منتدى العمق

قراءة في كتاب “الهجرة في السينما المغربية: تجليات ودلالات”

صدر حديثا كتاب “الهجرة في السينما المغربية: تجليات ودلالات” للناقد الحبيب ناصري، عن مطبعة ياموس/خريبكة (المغرب)، درس فيه موضوع الهجرة بنوعيها القانونية، وغير القانونية ولم يهتم بأنواعها بقدر ما اهتم بجوانبها، الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية…، من أجل إعادة إنتاج نسق من القيم المبنية على مقولات دلالية ضدية مثل: الجنة/الجحيم، و الأنا/الآخر، الأمل/الألم….، أو كما صنف هذه الثنائيات الضدية في مقولة دينامية: المرغوب/ المكروه، المكروه/ المرغوب.

أما من ناحية الشكل الذي تحقق عبره هذا الكون الدلالي، اختار الناقد “السينما” كشكل فني يتميز عن باقي الأشكال التعبيرية الأخرى: “كالرواية، والقصة القصيرة، والشعر..” بالتعبير بالصوت والصورة، إلى جانب نقله للوقائع بموضوعية كبيرة، أكثر من أي شكل تعبيري آخر باستثناء الأفلام الوثائقية. وتجلى هذا الاختيار من خلال دراسته لتسعة وعشرين (29) فيلما مغربيا، أنتجت في الفترة الزمنية الممتدة ما بين: (1958 و 2007) واختيار الناقد لهذا العدد، وهذه الفترة التي ليست بالقصيرة، كان قصد تحقيق موضوعية في النتائج، وتجنب الانتقائية، والدراسة التي تضع النتائج وترسم المسار لتصل إليها. معتمدا في ذلك على تقسيم الدراسة إلى فصلين مختلفين ومتكاملين في الآن نفسه، الأول أبرز فيه تمظهرات وتجليات الهجرة في الأفلام السينمائية المختارة، والثاني المعاني والدلالات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية….، من خلال مقاربة مجموعة من المكونات الفنية التي تتميز بها السينما، كالزمان، والمكان، والموسيقى، والملابس… من خلال الوقوف عند شعرية كل مكون، وإبراز دلالاته الثقافية..

ولسبر مكنونات هذه المكونات الفنية اعتمد الناقد على مجموعة من المناهج النقدية، كالمنهج الإحصائي، والوصفي، والتاريخي، والسيميائي…، في إطار ما يسمى بالمنهج التكاملي، متجنبا المنهج الواحد الذي يفضي إلى رؤية أحادية. والقارئ لهذا العمل سيرى أن الكاتب لم يستعمل المناهج بشكل آلي، وإنما بشكل مرن بحسب ما تقتضيه الدراسة، بعيدا عن القراءة “البروكستية”، من خلال تبيئة المناهج والمتن المدروس، تبيئتها والشكل الفني/ السينما من جهة، وتبيئتها والتيمة/ الهجرة من جهة أخرى، بغية تحقيق موضوعية في الأهداف المرجوة.

وأثناء تتبعنا لمسار تخطيب الناقد لهذه المتون، لاحظنا أنه تارة يحتفي بالسينما كشكل تعبيري استطاع أن يحوي أغلب التيمات –إن لم نقل كلها- وتارة يحتفي بتيمة الهجرة، وهو ما وضعنا أمام مزالق قرائية، وتساؤلات من قبيل: هل الناقد أراد الاحتفاء بموضوع الهجرة، كموضوع لم ينل حظه الكافي من الدراسة؟ أم أراد أن يسلط الضوء على السينما كشكل تعبيري يمزج بين الصورة والصوت؟ باعتبارنا في عصر الصورة بامتياز، وتظهر هذه المعطيات من خلال تساؤلين مركزيين طرحهما الناقد وهما: “ماذا تقول اللقطة أو المشهد أو الفيلم ككل؟”و”كيف تقول اللقطة أو المشهد أو الفيلم ككل؟” ص:104، الأول ينطوي على الاهتمام بالموضوع على حساب الشكل، والثاني العكس، ويظهر هذا التداخل أيضا من خلال الخلاصات التي توصل إليها، التي كانت بمثابة بوتقة انصهر فيها الشكل بالتيمة، وهو ما يحيلنا أننا أمام مقاربة جديدة تحترم سياق وخصوصية العمل الفني.

إن مقاربة الناقد الحبيب ناصري لهذه الدراسة تذكرنا بطريقة رولان بارث الذي كان نطوي نقده على بعد إبداعي التحليل، يمزج بين الممارسة النقدية، والتنظير لطرق جديدة في التحليل، وإني أرى أن هذا المؤلَف، يتوفر فيه هذا النوع من النقد، وأن الناقد توفق في تجاوز مرحلة النقد التقليدي إلى نقد حداثي مبني على مساءلة المتن الشكل/ التيمة أثناء الدراسة، لإنتاج نص مواز يمزج بين النقد والإبداع في النقد، أو ما يمكن أن نصطلح عليه بالإبداع النقدي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *