وجهة نظر

الزلزال الملكي

تنفيذا للوعيد الذي أطلقه في خطابه الأخير خلال افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية الأولى، أصدر الملك وفقا لبلاغ من الديوان الملكي قرارا بإعفاء ثلاث وزراء ومسؤول سامي من مناصب المسؤولية، كما قرر حسب البلاغ منع خمسة من الوزراء السابقين من تولي أي منصب رسمي مستقبلا بعدما ثبتت مسؤوليتهم على الاختلالات التي عرفتها القطاعات التي كانوا يديرونها.

بداية فقرار الإقالة أو المعاقبة لمسؤولين ممن ثبت في حقهم اختلالات هو خطوة مهمة جدا وتحسب للملك حتى وإن كانت متأخرة نسبيا، على الأقل التأخر في الوصول خير من عدم الوصول.

الخطوة رغم محدوديتها إلا أنها يمكن أن تفتح قوسا جديدا في تعاطي كبار المسؤولين داخل الدولة مع مناصب داخل المؤسسات التي يديرونها، وذلك من خلال التطبيق الحقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الأمر الذي سيحتم على كل من سيتولى المنصب العمل وفق الضوابط والشروط السليمة لإدارة وتسيير المؤسسة، وبما يكبح معه أي عملية تهاون أو استخفاف بتدبير وتسيير أمور المواطن.

غير أنه كذلك على قدر كون القرار خطوة جريئة في الطريق الصحيح إلا أنه كذلك يجعلنا نطرح تساؤل عن عدم شمله لمؤسسات أخرى عرفت إختلالات وربما اختلاسات وسوء تدبير لا يخطئها المرء، ومع ذلك لم تتم التطرق لها حتى من باب الإشارة، كمكتب السكك الحديدية ووزارة الفلاحة والصيد البحري هذه الأخيرة التي كانت أصلا هي السبب الرئيسي لاندلاع انتفاضة الريف وذلك بعد الفوضى والاختلالات التي يعرفها قطاع الصيد البحري بمنطقة الحسيمة وغيرها من باقي المناطق الأخرى، ومع ذلك خرج منها أخنوش كمسؤول الأول عن القطاع كالشعرة من العجين، وهو الأمر الذي يجعلنا أمام عملية استفهام كبيرة عن المعايير التي على أساسها تم اتخاذ القرارات، وعن إذا ما كان الأمر عملية انتقائية للبعض دون البعض الآخر وذلك حسب مآرب وغايات أخرى قد لا تكون غير معروفة.

النقطة الأخرى أن اقتصار الأمر على الإقالة من المنصب دون اتخاذ إجراء فتح تحقيق للمعاقبة يجعل القرارات ناقصة الفعالية، إذ مادام المسؤول سيحظى بتقاعد مريح ويعيش في رغد عيش من أموال دافعي ضرائب بعد أن بدد واختلس وأدار بشكل سيء ملايير من الدراهم من أموالهم فذلك يجعل الأمر فيه كثير من العبث، إذ ما معنى الإقالة عن اختلالات أو اختلاسات دون محاسبة المتورطين في ذلك؟.

من الملاحظات الأخرى أن كون القرار شمل حزبين سياسيين بالدرجة الأولى هما الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية فقط دون بقية الأحزاب يجعلنا نطرح مرة أخرى علاقة الأمر بتصفية حسابات سياسية أو سعي لتغيير للخريطة الحكومية بشكل غير مباشر، إذ إذا تفهمنا إلى حد ما شمول القرار لوزراء الحركة الشعبية لكن أن يسقط اثنين من زعامات التقدم والاشتراكية يطرح أكثر من علامة استفهام وما إذا كان ذلك مجرد ذريعة لتعديل حكومي يتم من خلاله إدخال الاستقلال للحكومة بعد إخراج الشيوعيين منها، وذلك بما يجعل الأمر في شكله يبدو سليما مع الإبقاء على مضمون وهدف كونه معاقبة للحزب على قراراته التمردية وعدم قبوله بالانخراط بسيناريو انقلاب 8 اكتوبر.

من النقطة المهم والمثيرة للاهتمام هو عدم شمول القرارات العقابية لأي وزير من حزب العدالة والتنمية، و هو ملاحظة تستحق الوقوف عليها، إذ رغم أن الحزب تحمل مسؤولية عدة وزارات هامة تدخل نظريا في اختصاصات تدبير بعض القطاعات التي وقعت فيها اختلالات إلا أنه مع ذلك كسب وزراؤه رهان الكفاءة التدبيرية، اللهم إذا كان ذلك مرده لاعتبارات أخرى لعل أهمها تخوف من يهمهم الأمر من أية ردة فعل غير متوقعة من الحزب لم تم المس بأحد من وزرائه، وهذا الأمر وارد جدا، فعكس بقية الأحزاب الأخرى التي ليس أمامها إلا الخضوع للأمر الواقع وتقبل القرار حتى دون التعليق عليه، فإن هذا الأمر مثلا غير مضمون عند حزب العدالة والتنمية على الأقل نظريا، وهذا ما يعني مرة أخرى أنه يمكن أن يفتح قوسا اكبر لن يستطيع أحد إدراك مآلاته أو عواقبه.

هي في كل الأحوال خطوة جريئة في الطريق الصحيح، الأهم ألا تكون القرارات الملكية مجرد خطوة فلكلورية عابرة، لأنه إذا ما لم يتحول الأمر ليتخذ شكل سلوك عام في إدارة المؤسسات داخل الدولة فإن الخطوة لن يكون لها أي تأثير حقيقي على أرض الواقع، فما دام أقصى عقاب لن يتجاوز عملية الإقالة فذلك ليس بالشيء السيء لدى كثير من ضعاف النفوس من كبار المسؤولين ممن سيبقي لديهم المجال متاحا للمغامرة نحو إجراءات وخطوات غير سليمة وغير مستحبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *