السياسية، وخيار يجعل الأولوية للاعتبارات الديموقراطية، أي من مع أو ضد أن يمارس الحزب السياسة بالديموقراطية، وليس العكس أن يمارس الديموقراطية بالسياسة. وطرح المسألة بهذا الشكل يفرض على الجميع وضوحا حقيقيا واعيا، إيديولوجيا وسياسيا وتاريخيا، من مسألة الديموقراطية الداخلية للحزب.

ولتوضيح هذا الأمر نتوقف عند الخيارين المتناقضين، وهو ما يقصد العنوان الرئيسي للمقالات التي نقترح تخصيصها لمناقشة ذلك، للتمييز بينهما. ونقترح مناقشة ذلك بعد أن أخذنا مسافة مناسبة من الدينامية الجارية اليوم في الحزب تجنبا لإقحام هذا النقاش في التقسيم المغرض الذي يصنف الآراء إلى “من ضد أو من مع الأستاذ ابن كيران” ليقتلها، مع العلم أن من ضد الأستاذ ابن كيران، إن وجد داخل الحزب وفي دوائره، سيكون أقلية ضعيفة لا محالة. إن حديثنا عن ثنائية الخيارات ينبغي تحريره من أي تطابق مع ما يتم الترويج له عن صراع تيارين، أي أن حديثنا مثلا عن خيار الأولوية للاعتبارات الديموقراطية لا يعني أن من يرفضون “الولاية الثالثة” ديموقراطيون، وأن من ينادون بها غير ذلك. ذلك أن الهدف من هذه المقالات ليس إصدار أحكام قيمة ضد طرفي الجدل، بل المساهمة في إيقاظ الوعي السياسي النقدي الذي يتم اغتياله يوميا في لجاج الجدل والاتهامات المتبادلة، سواء بين انصار الولاية الثالثة أو بين رافضيها، وكل ذلك من أجل الوضوح التاريخي الواعي المشار إليه، والذي عبرنا عنه بعبارة “مفترق الطرق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار