وجهة نظر

من يحترم ذكاء المغاربة وكرامتهم؟

لقد ألفنا من بعض العلمانيين والملاحدة والحداثيين وما بعد الحداثيين نحر قيم وأخلاق المغاربة، وذلك باعتبار كل من دافع عن خلق أو قيمة من القيم أو أراد أن يبعد عن المغاربة وبلادهم أي سلوك دخيل شاذ، أو يصد عنهم أي حركة ثقافية أو فكرية دخيلة معادية لدين المغاربة ومعتقدهم، أنه لا يحترم ذكاء وكرامة المغاربة.

فما هي معالم هذا الذكاء وما هي معايير هذه الكرامة؟ إن الإنسان المغربي إنسان قبل كل شيء مسلم منذ أزيد من أربع عشرة قرنا، وله في بلاده أكثر من أربعين ألف مسجد يصدح كل واحد منها خمس مرات في اليوم بنداء الصلاة، وتنضح حناجر الخطباء بخمسين ألف خطبة أسبوعيا من فوق منابرها، وتقام في هذه المساجد مائة ألف صلاة عيد في كل سنة، ومنها تنبعث الأدعية الموجهة نحو السماء تطلب الغيث النافع حتى يعم المغاربة أجمعين بمسلمهم وعلمانيهم وملحدهم، كما تطلب من الله القدير أن يعين الجنود المرابطين على الثغور حماية لهذا الوطن وشعب هذا الوطن من كل عدو وشر.

كما يوجد بهذا الوطن أزيد من 70 مجلس علمي حسب إحصاءات سنة 2008، تتفاعل يوميا مع المغاربة وتجيب عن آلاف الأسئلة في البيوع والتجارة والأسرة والزواج والطلاق والتبني والوقف والشفعة والصدقة والإنفاق …

وفوق كل هذا فالمغرب بلد مسلم يرأسه أمير المومنين الذي تقام له البيعة الشرعية وفق الدين الإسلامي، وتُفَصِّلُ في ذلك العقيدة الأشعرية بمجموعة من القواعد كجواز بيعة المفضول مع وجود الأفضل، و بتأييد من الفقه المالكي مذهب المغاربة الذي يرى أن بيعة المغاربة هي البيعة الشرعية على أساس أن المولى إدريس جاء إلى المغرب وفي عنقه بيع أخيه محمد النفس الزكية.

إن المغاربة إذن قد اختاروا الدين الإسلامي منذ قرون واختاروا تدينهم على طريقتهم وهي طريقة لا تخرج عن الدين قيد أنملة، وبالتالي لا يستقيم البثة أن يقال في من يتبنى تعاليم الدين الإسلاميّ، دين هذه البلاد، ويدعو إلى الالتزام بمنظومته القيمية التي تتقاطع نهائيا مع الدعوات إلى الجنس الرضائي أو المثلية أو التعددية الجنسية أو المساواة في الإرث أو حرمان فتيات في سن البلوغ من الزواج تحت مسمى تزويج القاصرات، بأنه لا يحترم ذكاء المغاربة.

وذلك لأن الدين الإسلامي وتعاليمه هي الأكثر تساوقا وانسجاما مع المغاربة لكون هذا الدين دينهم وقد ارتضوه منذ القرن الأول مع بداية الفتح الإسلامي لإفريقيا، والذي اكتمل وتم مع الفاتح موسى بن نصير الذي عمل على جلب أزيد من مائة تابعي، أي من خيرة العلماء الذين تلقوا دينهم مباشرة عن صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلموا المغاربة دينهم فتخرج منهم العلماء والفقهاء، وهذا الفقه والعلم هو الذي حول الأمازيغ إلى أنصار للإسلام فانطلقوا نحو الشمال فاتحين وناشرين لهذا الدين العظيم فأنقذوا الإسبان من ظلم وغطرسة وبطش لودريق الطاغية الذي سامهم سوء العذاب. ولم ينعم الإسبان بالسلم والرخاء إلا في ظل الحكم الإسلامي كما يقرون ويشهد بذلك العديد من مؤرخي أوربا.

إن سمفونية “عدم احترام ذكاء المغاربة” المشروخة تكررت خلال هذه السنوات الأخيرة وبالضبط عندما صارت تصدر لبلادنا ثقافات وبرامج ودعوات غريبة عنها من مثل المساواة والمثلية والشذوذ والأمهات العازبات والعلاقات الجنسية الرضائية.. فعندما نقول في المثلية بأنها ليست مرضا كما يزكي ذلك جميع علماء الأرض، وأنها خروج عن الطبيعة كما قال فرويد، وعندما نسأل الناس مستنكرين إن كان قد سبق لهم أن رأوا ذكر حمام يطير بجانب ذكر مثله، أو رأوا لبؤة فوق أختها، أو أسدا يجامع أسدا…فحينها يتهموننا بأننا لا نحترم ذكاء المغاربة.

وعندما نقول بإبقاء الإرث كما أراده الله تعالى، قطعيا، لأن في القول بالمساواة ظلم كبير للمرأة لمجموعة اعتبارات أهمها أن المشرع لم يلزم المرأة بالنفقة، كما أن في أكثر الحالات والقضايا تأخذ المرأة أكثر بكثير مما يأخذ الرجل وفي ذلك حكمة من لدن حكيم عليم، وبقولنا هذا دفاعا عن المرأة واحتراما لما هو قطعي في شرع الله اعتبرونا أعداء للمرأة وأعداء لذكاء المغاربة.

وعندما قلنا بأن حرية المعتقد قد كفلها الدستور المغربي بتنصيصه على أن دين الدولة الإسلام لأن من مبادئ الدين الإسلامي ألا إكراه في الدين، وواقع الحال يثبت ذلك حيث المسيحي واليهودي يقيمان شرائعهما في أفضل الأجواء والأحوال، ويتزوجون في كنائسهم كما يشاؤون، ويدفنون أمواتهم بطقوسهم ومراسيمهم كيف يشاؤون، بل إن بعض المسلمين يقدمون لأصدقائهم اليهود أو النصارى العزاء ويواسونهم في مصابهم، قالوا لنا إما أن تسمحوا للمغاربة بأن يرتدوا عن دينهم ويكونوا طوائف دينية ويأكلوا رمضان علنا، وإما سينعتوننا بأننا لا نحترم ذكاء المغاربة…

ويبقى السؤال الأهم هو في كنه وجوهر هذه الكلمة “ذكاء المغاربة” فهل اشتكى لهم المغاربة وخرجوا إلى الشوارع عن بكرة أبيهم يطالبون بالمثلية وحق الذكور في الزواج من ذكور وحق النساء في الزواج من نساء؟ أعتقد أن الشاذ “فؤاد” عندما ارتدى “التكشيطة” وصبغ وجهه بمختلف الأصباغ وتزين كما تتزين العروس، وأراد أن يتزوج في مدينة القصر الكبير من ذكر آخر حاصره الشعب المغربي حصارا شديدا ولولا تدخل القوات الأمنية لوقعت مجزرة. ولكن الله سلم، وهو نفس الشيء الذي حدث في فاس حيث تعرّض مثلي في الساعات الأولى من صباح أحد أيام شهر يونيو سنة 2015 إلى اعتداء جسدي من طرف مجموعة من الشباب في شارع الحسن الثاني، إذ أخرجوه من سيارة أجرة كان يستقلها، وطرحوه أرضًا، وانهالوا عليه بالضرب المبرح في عدة مناطق من جسده، كما لحقوا به إلى داخل قيسارية أراد الاحتماء بها، وعنفوه مرة أخرى، قبل أن يتدخل الأمن لإنقاذه. ولابد من أن نسجل هنا موقفنا الواضح من شرع اليد حيث لا يجوز إطلاقا ما دمنا داخل دولة لها قوانين وهيئات وأمن حتى لا تتحول بلادنا إلى غابة يفعل فيها الناس ما شاؤوا بدون ضوابط ولا قانون.

فهذا هو ذكاء المغاربة العفوي، على ما أظن، وليس من ذكائهم أن يسمحوا لانتشار هذه الآفة الخطيرة الخارجة عن الطبيعة، ورغم أن هذه الأحداث، وإن كانت معزولة، فهي توضح بجلاء موقف المغاربة المبدئي من الشذوذ والمثليين. رغم أن محمد السكتاوي المدير العام لمنظمة العفو الدولية بالمغرب خرج علينا بحر هذا الشهر بتصريح غريب حيث قال بأن المغاربة لن يعترضوا على حق الحرية الفردية للمثليين، وكأن هذه الأحداث الدامية التي تعرض لها المثليون في المغرب كانت كراكيز أو مسرحيات أو لعب كارتونية للتسلية، و هو تصريح في حقيقته يمكن اعتباره دعوة إلى الاحتراب وخلق فتنة داخل البلاد، كما تعني أن السيد السكتاوي لا علم له بما حدث للمثليين في المغرب أو أنه لا يقرأ الجرائد ولا يتابع الأحداث. وهنا يبرز السؤال الأهم: من لا يحترم ذكاء المغاربة؟ هل الذين يدعون إلى العفة والحفاظ على منظومة القيم المنبثقة من دين المغاربة؟ أم السكتاوي وأمثاله من الذين لا علم لهم بما فعله المغاربة عندما رأوا مثليا يتزوج وآخر يركب سيارة أجرة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *