عاش جاهلا .. ومات مجهولا

يستيقظ تمام الساعة الخامسة بعد الزوال، يفرك بقبضة يده عيناه التي اغلقهما العمش .. صوته مبحوح من كثرة السجائر والمخدرات التي تناولهما ليلة أمس حتى أذان الفجر .

وجهه يحمل اثار ندوب تشهد على معارك طاحنة , يداه أيضا تحمل صنوفا من الجروح المفتعلة نتيجة الافراط في تناول الحبوب المهلوسة .

الشرر دوما يتطاير من عينيه الحمراوتين .. الكل يتحاشاه ويتحاشى الاصطدام معه ,ليس لأنه قوي أو مفتول العضلات , بل لأنه وغد لاشيئ لديه ليخسره , قد خبر طعم السجن وبرودة الزنازين لاشيئ يوقفه او يردعه , أحيانا كثيرة يرتكب حماقات وجرائم ليس بدافع السرقة وانما لأنه اشتاق مكانه في السجن .

حين يتم القاء القبض عليه ,يستقبله خلانه من الخارجين عن القانون استقبال الابطال , السجن يمنحه احساسا بالبطولة والتفوق , كيف لاوهو يحمل شرف رئيس الزنزانة ,الآمر الناهي … الجميع يأتمر بأمره وينتهي بنهيه . هذا النوع من المجرمين ,غالبا مايكون مستواهم التعليمي ضعيف ولايتجاوز في أغلب الأحيان المتوسط الابتدائي .

العنف , اراقة الدماء , الكلام الفاحش , ذلك مذهبهم المقدس وطريقتهم في فرض الذات .. أغلبهم يقضي أكثر من نصف عمره موزعة بين الزنازين .. وحين يبلغ من العمر مرحلة الضعف الجسدي وتتراجع قوته ويصير مجرد شبح أو فزاعة يهيم على وجهه ,يتسول السجائر وكسرة خبز جافة .. ينام تحت القناطر وفي الأماكن المهجور.

حين يحين أجله يموت في صمت ولايتم اكتشاف جثته الا بعد فوات الأوان , جثة مجهولة لشخص مجهول , عاش جاهلا ومات مجهولا بلا هوية ولا شاهد قبر .