وجهة نظر

اسمع أيها الرئيس الصغير (ح2)

ضمان دورية اجتماعات المكتب التنفيذي عبر استعمال التكنولوجيا الحديثة:
أول ما فكرت فيه شخصيا هو ضمان دورية اجتماعات المكتب التنفيذي بين عضوات وأعضاء تفصل بينهم مئات الكيلومترات. انطلقت من تجربة شخصية لي ضمن الأمانة العامة للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية، حيث ينتمي كل عضو من أعضاء الأمانة إلى بلد، فهناك من هم في هولندا والعراق وكندا وألمانيا والمغرب وفلسطين، ومع ذلك فإننا ننظم لقاءات الأمانة عبر السكايب، بل ذهبنا أبعد من ذلك بتغيير الرئيس عبر السكايب. لذا اقترحت استغلال التكنولوجيا المتطورة والتعامل عبرها من أجل تنظيم الاجتماعات. وبما أن اتصالات المغرب كانت قد أوقفت التعامل عبر السكايب، فقد اقترحت الهانغاوت.

استشرت العلام في استقدام شخص متخصص في الموضوع، ليقدم فكرة عن هذه التقنية، وليقوم بالمواكبة في حالة ما وجد أحد الأعضاء صعوبة في استعماله. وجاء الشخص إلى مقر اتحاد كتاب المغرب، وقام بدورة تكوينية لبعض أعضاء المكتب التنفيذي، على أساس أن يتم التعامل مع كل الأعضاء لاحقا. وبطبيعة الحال كان كل شيء بالمجان. فالشخص المذكور كان من حركة 20 فبراير ولم يبتغ جزاء ولا شكورا. كل ما كان يتوخاه هو المساهمة ولو بقسط بسيط في تقدم الاتحاد وتطوره بما يخدم الثقافة والمثقفين. كان الجميع ينصت إلى المكوِّن باهتمام بالغ، لكن عندما عدت إلى الموضوع في اللقاء التالي بدأ الجميع يتهكم مني؛ وبدأ العلام يلقبني ضاحكا بمدام هانغاوت.

كنت أعوز ذلك إلى التخلف الذي يرزح تحته بعض الكتاب المغاربة في علاقتهم بالتكنولوجيا الحديثة، فإذا بي أتبين مع مرور الأيام أن عبد الرحيم العلام كان يعرف جيدا ما يفعل، ولم تكن لديه أي رغبة في اتخاذ قرار جماعي. كان يرغب في اتخاذ قرارات فردية ولم يكن ذلك ممكنا إلا باستمرار الوضع على ما هو عليه، أي في حالة لا تواصل مستمرة حتى يبرر اتخاذه لقرارات انفرادية بصعوبة اجتماع أعضاء المكتب الذين ينتمون إلى مناطق متباعدة في المغرب. وهكذا عمل العلام على إفراغ أول شيء إيجابي خرج به المؤتمر، ألا وهو تعدد تمثيلية المدن داخل المكتب التنفيذي، من مغزاه الإيجابي وتحويله إلى عائق في الاجتماعات للاستفراد بالقرار.

أول قرار انفرادي اتخذه رئيس اتحاد كتاب المغرب، كان دعوة محام عضو باتحاد كتاب المغرب لمؤازرة خالد اعليوة معتقل الحق العام بدعوى أنه أيضا عضو في اتحاد كتاب المغرب. كان اعليوة متابعا بتهمة الفساد المالي والتدبيري لمؤسسة القرض العقاري والسياحي حين كان مديرا لها؛ وسيطلق سراحه “بشكل مؤقت” لحضور جنازة والدته بعد قضاء زهاء تسعة أشهر في السجن الاحتياطي بسجن عكاشة بالبيضاء، وما زال لحد الساعة خارج السجن.

ورغم أن ثلاثة، من أعضاء المكتب التنفيذي، على الأقل، لم يقبلوا بالأمر، فإن اثنين بقيا يشتغلان داخله، فيما قرر الثالث، وهو مصطفى الغثيري أن ينسحب معلنا رفضه لموقف الاتحاد، ومقررا بعث رسالة استقالة إلى المكتب التنفيذي يوم 12 شتنبر 2013، بعد مضي بضعة أشهر على تكوين المكتب.

في بداية الضجة التي خلقها انسحاب الغثيري، كان العلام ينتهز أية فرصة ليحيل متهكما على الغثيري، فيما بقية أعضاء المكتب يجارونه في الضحك. لم أكن قد عرفت عبد الرحيم العلام جيدا، وكان يبدو لي بقفشاته التي ينثرها في كل مكان شخصا حبوبا ودودا، وأنه ربما ارتكب خطأ عندما دافع عن خالد اعليوة، لكن الله غفور رحيم، وأن الأهم من كل ذلك هو وضع برنامج ثقافي طموح، والبحث عن الموارد المالية الكفيلة بتحقيقه في إطار الشفافية الكاملة. خاصة وأن من أشرف على أمانة المال كان هذه المرة امرأة هي الشاعرة وداد بنموسى، هذا ما كنت أتصوره آنذاك، بكل سذاجة وربما بطيبوبة وقدرة على المحبة؛ قبل أن أكتشف أن الأمر غير ذلك.

بعد توزيع المهام داخل المكتب، وقبل انسحاب مصطفى الغثيري، عقدنا أول اجتماع في مقر الاتحاد، وكان العلام يشدِّد على وضع ميثاق أخلاقي بين الأعضاء، وقد استغربت للطريقة التي كان يشدد بها على المسألة. بعد ذلك تبين أن المسعى من التأكيد على الميثاق كان لجم أفواه أعضاء المكتب التنفيذي، وتنميطهم ما أمكن والدفع في اتجاه مساندتهم للرئيس مساندة غير مشروطة.

مواقف الاتحاد من القضايا المتداولة واستفراد عبد الرحيم العلام بالقرارات:
يمكن القول تجاوزا، أنه كان داخل المكتب التنفيذي ثلاثة تيارات، واحد يسعى إلى نكران الذات والمصالح الشخصية، واتخاذ بعض المواقف الجريئة إزاء بعض القضايا سواء أكانت وطنية أم إقليمية، وتيار مهادن يسعى إلى التقرب من دواليب السلطة في أحايين كثيرة أو يلجأ إلى الصمت في أحسن الأحوال عن بعض القضايا التي لا يمكن الصمت عنها، بل يعتبر الصمت فيها تواطؤا مع الأقوى، وهو تيار يعرف من أين تؤكل الكتف، يمثله بعض الانتهازيين الصغار والكبار، ثم تيار “محايد” عن طيبة وربما سذاجة (ولو أن الحياد لا معنى له في حالتنا هذه).

سأتحدث عن المواقف الكبرى التي اختلفنا بشأنها داخل المكتب التنفيذي. أولها كان الموقف من مؤازرة المتهم بالاختلاس خالد اعليوة، ثلاثة أو أربعة أشهر بعد تكوين المكتب التنفيذي، فكانت النتيجة فقدان الكاتب مصطفى الغثيري، وبقيت أنا وعبد الدين حمروش. الثاني كان الموقف من الحملة التي شملت عضو اتحاد كتاب المغرب الكاتب والباحث والناشط الأمازيغي أحمد عصيد، عندما وضع في اللائحة السوداء للإسلاميين. وقد وقع صراع كبير داخل اجتماع المكتب التنفيذي بيني أنا شخصيا والصديق عبد الدين حمروش من جهة وبين العلام، الذي انبرى يمارس وصايته علينا بالقول إنكما لا تعرفان خبايا الموضوع جيدا، ولم تطلعا على الأجندة التي يخدمها أحمد عصيد، وما شاكل ذلك من مبررات من أجل تلافي الخروج بموقف تضامني مع كاتب وباحث من طينة عصيد.

بعد الاجتماع الذي تداولنا فيه أمر التضامن مع عصيد، خرجت من الاجتماع بمرارة في الحلق، لكن الأمل كان ما يزال يحدوني باتجاه القادم من الأيام. وحاولت التغاضي. غير أن إصرار العلام على اتخاذ نفس المواقف أصبح يثير حفيظتي. إذ أن الموقف من اعتقال الصحافي علي أنوزلا ومحاكمته بقانون الإرهاب كان قد فجَّر المسألة. وقد كنت أنا والصديق عبد الدين حمروش دائما من دافع بشدة على أن يتخذ الاتحاد موقفا من هذا الاعتقال، مذكرين بتاريخ الاتحاد وبالمواقف النبيلة التي كان دائما يتخذها إزاء قضايا حرية الرأي والتعبير. لكن عبد الرحيم العلام انبرى يدعي مرة أخرى أننا لا نعرف خبايا الموضوع، ولا الأجندة التي يخدمها علي أنوزلا. وقد قلت له بعد أن كَلَّ صبري: طيب، أخبرنا أنت أية أجندة يخدمها علي أنوزلا؟ قل إنني أسمعك! لكن رده كان غامضا ومتحايلا، كرد جميع المستبدين. وهكذا لم يخرج الاتحاد بموقف إزاء الموضوع. ومع ذلك استمررت داخله، طبعا بأمل أقل ومرارة أكبر. بدأت أنسحب تدريجيا من اجتماعات اتحاد كتاب المغرب ومن الالتزامات مع مكتبه التنفيذي. ولم أنتظر أن ينشر الاتحاد موقفا مواليا لحراك الريف، (رغم كون العلام نشر بلاغا في الموضوع بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على انطلاق الحراك)، ذلك أن من يؤازر متهما بالاختلاس لا يمكن أن يقف مع مكافحي الفساد والاختلاس. لقد يئست من الاتحاد ومن مكتبه التنفيذي ومن مواقفه المهادنة. لذا ذهبت لأنخرط في جمعيات بدت لي أكثر جرأة من اتحاد بات باهتا لا طعم له ولا لون.

وعلى ذكر البلاغ، فلست أدري إذا كان عبد الرحيم العلام هو من كتبه أم عهد به إلى أحد الكتاب. فحتى بلاغات الاتحاد التي تصدر بقرار فردي من الرئيس، وفقا لمصلحته وقراءته الخاصة للظرفية السياسية، فإنه لا يكتبها كلها، بل يلجأ إلى كتاب أكثر معرفة منه لتدبيجها. وقد حدث مرة أن كنت مع أحد الكتاب في إحدى المدن المغربية، فأخبرني أنه هو من دبج أحد البلاغات التي نشرها اتحاد كتاب المغرب بعد أن طلب منه العلام ذلك، مضيفا وهو يضحك أنه تعود على ذلك ولا يجد فيه غضاضة.

عندما أقوم بمقارنة بين مواقف الاتحاد اليوم ومواقفه فيما مضى أخجل كثيرا من هذا التدهور. من بين ما أذكره عندما كنت عضوة في المكتب المركزي في عهد الشاعر والروائي محمد الأشعري، أن المكتب كان قد أصدر موقفا تضامنيا مع عمال جبل عوام عندما تُرِكوا بدون عمل بسبب تفويت المنجم لشركة جديدة، فقاموا بالاعتصام. بل كان المكتب قد انتدبني شخصيا للذهاب إلى جبل عوام، والتعبير عن الموقف التضامني للاتحاد. وقد وجدت هناك عددا من النقابات والجمعيات الحقوقية والمدنية قامت بتنظيم ما يشبه التجمع لإلقاء كلماتها التضامنية، وفي اليوم الثالث لتواجدنا جاء مندوب العمال والبشر باد على محياه وأخبرنا أن مشكلتهم أشرفت على الحل بعد أن امتثلت الشركة الجديدة لعدد من مطالبهم.

وقد واجهت العلام ذات يوم في أحد الاجتماعات بكون الاتحاد في عهد الأشعري كان قد تضامن مع عمال جبل عوام فما بالك بكاتب أو صحافي تعرض للقمع سواء من طرف الإسلاميين أو من طرف الدولة لكنه لم يهتم وصمّ أذنيه، لأنه كان هو من يخدم أجندته الخاصة ولا يقبل أن آتي أنا أو من شابهني لندمر له ما بناه.

هناك مسألة أخرى تتصل بعلاقة اتحاد كتاب المغرب بمهرجان أصيلة. أذكر أنه في عهد الرؤساء الكبار كان الاتحاد يواجه مهرجان أصيلة مواجهته للنظام المغربي وتجازواته، مشكلا بذلك درعا يحتمي به الكتاب المغاربة. لكن عبد الرحيم العلام لعب لعبة التحول إلى مريد محمد بنعيسى ومؤسسته الثقافية. لقد حرص بنعيسى بدهائه المعهود على رد الاعتبار لرئيس الاتحاد عندما انفصل عن زوجته إكرام (التي أرجح أنها كانت هي من طلّقه)، بتخلي مؤسسة مهرجان أصيلة عن خدماتها مقابل ترك العلام، طبعا ليس حبا فيه، بل نظرا لما يمثله كرئيس ولرغبة الأول في الحفاظ على علاقة السخرة مع اتحاد كتاب المغرب الذي “دجَّنه” الثاني، دون أن يعلم (محمد بنعيسى) أنه لم يحافظ سوى على هيكل فارغ جاء العلام ليشيعه إلى مثواه الأخير؛ خاصة وأن الاتحاد نفسه أصبح أشبه بصندوق لبث برقيات التعازي، وكأني بكبار الكتاب ومؤسسي الاتحاد ينسحبون على التوالي من الحياة وفي نفسهم غضاضة من مآل الاتحاد.

وعلى ذكر إكرام عبدي، هذه المرأة الجميلة التي كانت تقلدت منصب نائبة الكاتبة العامة لفرع الرباط للاتحاد، كنت لاحظت عليها عدم الحضور بانتظام لاجتماعات مكتب الفرع قبل أن تختفي بشكل نهائي، وكنت قد حكمت عليها بأنها امرأة لا تهتم بغير الأشياء التقليدية. كنت أعتبر العلام صديقا، فكتبت له ذات يوم أدعوه لحضور نشاط للفرع أقمته احتفاء بالكاتبتين حليمة زين العابدين ورشيدة بنمسعود، وأعربت له في رسالة إلكترونية عن رغبتي في أن يصحب معه زوجته الجميلة (وقد تعمدت ذلك لأحرجها). أنا الآن أعتذر لها، وأقر بأنني كان عليّ أن لا أحكم عليها وأن ألتمس لها الأعذار رغم عدم معرفتي بظروفها. لأن التجربة أظهرت لي أن الأصل في التعامل هو البحث للآخر عن الأعذار إلى أن يثبت بالدليل أنه لا يستحق ذلك.

هناك مسألة أخرى تدل بشكل قاطع على القرارات الفردية التي دأب العلام على اتخاذها، ألا وهي بيع سيارة الاتحاد للعون ابراهيم فرحان، وعدم شراء سيارة أخرى بعد أن كان قد وعد بذلك. وهكذا زاد من إفقار الاتحاد للتقرب من ابراهيم الذي لا يكف عن استغلاله. هذا العون الذي اختلط عليه الأمر، بالنظر إلى مستواه الثقافي البسيط، فلم يعد يعرف حدوده مع أعضاء الاتحاد، وبات يتصرف مع بعضهم بأسلوب يخلو من الاحترام والاعتبار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *