وجهة نظر

دور التعاونيات في تحقيق التنمية المستدامة

مقدمة

لكل دولة تريد تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة يتوجب عليها تبني سياسة اقتصادية قائمة على تدعيم المجالات الموازية والضرورية، لتحقيق هذه التنمية من خلال تفعيل دور التعاونيات المتمثل في القيام بمقابل ما لها من امتيازات بواجبها تجاه المجتمع إلزاميا خصوصا في ظل الأزمة المالية، وما يكتنف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الوطني والعالمي من مشكلات وتحديات.

ولا يمكن لعجلة التاريخ والتطور والإنتاج حلول المشاكل الآنية، التي تعترض مناخ الاقتصاد أو تعرقل سيره، أو تقف حجر عثرة في وجه الإرادة التواقة نحو التقدم والنماء التي يتميز بها المغاربة لجعل الاقتصاد المغربي في درجة من العالمية التي تجعله ينافس الأوربيين ويتنفس في مناخ إفريقي يشكل جزء منه.

وكذلك لم يعد تحقيق الرحب والنمو العمودي والأفقي للتعاونيات في ظل التطورات المتسارعة في المعايير الناجحة للمؤسسات الاقتصادية بالدول المتقدمة بل تجاوزتها إلى معايير أخرى في التنمية بمختلف أنواعها وحمايتها خدمة للمجتمعات المحلية، ويؤكد الخبراء الاقتصاديون بأنه لا يمكن للتعاونيات الاستمرار في العمل في ظل التحرر الاقتصادي دون تلمس حاجات المجتمع والتفاعل معه لأن تعزيز المسؤولية الاجتماعية للتعاونيات يكتسي أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومة عن كثير من أدوارها الاقتصادية والاجتماعية…

لذلك فإن الدور الاقتصادي والاجتماعي وكذا البيئي من أهم الأدوار التنموية التي تقوم بها التعاونيات بمختلف أنواعها سواء مدنية أو تجارية من تشكل القاعدة الاجتماعية وتزويده بالسلع والخدمات وتوفير فرص الشغل أو التشغيل أو نقل التكنولوجيا المتطورة الحديثة وتعزيز مصادر دخل الاقتصاد الوطني وتأهيل وتدريب المتعاونين بها.

علاوة على ذلك، فإن الدولة تشجع هؤلاء وتمد لهم يد المساعدة تخفيفا لطوفان العطالة الزاحف الذي يضرب على الخصوص فئة المتخرجين من مختلف الجامعات.
ودفع هذا الطموح المشرع المغربي إلى إصدار قانون جديد هو القانون رقم 112.12 القاضي بتغيير القانون رقم 83. 24المتعلق بالتعاونيات المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6318 بتاريخ 18/12/2014 ص 8481 ويتضمن 108 مادة.

لذلك فان الدور الاقتصادي والاجتماعي وكذا البيئي من أهم الأدوار التنموية التي تقوم بها التعاونيات من تشكل قاعدة اجتماعية للمجتمع وتزويده بالسلع والخدمات وتوفير فرص العمل ونقل التكنولوجيا المتطورة والحديثة وتعزيز مصادر الدخل للاقتصاد وتأهيل وتدريب العاملين بها .

وعلى هذا الأساس يمكن طرح إشكالية هذا الموضوع وهي كالتالي:
إلى مدى قدرة التعاونيات في مساهمة تحقيق التنمية المستدامة ؟
ومن خلال هذه الإشكالية يمكن اعتماد الصميم الأتي:
المبحث الأول: الإطار العام للتعاونيات والتنمية المستدامة
المطلب الأول: مفهوم التعاونيات والتنمية المستدامة
المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة داخل التعاونيات
المبحث الثاني واقع مساهمة التعاونيات في التنمية المستدامة
المطلب الأول: أسباب ومعيقات التنمية المستدامة داخل التعاونيات
المطلب الثاني :حوافز دفع التعاونيات نحو التنمية المستدامة
المبحث الأول: الإطار العام للتعاونيات والتنمية المستدامة
سنعالج في هذا المبحث مفهوم التعاونيات ومفهوم التنمية المستدامة في (المطلب الأول) وإلى آليات تطبيق التنمية المستدامة داخل التعاونيات في (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم التعاونيات والتنمية المستدامة
سنتطرق في هذا المطلب بداية إلى مفهوم التعاونيات في (فقرة أولى) بينما نتحدث عن مفهوم التنمية المستدامة في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم التعاونيات
تعتبر التعاونيات المرآة التي تعكس الوجه الحقيقي والصورة الصادقة للنظام الرأسمالي على غرار شركات المساهمة، تتغير وتتبدل وفق متطلباته، إنها الدولة المصغرة للمجتمعات المحلية وهي الدرع القانوني والاجتماعي المساند الرسمي للنظام الليبرالي، إنها أيضا اليد التي تنتشله من أزماته، إنها سر استمراريته وعقيدته الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إل ذلك إنها تتويج لتحالف بين البورجوازية والفاعل السياسي والجمعوي، فهي آلية تمويلية ودينامية تدبيرية، لأنها أكثر ملاءمة للقيام بالمشاريع الصغرى والمتوسطة في ظل الاقتصاديات الحديثة فهي لها القدرة الكبيرة على تعبئة ادخار الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين لاعتمادها على النظام الاقتصادي التشاركي ، كما أنه بحكم طريقة تكوينها وإدارتها تنشأ منذ ولادتها مسلحة بالأدوات القانونية والمادية التي تمكنها من مزاولة نشاطها بكفاءة وخبرة المتعاونين ودون أن يعرقل نشاطها عوامل عائلية أو عاطفية أو نفسية فهي شخص اعتباري مجرد يتحكم في مصيره.
وبرجوعنا إلى القانون رقم 112.12 نجده قد عرف التعاونية في المادة الأولى من الباب الأول المتعلق بالأحكام العامة “التعاونية مجموعة تتألف من أشخاص ذاتيين أو اعتباريين أو هما معا اتفقوا أن ينضم بعضهم إلى بعض لإنشاء مقاولة تتيح لهم تلبية حاجياتهم الاقتصادية والاجتماعية، وتدار وفق القيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها عالميا ولاسيما تلك المتمثلة في:
– العضوية الاختيارية المفتوحة للجميع؛
– الإدارة الديمقراطية للتعاونيات؛
– المساهمة الاقتصادية للأعضاء؛
– الإدارة الذاتية والمستقلة؛
– التكوين والتدريب والإعلام؛
– التعاون بين التعاونيات؛
– الالتزام نحو المجتمع.
تنقسم التعاونيات إلى ثلاثة أصناف:
1 – تعاونيات يزودها أعضاؤها بمنتجات قصد بيعها للأغيار بعد تحويلها، أو بخدمات قصد تقديمها إليهم؛
2 – تعاونيات إنتاج المواد أو تقديم الخدمات لفائدة أعضائها؛
3 – تعاونيات تقدم عملا مأجورا لفائدة أعضائها.
ويمكن للتعاونية أن تجمع بين أنشطة صنفين أو ثلاثة أصناف المذكورة أعلاه” .
هذا يعني أن المشرع المغربي اعتبر التعاونية مقاولة أي منظومة اقتصادية تتضمن العنصر البشري والخبرة والرأسمال وتدار وفق القيم والمبادئ الأساسية للتعاون المتعارف عليها عالميا، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والأهلية القانونية الكاملة وبالاستقلال المالي والاداري.
ويكون المشرع المغربي بهذا التعريف قد أزال الغموض الذي كان يكتنف القانون رقم 83.24 السابق الذي لم يعرف التعاونية مما أدى إلى التضارب في التسمية هناك من كان يعتبر التعاونية جمعية تعاونية وهناك من كان يعتبرها مقاولة تعاونية، أو هناك من كان يعتبرها شركة تعاونية.
كما أن التعاونية في ظل هذا القانون الجديد لا يمكن أن تكتسب الشخصية الاعتبارية إلا من تاريخ تقييدها في سجل التعاونيات بالمحكمة الابتدائية، أما قبل هذا التقييد فلا وجود للتعاونية كشخص اعتباري.
الفقرة الثانية: مفهوم التنمية المستدامة
التنمية المستدامة هي عملية تطوير الأرض والمدن والمجتمعات وكذلك الأعمال التجارية بشرط أن تلبي احتياجات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة.
ونشأ مفهوم التنمية المستدامة من النقص الملحوظ في النماذج السابقة للنمو الاقتصادي والتنمية التي لم توفر قاعدة عريضة بصورة كافية يستند إليها في إصدار الأحكام المتوازنة من تكاليف ومنافع مختلف السياسات، واتجهت بدلا من ذلك إلى التركيز على المكاسب قصيرة الأجل على حساب الطموحات في المدى البعيد.
ويواجه العالم خطورة التدهور البيئي الذي يجب التغلب عليه من عدم التخلي عن حاجات التنمية الاقتصادية وكذلك المساواة والعدل الاجتماعي، وتتطلب التنمية المستدامة تحسين الظروف المعيشية لجميع الناس دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية إلى ما يتجاوز قدرة كوكب الأرض على التحمل ومجاراة التنمية المستدامة في ثلاث مجالات رئيسية هي: النمو الاقتصادي، حفظ الموارد الطبيعية والبيئة والتنمية الاجتماعية، وأهم التحديات التي تواجهها هي القضاء على الفقر من خلال التشجيع على إتباع أنماط إنتاج واستهلاك متوازنة دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية .
المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة في التعاونيات
تعتبر التعاونيات من العناصر التي تساهم في التنمية الاقتصادية فبنيتها الاجتماعية والاقتصادية والقانونية وتفاعلها مع المحيط الداخلي والخارجي بالإضافة للأحداث والأزمات التي يشهدها العالم وما صاحبها من ضياع حقوق أصحاب المصالح داخل التعاونيات أدت إلى اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية والباحثين سواء كانوا اقتصاديين أو اجتماعيين بهذه الخلية المؤثرة في حياة الإنسان عامة والاقتصاد بصفة خاصة، وذلك بمحاولاتهم لتفادي وقوعها في الأزمات والتقليل من حدتها.
ومن خلال دراسات أجريت حول سبب هذه الانهيارات وجد أن القسط الكبير يعود خاصة إلى الفساد المالي والإداري الذي يترتب عليه تحمل التعاونيات تكاليف إضافية تنعكس على أسعار السلع التي تنتجها أو الخدمات التي تقدمها مما يضعف قدرتها على التظافر والبقاء …
نتيجة لذلك زاد الاهتمام بمفهوم حكامة التعاونيات إضافة إلى تنمية الموارد البشرية، وذلك من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
وعلى هذا الأساس سنكشف الستار في (فقرة أولى) عن حكامة التعاونيات، بينما سنتطرق في (فقرة ثانية) لدرس وتحليل الموارد البشرية.
الفقرة الأولى: حكامة التعاونيات
تعتبر حكامة التعاونيات هي مجموع السياسات والأنظمة التي تنظم العلاقة بين مجلس إدارة التعاونية والمتعاونين وأصحاب المصلحة الآخرين وهي توفر أيضا الهيكل الذي من خلاله يتم وضع أهداف التعاونية ووسائل تحقيقها وتحديد أطراف مراقبة الأداء فيها، وبالتالي فإن حكامة التعاونيات هي التي توفر لكل من المجلس والإدارة التنفيذية الحوافز المناسبة للوصول إلى الأهداف التي تصب في مصلحة المتعاونين أي التعاونية بذاتها وتسهل إيجاد عملية مراقبة فاعلة وبالتالي تساعد التعاونية على استغلال مواردها وخيرة أعضائها بكفاءة.
لذلك زاد الاهتمام بتطبيق مفهوم حكامة التعاونيات التي من خلاله يتم استغلال موارد التعاونيات وحسن توجيهها ومراقبتها من أجل تحقيق أهدافها بتوظيف مبادئ التعاون التي تتضمن الممارسة السليمة لها، تعتبر هذه المبادئ المرجع الأساسي من الممارسات المعقلنة المتعلقة بحكامة التعاونيات وهناك سبع مبادئ أساسية وضعها المشرع في المادة الأولى من القانون رقم 112.12 والتي أخذها عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية .
إذن فالحكامة تكتسي أهمية بالغة داخل التعاونيات التجارية فاتباع مبادئها السليمة تؤدي إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة مع تشجيع الشفافية في الحياة الاقتصادية ومكافحة مقاومة المؤسسات للإصلاح وتؤدي الأزمة المالية إلى اتخاذ نظرة عملية جيدة عن كيفية استخدام حكامة التعاونيات الجيدة لمنع الأزمات المالية القادمة وبالتالي التأثير على التنمية المستدامة. وبهذا تكون حكامة التعاونيات أداة لتأهيل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني للدخول في التنافسية الاقتصادية الوطنية والدولية والاستجابة للمهام الرئيسية التي أناطها بها القانون أي الالتزام نحو المجتمع .
الفقرة الثانية: الموارد البشرية
إن نجاح عملية التنمية الشاملة باعتبارها الهدف الأساسي لجميع الدول متقدمة كانت أو نامية يتوقف على كفاءة مواردها البشرية وما تتوفر عليه من موارد طبيعية أو رؤوس أموال وطنية أو معونات أجنبية، حيث تعتبر الشغل العمود الفقري للحياة البشرية وهو الوسيلة التي مكنت الإنسان عبر مراحله التاريخية الطويلة من مقاربة سلبية الطبيعة .
ولم يعط لهذا المفهوم حقه من الاهتمام والتطبيق إلا في الحقبة الأخيرة من القرن العشرين بحيث كانت الدول قبل ذلك توجه الاهتمام إلى ثرواتها الاقتصادية وإمكاناتها المادية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بها، بعد ذلك تلتها مرحلة أخذت فيه الدول بحماس بفكرة التخطيط الشامل لمشروعاتها وخاصة الدول النامية بقصد الإسراع بعمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ورغم ذلك فإن مكمن قصور هذه الخطط عن تخطيط أهدافها يرجع بالأساس إلى عدم كفاءة مواردها البشرية، وخصوصا فيما يتعلق بعدم قدرة القيادة الإدارية على تنفيذ البرامج التي تضمنتها تلك الخطط بكفاءة، وهذا ما دفع جميع الدول المتقدمة منها والنامية إلى تنمية مواردها البشرية ورفع مستوى قدراتهم على حسن إدارة مشروعات التنمية المؤثرة فيه ومواجهة ما يتعرض تنفيذها من عقبات، وعليه يمكن القول بأن تقدم الدول ورفاهيتها أصبح يقاس بما تملكه هذه الدول من هياكل بشرية متميزة.
وعلى العموم يمكن القول أن تنمية الموارد البشرية هي فكرة واسعة تجمع بين اختصاصات متعددة تتضمن عدة وسائل تؤثر على تنمية الفرد والرفع من قدراته ومؤهلاته وأولى هذه الوسائل تعليم الأفراد وتثقيفهم ثم تدريبهم لمواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي ثم توفير ظروف صحية جيدة وأخيرا الرعاية الاجتماعية التي هي أيضا لها دور في تنمية الفرد .
 فبالنسبة للتعليم: فالمفهوم الحديث لتنمية الموارد البشرية يرتبط ارتباطا وثيقا بنظام التعليم وتوجيهاته وأهدافه، إذ يساهم في الرفع من كفاءة الفرد الذهنية وفي فتح مجالات الإبداع الفردي، وحسب الدكتور إبراهيم أسعدي أصبح التعليم أم القطاعات المنتجة في العصر الراهن، كما أصبح البحث العلمي المحرك الأساسي للتقدم الاقتصادي لذلك فإن الأمر يستدعي تنمية الموارد البشرية .
 بالنسبة للتدريب الإداري: أعطيت عدة تعاريف للتدريب الإداري ومن ضمن هذه التعاريف تعريف الدكتور محمد سويلم حيث يقول: التدريب الإداري هو بمثابة نشاط تعليمي مقصود نقوم به منظمة ما تعرض رفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين.
 بالنسبة للتدريب المهني: يتم هذا النوع من التدريب في المراكز المهنية بهدف تدريب الفئات المراد تدريبها والفئات التي تحتاج إلى رفع مستواها المهني لتخريج عمال أكفاء مهرة وعمال مهرة كما تقوم هذه المراكز أيضا بتخريج مسؤولي ورش في المهن الأساسية ويعد قطاع التكوين من القطاعات الحيوية والأساسية لأن الدول كما هي في حاجة إلى أدباء ومحامين وأطباء هي أيضا في حاجة إلى مهنيين مختصين .
 الرعاية الصحية: من واجب الدول أن تعطي اهتماما ملحوظا إلى صيانة وحماية صحة الموظفين والتي تعتبر من أهم عوامل زيادة احتياجاتهم وتوفير الشروط اللازمة لضمان تأديتهم لمهامهم وفي ظروف صحية جيدة فمرض العامل أو عجزه عن العمل عبء ثقيل على المنظمة كما هو عبء على العامل ذاته بسبب ارتفاع نسبة الغياب وبالتالي سيكون له انعكاس سلبي على السير العادي للمنظمة.
 الخدمات الاجتماعية: تعتبر الرعاية ذلك النشاط الذي يهتم بكل التغيرات المنشودة لتحسين مستوى معيشة الأفراد عن طريق إشباع حاجاتهم الطبيعية والاجتماعية المشروعة وتتجلى هذه الخدمات على الخصوص فيما يلي: السكن/ الخدمات الثقافية/ الخدمات الرياضية .

المبحث الثاني: واقع مساهمة التعاونيات في التنمية المستدامة
إن مفهوم التنمية المستدامة يرتبط وجودا وعدما مع العديد من القضايا والإكراهات كالفقر والبطالة والهشاشة… إلى غيرها من المشاكل التي تعاني منها المجتمعات، فكان لزاما على الدولة أن تجد متنفسا يشكل حلا لمحاولة معالجة الإكراهات والاختلالات التي يعانيها المجتمع، بمعية مجموعة من الفاعلين الاجتماعيين في هذا المجال من بينهم التعاونيات، إلا أن هناك مجموعة من العراقيل التي تحول دون قيام هذه الأخيرة بهذا الدور على الوجه المرجو هذا ما سنحاول دراسته في (مطلب أول)، والتي يمكن معالجتها من خلال تبني مجموعة من الحوافز قصد دعم التعاونيات للاضطلاع بدورها في مجال التنمية المستدامة هذا ما سنتطرق إليه في (مطلب ثاني).
المطلب الأول: الأسباب والمعيقات التي تحول دون قيام التعاونيات بدورها في
التنمية المستدامة
ما سنحاول معالجته من خلال فقرتين، بحيث نخصص (الفقرة الأولى) لأسباب زيادة الاهتمام بدور التعاونيات في التنمية المستدامة، على أن نخصص (الفقرة الثانية) للمعيقات التي تحول دون قيام التعاونيات بدورها كفاعل في التنمية .
الفقرة الأولى: أسباب زيادة الاهتمام بدور التعاونيات في التنمية المستدامة
من المعلوم أنه قد زاد في السنوات العشر الأخيرة نحو تفعيل دور التعاونيات في برامج التنمية الاجتماعية المستدامة التي تنادي بها المجتمعات المدنية، ويرجع سبب ذلك أساسا إلى مجموعة من العوامل من أبرزها:
العولمة: وتعد من أهم القوى الدافعة لتبني المنظمات لمفاهيم جديدة كمفهوم التنمية المستدامة ومفهوم المسؤولية الاجتماعية أو التعاونيات المواطنة للتعاونيات في التنمية المستدامة، حيث أضحت من التعاونيات، ترفع هذه الشعارات، وأصبحت تركز محلاتها الترويجية على أنها تهتم بحقوق الإنسان، وأنها تلتزم بتوفير ظروف آمنة للعاملين والمتعاونين، وبأنها لا تسمح بتشغيل الأطفال، كما أنها تهتم بقضايا البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية .
تزايد الضغوط الحكومية والشعبية: من خلال التشريعات التي تنادي بضرورة حماية المستهلك والعاملين والبيئة، الأمر الذي قد يكلف المنظمة أموالا طائلة إذا ما رغبت في الالتزام بتلك التشريعات وبخلاف ذلك قد تتعرض لمقاطعة والخروج من السوق بشكل عام .
الكوارث والفضائح الأخلاقية: حيث تعرضت الكثير من المنظمات العالمية لقضايا أخلاقية، مما جعلها تتكبد أموالا طائلة كتعويضات للضحايا، أو خسائر نتيجة المنتجات المحلية.
التطورات التكنولوجية المتسارعة: والتي صاحبتها تحديات عديدة أمام منظمات الأعمال فرضت عليها ضرورة الالتزام بتطوير المنتجات، وتطوير مهارات العاملين والمتعاونين داخل المقاولة، وضرورة الاهتمام بالتغيرات في أذواق المستهلكين وتنمية مهارات متخذي القرار، خاصة في ظل التحولات من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد قائم على المعلومة والمعرفة، وزيادة الاهتمام برأس المال البشري بدرجة أكبر من رأس المال المادي .
وبالتالي نجد أنه من تغير بيئة العمل العالمية، فإن متطلبات النجاح والمنافسة تغيرت أيضا، إذ أصبح لزاما على منظمات الأعمال أن تضاعف جهودها، وأن تسعى نحو بناء إستراتيجية أكثر عمقا مع المستهلكين والعاملين وشركاء العمل ودعاة حماية البيئة والمجتمعات المحلية والمستثمرين، حتى تتمكن من المنافسة والبقاء في السوق، حيث أن بناء هذه العلاقة من شأنها أن يحمل على تكوين أساس لإستراتيجية جديدة ترتكز على أفراد المجتمع، وبالتالي تتمكن منظمات الأعمال من مواجهة التحديات التي تتعرض لها في عصرنا الراهن.
الفقرة الثانية: المعيقات التي تحول دون قيام التعاونيات بدورها كفاعل في التنمية
بالرغم من جسامة المهمة التي تضطلع بها التعاونيات كفاعل أساسي في تحقيق تنمية المجتمع المستدامة إلا أنه هناك مجموعة من العراقيل التي تحول دون تحقيقها لهذا الدور والتي من بينها:
 عدم وجود ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى معظم التعاونيات كأداة لتحقيق التنمية المستدامة داخل المجتمع، فمن الملاحظ أن عدد التعاونيات المتبنية لهذه الثقافة قلة من التعاونيات الكبرى في حين أن الغالبية يجهلون تماما هذا المفهوم.
 إن معظم جهود هذه التعاونيات غير منظمة وإن كانت تسير في طريق التنمية المستدامة لأنه كي تكون هذه الجهود مؤثرة فلا بد لها أن تأخذ شكل تنظيمي ومؤسسي له خطة وأهداف محددة، بدلا من أن تكون جهودا عشوائية مبعثرة .
 غياب ثقافة العطاء للتنمية حيث أن معظم جهود التعاونيات تنحصر في أعمال خيرية غير تنموية مرتبطة بإطعام فقراء أو توفير ملابس أو خدمات لهم دون التطرق إلى مشاريع تنموية تغير المستوى المعيشي للفقراء بشكل جذري ومستدام بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
 قلة الخبرات والمعرفة والقدرة العلمية على وضع المقاييس والمعايير لقياس المجهودات، فهناك حتى الآن خلط بين الأعمال الخيرية أو الجمعوية والمسؤولية الاجتماعية التنموية للتعاونية.
وتبعا لذلك يمكن القول أن جزء كبير في مسألة إيجاد أطر عمل جادة نحو خدمة مصالح المشروعات الصغيرة يرتكز على دور المؤسسات الحكومية، والإعلام والمؤسسات التي تخاطب باسم أصحاب المشروعات الصغيرة .
المطلب الثاني: الحوافز التي من شأنها دفع التعاونيات نحو المساهمة في التنمية
المستدامة
لمعالجة هذا الأمر يبدو من المناسب طرحه من خلال فقرتين اثنتين، نخصص (الفقرة الأولى) للحديث عن دور الدولة ومنظمات الأعمال في تشجيع وتحفيز التعاونيات للنهوض بدورها كفاعل في التنمية المستدامة، على أن نخصص (الفقرة الثانية) لدور القطاع الخاص نفسه وكذا وسائل الإعلام.
الفقرة الأولى: على مستوى الدولة ومنظمات الأعمال
فأما على مستوى دور الدولة فإنه يجب عليها:
• توفير مناخ ملائم لقيام التعاونيات بنشاطها ومواجهة تحديات المنافسة المحلية والعالمية.
• إعطاء القدوة الحسنة للتعاونيات من خلال الإفصاح والإعلان بشفافية عن سياسات الحكومة المختلفة وتوفير المعلومات وإتاحتها وتحسين نظم الحكومة في الهيئات والإدارة الحكومية المختلفة وتشجيع التعاونيات بين القطاع العام والخاص.
• تشجيع التعاونيات على التزامها بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح من خلال الحوافز الضريبية عند وصولها مبلغ معين الذي فرض عليها وربطه بتحقيق أهداف اجتماعية بعينها.
• منح بعض الحوافز المالية والمعنوية لتشجيع التعاونيات على المساهمة الفعالة في برامج التنمية المستدامة .
وأما على مستوى دور منظمات الأعمال فإنه يجب عليها أن:
• تحدد مفهوم جديد يعمل على نشر ثقافة مساهمة التعاونيات في التنمية المستدامة انسجاما مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع، مع تنظيم حملات واسعة النطاق للترويج لهذا المفهوم قصد زيادة الوعي لدى هذه التعاونيات الصغيرة والمتوسطة، بأهمية هذه البرامج وأثرها على أرباح التعاونيات في المدى المتوسط والطويل.
• ترتيب أولويات التنمية التي يتعين على قطاع الأعمال استهدافها وتحديد أنجح الطرق للوصول إليها.
• رسم إستراتيجية متكاملة حتى يتمكن البناء عليها والأوليات التي سيتم التعامل معها وأيضا من المبادئ العامة التي يجب أن تلتزم بها التعاونيات عند تنفيذها لبرامج التنمية.
• تحديد إطار زمني لتنفيذ هذه الاستراتيجيات واختيار بعض المؤشرات التي تقيس مدى نجاح هذه البرامج في تحقيق الأهداف المرجوة منها.
• تشجيع التعاونيات على الإفصاح والشفافية وعلى تبني معايير محددة بخصوص الإفصاح عن البيانات غير المالية الخاصة ببرامج التنمية المستدامة .
الفقرة الثانية: القطاع الخاص والإعلام
فأما على مستوى دور القطاع الخاص فإنه يتعين على كل تعاونية أن:
 أن تضمن في السياسة التي تنهجها مسؤوليتها الاجتماعية تجاه مختلف أصحاب المصالح، على النحو الذي يؤكد على حماية أصول المتعاون، واحترام حقوق أصحاب المصالح.
 تبني التعاونيات سياسة واضحة للتنمية البشرية، بحيث تنص على مشاركة العاملين بالتعاونيات في إدارتها من خلال مراجعة الميزانية السنوية وتحديد الأجور ومستوى الرعاية الصحية التي يتمتعون بها وأيضا التدريب الذي يحتاجون إليه .
 تلتزم التعاونيات بمجموعة من القواعد الأخلاقية التي تحددها مجالس إدارات هذه التعاونيات ويقره المتعاونون ويتم إعلانها بشكل شفافية وتلتزم التعاونيات بتطبيقها.
 يتعين على التعاونيات أن تهتم بتلبية التزاماتها تجاه عملائها وأن تسعى جاهدة لتلبية رغباتها وحماية حقوقهم.
 ضرورة مراعاة الاعتبارات البيئية أثناء ممارسة التعاونيات لنشاطها الاقتصادي.
 إعداد توجيهات إستراتيجية للمسؤولية الاجتماعية.
أما على مستوى دور الإعلام فإنه ينبغي تفعيل دور الإعلام في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية للتعاونيات في التنمية المستدامة، لأنه بالرغم من الدور الهام الذي يضطلع به الإسلام في نشر هذه الثقافة إلا أنه لازال يفتقر للمفردات الواجب استعمالها في هذا السياق إلى حد عدم التفريق بينها وبين ممارسات أخرى لذا من الجيد الإعلان عن الجهود الاجتماعية المبذولة في سبيل تنمية المجتمع حتى تكون التعاونيات قدوة لباقي المؤسسات في هذا المجال، ومن ثم يتسابق الجميع قصد تحقيق قدر أكبر من المنفعة للمجتمع .
خاتمة
وأخيرا يمكن القول أنه للنهوض بهذا المجتمع وتنميته لابد من إشراك جميع عناصره وخصوصا الفاعلين فيه، والذين تشكل التعاونيات قسما هاما منه، وفي مقابل ذلك يجب على هذه الأخيرة أن تعي جسامة وكبر المسؤولية التي تقع على عاتقها في سبيل تطوير وإنشاء مجتمعها باعتبار التعاونيات شعلة المستقبل بدل الشركات.

لائحة المراجع
الكتب
• كريم لحرش: “الحكامة الجيدة بالمغرب”، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى الرباط، 2013.
• محمد البرشاوي: “التعاون والتعاونية”، الموسوعة العربية 2011.
الأطروحات والبحوث
• أمينة السالمي: “تنمية الموارد البشرية”، بحث تأهيلي لتحضير الدكتوراه الوطنية، أكدال – الرباط 1997.
• سناء البقالي: “المقاولة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي”، أطروحة لنيل الدكتوراه 2009/2010.
• هجر الحيمر: “المقاولات الصغرى والمتوسطة والتنمية الاقتصادية بالمغرب”، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط، 20125/2013.
المجلات
• منشورات منظمة العمل الدولية “التعاونيات”، مقتطف من البيان حول هوية التعاونية، الذي اعتمدته الجمعية العامة للاتحاد الدولي التعاوني 1995.
• مجلة التعاون، مجلة متخصصة في ميدان التعاونيات يصدرها مكتب تنمية التعاون.
المواقع الإلكترونية
• حسين عبد المطالب الأسرج: “تفعيل دور المؤسسة الاجتماعية للشركات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية”، مقال منشور في موقع العلوم القانونية.
• http://www.marocpess.com/almasae/article-70366,html.
الفهرس
مقدمة
المبحث الأول: الإطار العام للتعاونيات والتنمية المستدامة
المطلب الأول: مفهوم التعاونيات والتنمية المستدامة
الفقرة الأولى: مفهوم التعاونيات
الفقرة الثانية: مفهوم التنمية المستدامة
المطلب الثاني: آليات تطبيق التنمية المستدامة في التعاونيات
الفقرة الأولى: حكامة التعاونيات
الفقرة الثانية: الموارد البشرية
المبحث الثاني: واقع مساهمة التعاونيات في التنمية المستدامة
المطلب الأول: الأسباب والمعيقات التي تحول دون قيام التعاونيات بدورها في التنمية المستدامة
الفقرة الأولى: أسباب زيادة الاهتمام بدور التعاونيات في التنمية المستدامة
الفقرة الثانية: المعيقات التي تحول دون قيام التعاونيات بدورها كفاعل في التنمية
المطلب الثاني: الحوافز التي من شأنها دفع التعاونيات نحو المساهمة في التنمية المستدامة
الفقرة الأولى: على مستوى الدولة ومنظمات الأعمال
الفقرة الثانية: القطاع الخاص والإعلام
خاتمة
لائحة المراجع
الفهرس

ــــــــــ

محسن بوعسرية
باحث في قانون الاعمال ورئيس تعاونية امل الغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *