خارج الحدود

الفلسطينيون في مئوية “وعد بلفور” .. قرن من خذلان المجتمع الدولي

رغم مرور قرن كامل، على إصدار بريطانيا لوعد “بلفور” عام 1917، والذي منح اليهود الحق في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين، إلا أن الشعب الفلسطيني، ما زال يعاني من آثاره حتى الآن.

وبحلول الذكرى المئوية لهذا الوعد، يقول مراقبون ومحللون سياسيون إن المجتمع الدولي، خذل الفلسطينيين، حيث لم يتمكنوا حتى الآن من إقامة دولتهم المستقلة، وما زال غالبيتهم لاجئين، ومشردين في بقاع العالم.

وأضاف هؤلاء الخبراء في أحاديث منفصلة مع وكالة “الأناضول”، إن “الفلسطيني ما زال يتجرع تبعات هذا الانتهاك الجسيم، ويدفع ثمنه غاليًا، في ظل صمت العالم تجاه قضيته”.

ويصادف يوم الخميس المقبل، الذكرى المئوية الأولى لـ “وعد بلفور” الذي منح الإسرائيليين الحق في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين.

و”وعد بلفور”، هو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي بعثها وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، في 2 نونبر 1917، إلى اللورد (اليهودي) ليونيل وولتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى أن حكومته ستبذل غاية جهدها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

وقال طلال عوكل السياسي في صحيفة “الأيام” الصادرة من مدينة رام الله في الضفة الغربية إن “وعد بلفور أسّس لوجود عنوان اسمه القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين”.

وتابع لوكالة “الأناضول”:” ما حدث مؤامرة دولية، مازال الشعب الفلسطيني يعاني من تبعاتها حتى اللحظة”.

ولفت إلى أن “الفلسطينيين ما زالوا يعانون العنصرية والقمع والتشرد والجوع والنزوح وعدم الحصول على أرقام قومية، والقتل في مخيمات اللجوء خارج فلسطين بسبب الوعد”.

وأشار عوكل إلى أن “قضية فلسطين أصبحت تشق طريقها في المجتمعات الدولية المختلفة، وازداد الوعي بشأنها في بلدان العالم”.

لكنه أضاف مستدركا:” رغم حضور فلسطين في على المستوى الشعبي العربي والدولي، في الآونة الأخيرة، إلا أن إسرائيل والدول التي تقف خلف وعد بلفور مازالوا يتنكرون له ولانعكاساته على فلسطين”.

من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني، إن آثار وتداعيات وعد بلفور “الكارثية”، تنعكس على حياة الفلسطينيين منذ عشرات السنين.

وتابع:” منذ سنوات طويلة ونحن نعيش على نحو 22% من أراضينا، ونعاني الاكتظاظ السكاني، وقلة الخدمات وانعدام الحرية والسفر، والحصار الإسرائيلي والبطالة، وهذه هي النتائج التي خلفها وعد بلفور”.

ووقّعت منظمة التحرير وإسرائيل في العام 1993 اتفاقية أوسلو، والتي تأسست السلطة الفلسطينية بموجبها.

ووفق الاتفاقية تعترف السلطة الفلسطينية بإقامة دولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين التاريخية، أما السلطة فتحكم قطاع غزة والضفة الغربية فقط.

وتابع الدجني:” يعيش الشباب الفلسطيني في حالة فقر مدقع وبطالة مرتفعة، بسبب الوعد الذي أسس لنكبة الفلسطينيين عام 1948، وبالتالي حرمانهم من وطنهم، ومعانتهم اللجوء والفقر”.

واستدرك:” لو لم يكن هذا الوعد لم دفع الفلسطينيون أثمانًا باهظة في الصراعات العربية، مثل ما حصل لهم في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين والمخيمات الأخرى في سوريا، بسبب الصراعات الدائرة هناك”.

وقُتل مئات الفلسطينيين في سوريا منذ بداية أحداث الصراع هناك عام 2011، وشرد آلاف آخرين.

ومنذ أن شرّدت إسرائيل الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948، توزعوا على بلدان عديدة حول العالم في مخيمات للجوء، ومنهم من قصد قطاع غزة، والضفة الغربية.
وبحسب الأمم المتحدة، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين نحو 5 ملايين نسمة، داخل وخارج فلسطين.

ويوجد في قطاع غزة والضفة الغربية 32 مخيمًا للجوء.

ووفقا لوكالة “أونروا” الأممية، المسؤولة عن تقديم الخدمات للاجئين، فإن 70% من سكان قطاع غزة البالغ 1.9 مليون نسمة هم من اللاجئين؛ حيث يستفيد 1.3 مليون لاجئ من خدمات الوكالة الأممية.

وطالب الدجني “بتبني استراتيجية سياسية إعلامية لمناهضة هذا الوعد، ومطالبة بريطانيا بالاعتذار عن هذا الوعد، وتعويض الشعب الفلسطيني”.

وتابع:” نرى بأن بريطانيا حتى اللحظة ما تزال منحازة لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، رغم الكارثة الإنسانية التي ارتكبتها بحقهم”.

وأعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين أول الماضي، أن بريطانيا ستحتفل “بفخر” بالذكرى المئوية لصدور “وعد بلفور”.

واعتبر أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية، غسان وشاح أن “الوعد كان بمثابة الشرارة الأولى في تدمير حياة الفلسطينيين وسلب أراضيهم، وهو من أمكر الوعود”.

وتابع لوكالة “الأناضول”:” وفقًا للوعد فإن الإسرائيليين الذين قدموا إلى فلسطين مازالوا يحملون جنسياتهم الأصلية، ويحق لهم العودة إلى المكان الذي أتوا منه، وهذا يدل على أن كل اليهود الذين أتوا إلى فلسطين، لم يأتوا إلى أرضهم الأصلية كما يدعون، أما الفلسطينيون فقد تشردوا ودمرت حياتهم”.

وأردف:” إن الوعد كان وفق خطة ممنهجة من قبل بريطانيا، فقد استمرت 30 عامًا في تهيأت تنفيذه حيث أنشأت للإسرائيليين مقومات الحياة على أرض فلسطين وبقيت تراعاهم حتى عام 1948″.

واستدرك مضيفًا:” تقول المصادر إن بريطانيا هي التي أنشأت الجامعة العبرية في القدس، ومستشفى هداسا… هي من ساعدتهم في كل شيء”.

وتابع:” منذ الإعلان عن الوعد بدأت بريطانيا بإضعاف الشعب الفلسطيني في كافة مناحي الحياة، وتسرق موارده وتدمر حياته، بهدف أن تجعل موطأ قدم للإسرائيليين على أرض فلسطين وتعزز وجودهم”.

ووصف الكاتب السياسي أكرم عطا الله وعد بلفور بـ “جريمة التاريخ التي حدثت بمنطق القوة”.

وقال لوكالة “الأناضول”:” بنى اليهود دولة قوية في فلسطين، وإعادة الفلسطينيين إلى أراضيهم في الوقت الحالي أصبح شيئًا مستحيلا”.

وأكد عطا الله على ضرورة أن تقدم بريطانيا اعتذارًا وتعويضًا للفلسطينيين على هذا الوعد.

من جانبه قال نائب رئيس المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، جبر وشاح “إن المقاومة الفلسطينية وتمسك الفلسطينيين بأرضهم وحقهم، فرض وجود قضيتهم على أجندة العمل السياسي الدولي، بشكل ملحوظ”.

وتابع لوكالة “الأناضول”:” يومًا بعد يوم تتسع دوائر الاعتراف بحق الفلسطينيين المسلوب من إسرائيل”.

واستدرك:” لكن معظم الاعترافات بحقوق الفلسطينيين وحضور قضيتهم في المحافل الدولية، مازال على الورق، وليس على أرض الواقع”.

وأرجع وشاح ذلك إلى “أن موازين القوى الحكومية في العالم تميل إلى صالح إسرائيل التي تعتبر نفسها فوق أي قانون، ولها حرية التصرف كيفما شاءت”.

وأكمل:” لكن على مستوى الشعوب هناك زيادة في الوعي حول قضية فلسطين، حيث دعت العديد من الشعوب عدة مرات إلى مقاطعة مسؤولي إسرائيليين ومنتجات إسرائيل، ودائرة الانتصار للفلسطينيين آخذة بالتوسع”.

ويرى وشاح أن “العالم مقصر بحق الانتهاكات التي يعاني منها الفلسطينيون، وأن العدالة الدولية غائبة، وأن المؤامرة الدولية مازالت تحاك ضد فلسطين”.

وأردف:” هل سينتظر العالم مئة عام أخرى حتى ينصف الفلسطيني ويحل قضيته ويعيده إلى أرضه، وينهى المعاناة الإنسانية التي يعيشها بسبب هذا الوعد، من فقر وانعدام لمقومات الحياة”.

وفي ماي 2016، قال البنك الدولي إن اقتصاد غزة كان ضمن أسوأ الحالات في العالم؛ إذ سجل أعلى معدل بطالة بنسبة 43%، ترتفع لما يقرب من 70% بين الفئة العمرية من 20 إلى 24 عاما.

كما أكد تقرير صادر عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، في شتنبر 2016، أن “72٪ من الأسر في قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *