وجهة نظر

الجماعات الترابية وأفق التنمية المستدامة

قبل أن نتحدث عن التنمية، لابد أن نتطرق للمتدخلين فيها ،من منتخبين وأطر جماعية وموارد مالية وغيرها، لأنه بدون هذه العناصر لا يمكن أن نتحدث عن تنمية مستدامة.

يعتبر الرئيس في الجماعات الترابية، الآمر بالصرف وهو المسؤول الأول عن تسيير هذا المرفق العام وهو الممثل للجماعة والمتحدث الرسمي باسمها ، لكن تعالوا بنا لنتعرف عن رؤساء المجالس الجماعية ، بدءا بمستوياتهم الثقافية، واستراتيجياتهم التنموية ،ومخططاتهم الجماعية للتنمية.

أغلب رؤساء المجالس الترابية ونوابهم ، لا يتجاوز مستواهم الثقافي، السنة الثالثة إعدادي في أحسن الأحوال، وهذا لا يؤهلهم للتصدي للشأن المحلي بشكل يستجيب لطموحات الشعب المغربي، لأن فاقد الشيء لايعطيه، فكيف يعقل لرئيس أن يخطط للتنمية وأن يضع برنامجا متكاملا للتنمية ؟ وهو لا يدري ما معنى التنمية؟ وما معنى الحكامة؟ .

إذن نطلب منه المستحيل، رغم أن هذا المشكل لا يتحمله هو بالضبط لوحده ،ولكن تتحمله الدولة أيضا ،التي فسحت له المجال ليتقلد هذا المنصب، وهو ليس له أهلا . هذا المسكين قد ينتخبه الناس، أبناء دواره أو حيه أو دائرته ،نظرا لما يعرفونه عنه من حسن الخلق أو الاستقامة ، ولكن مسؤولية تسيير مرفق عمومي بميزانية مهمة وأطر إدارية تفوقه فهما ومراسا وتجربة، شيء آخر.

و حتى ولو افترضنا جدلا ،أن الرئيس رجل مثقف ومحنك ويفهم التنمية وقادر على التسيير، فإن آليات المحاسبة غير متوفرة وغير مفعلة إن وجدت، لأن هناك العديد من الاختلاسات التي تقع في الجماعات الترابية بشكل” قانوني” مثلا الأثمنة التي تعتمد ”Bon de هي أثمنة خيالية، ومع ذلك تقبل ولا تناقش، إذن هذا نوع من الاختلاس المقنن ، فالرئيس يتقاضى تعويضا جزافيا في المجال القروي بمبلغ 2700 درهم شهريا فقط ، وبين يديه ميزانية تقل أو تزيد عن أربعة مليون درهم ، ينظر إليها ويقلبها- و لا يلحس” منها شيئا ؟ مستحيل -، من هنا وجب على المشرع أن يرفع من قيمة هذه التعويضات لتكون في المستوى المطلوب وتحد ما أمكن من مراوغة الرؤساء.

المجالس الجماعية تعمل بشكل عشوائي دون اعتماد استراتيجية واضحة المعالم، ودون أن يكون لها برنامج مسطر شهري أو دوري، على ضوئه تقوم بتقييم العمل وتصحيح المسار،و رغم أن الجماعات قد سطرت “برنامج عمل الجماعة ” بشكل أو بآخر، ولكن لم تلتزم به لأنه فرض عليها فقط ، ولم تكن قد فكرت فيها بعمق وسطرته بوعي ، وأنا أتكلم من الواقع ولا أعمم، ولكن الأغلبية الساحقة هكذا.

أثناء وضع الميزانيات التي تتم فيها برمجة مشاريع السنة الموالية ، لاتطرح المشاريع المسطرة في” برنامج عمل الجماعة” ، كمرجع لتحديد المشاريع المزمع برمجتها، بل تتم برمجة الميزانية في ما يتعلق بالتسيير فقط ، وإذا تعلق الأمر ببرمجة مشروع من المشاريع، يكون خارج برنامج عمل الجماعة..

في رأيي المتواضع ، إن أرادت الدولة أن تحقق التنمية المنشودة في الجماعات الترابية، لا بد وأن تعيد النظر في طريقة انتخاب أعضاء المجالس الجماعية والشروط الواجب توفها في المترشحين من جهة وأن تحدد مسؤولية المجلس في المصادقة على الميزانية التي ينبغي أن تضعها لجنة مكونة من أطر الجماعة بإشراف الرئيس،كما أن الرئيس هو المسؤول عن العلاقات الخارجية والتوجيه والإشراف العام ، أما التنفيذ فيجب أن يعهد إلى لجنة متكونة من أطر كفؤة هي التي تقوم بوضع الميزانية والعمل على تنفيذها بعد المصادقة عليها، وأن تضع الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق التنمية المستدامة.

ومن هنا نعود إلى الشطر المتعلق بأطر الجماعة الترابية، التي هي من دعائم تحقيق التنمية المستدامة، فأغلب الجماعات الترابية لا تتوفر على القدر الكافي من الأطر المؤهلة التي يمكن أن تضطلع بهذه المهمة، فما بالك بالرؤساء، لذلك إذا كانت الدولة ترغب فعلا في تحقيق تنمية مستدامة تعتمد على حكامة رشيدة، لابد من اتخاذ الأسباب التي تحقق الأهداف المرسومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *