منتدى العمق

لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب

“لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ سَأَلَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ فَأُعْطِيَهُ لَسَأَلَ ثَانِيًا فَأُعْطِيَهُ لَسَأَلَ ثَالِثًا وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ”.حديث نبوي شريف .هو صورة واضحة عن طمع وجشع الإنسان دون قناعة، لكن أنا أستحضره هنا من زاوية أخرى هي عدم “الاعتراف بالجميل”.

من القيم التي هي نادرة في الإنسان “الإعتراف بالجميل” ،ربما ذلك لا يرتبط بمرحلة تاريخية ما دون غيرها ،أو بشعب أو جنس معين ،كأن يقال حاليا فقدت هذه القيم كأنها كانت منتشرة وعامة لذى الشعوب المنقرضة ،أو أن هذه القيم من خصال الشعب الصيني أو الهندي دون غيرهم مثلا، أو خاصة بالرجال دون النساء أو العكس. إنما طبع وطباع البشرية في التاريخ ،لكن هي من القيم النادرة كما أشرنا في البداية.

يعد الكلب الحيوان الملازم للإنسان منذ آلاف السنين ،وهو يقدم لنا خدمات جليلة كثيرة وهو الوفي للإنسان ربما بالفطرة دون أن يرشده أي نبي أو دين أو أخلاق ودون أن يتعلم ذلك في التربية والمدرسة.لكن نحن الإنسان في ثقافتنا لا نقيم أي قيمة لخصلة الوفاء و لا نحمل للكلب أي مودة أو تقدير وأي رحمة ،وفي أبسط الأمور حينما نتعارك مع شخص ما ونريد الإنقاص من قيمته ومكانته نشبهه بالكلب أو ابن الكلبة.يقول المثل ذو المغزى القدحي:( إذا اخترت في الجِراء فلن تختار إلا ابن الكلبة ) نفس الشيء يقع مع حبيبنا ورفيقنا وأخونا الحمار،هذا الحيوان العملي الصبور لقد استغله الإنسان منذ ألاف السنين ومازال وعلى ظهره ومن عرق جبينه بنيت حضارات دون أن يكل أو يمل ودون أن يطالب بحقوقه المهضومة وأن يلتجأ إلى العمل الاحتجاجي والنقابي وإلى المحاكم والعدالة .

رغم ذلك ،الإنسان حينما يريد أن يقلل من قيمة شخص ما وذكائه فإنه يصفه بالحمار،ونفس الشيء يقع مع البغل.كما أن البقرة هذه الحبيبة والأم المرضعة لملايين البشر، إذ رضعوا من حليبها وضايقوا حتى أولادها في حليب أمهم ،كما أكلوا من زبدها وجبنها وسمنها وياورتها وأيضا لحومها واستعملوا جلودها بل حتى روثها استغلوه كأسمدة في فلاحتهم ،رغم كل هذا لم تنج هذه الحبيبة من التقليل من قيمتها ،إذ حينما نريد الإنقاص من قيمة فتاة أو امرأة ما نشبهها بالبقرة.

يعد الخنزير من الحيوانات التي يستغلها الإنسان إلى أقصى درجة ممكنة إذ يأكل لحومها وشحومها كما يستعملها في الصناعات الغذائية والصيدلانية ،مع ذلك لم يسلم هذا الحيوان المسالم من لسان الإنسان إذ حين يريد أن يسب أو يشتم خصمه يصفه بالخنزير cochon والحلوف .

قد يكون لنا أخ أو صديق مخلص خدوم serviableيستجيب لطلباتنا 99 تسعة وتسعين مرة، وفي مرة واحدة لا يستجيب ويقول لنا “لا”إذاك يصبح عدد “الاآت” عندنا هو مائة ،كما لو أنه لم يستجيب لطلباتنا ولم يقدم لنا من خدمة ولو لمرة واحدة.دون أن نعرف حتى السبب الذي جعله يمتنع عن تلبية طلبنا ،ودون أن نأخذ بعين الاعتبار ظروفه الخاصة.شاب أو رجل قد يستدرج بنتا أو امرأة بجميع الطرق ،قد يكون عبر الإغراء أو الكذب أو الترهيب أو الابتزاز أو العنف أو حتى الاغتصاب وذلك قصد ممارسة الجنس عليها وحين تتجاوب معه عن طيب خاطر أو مرغمة ويقضي منها وطره يصفها بعد ذلك بأبشع النعوت : (الزانية،العاهرة،الفاجرة،الفاسقة ،الكلبة).

ويتناسى أنه هو من قام بهذه الأفعال معها وليس الجن أو الشيطان. مهنة الرعي من المهن الشريفة التي تقدم خدمات كثيرة ومفيدة للبشرية إذ عبرها يتم توفير ملايين من رؤوس الأبقار والأغنام التي يستفيد منها الإنسان (اللحوم،الألبان،الجلود،الصوف).

لكن في ثقافتنا حينما يراد تحطيم إنسان ما يقال له “السارح ولد السارح” أي الراعي ابن الراعي .رغم أن نبي الإسلام عليه السلام اشتغل في طفولته راعي غنم.قال رسول الله: “مَا بعَثَ اللهُ نَبِيًّا إلاّ رَعَى الغَنَم” فقال أصحابُه: وأنتَ ؟ فقَال: “نَعم، كُنتُ أَرعَاها على قَرارِيطَ لأهْلِ مَكَّةَ”. حديث نبوي شريف.عمال النظافة ،تعتبر مهنتهم أطهر وأنظف مهنة إذ يسهرون على تنظيف الشوارع والأزقة والفضاءات العمومية من أوساخنا ،إلا أننا نعتبرها أحط مهنة وحين نريد تحطيم أحد والحط من قيمته الإجتماعية نخاطبه ب”الزبال أو بوزبال “.

ومن نكون نحن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *