وجهة نظر

الزعيم أخنوش

تسمية استفزتني في الآونة الأخيرة، تماما كما كانت و لا تزال تستفزني عبارة الزعيم بن كيران، ببساطة لأن لقب الزعامة في القرن الواحد و العشرين لا يُطلق إلا لدا شعوب سلَّمت أعناقها لشخص أو أشخاص يعاملونها معاملة القطعان، حينها تغدوا الشعوب قاصرة لا تعرف مصلحتها، تنتظر المُلهم المنقذ لتهتف له بالروح بالدم نفديك يا كريندايزر!

صفة الزعيم لا تطلق على مستشارة ألمانيا صاحبة رابع أقوى اقتصاد في العالم و ثاني احتياطي ذهب (3400 طن)، و لا على تيريزا ماي التي استخلصت من الشاب المتعطش للسلطة، محمد بن سلمان، 100 مليار دولار في ساعتين (تقريبا الناتج الخام للمغرب)، سيدخلون خزينة بريطانيا و يوفرون مئات آلاف المناصب.

حتى في تركيا، حيث يحلو للكثير من سكان عالمنا المتخلف أن يطلقوا على أردوغان لقب السلطان و الزعيم، الأتراك لا يصفون رئيسهم بالزعيم و لا المنقذ، بل يناكفونه بالمظاهرات الساخطة، رغم كونه أخرج تركيا من رماد التخلف للرتبة 16 عالميا بناتج إجمالي يقارب 1000 دولار سنويا.

بالعودة لوباء الزعامة التي يُجيش لها الحزب الأزرق فيالق الفيسبوك و مذيعي القنوات العمومية ببرامج و أسئلة على المقاس، نطرح تساؤلا حول مقومات الزعامة التي سقطت على صاحب شعار أغاراس أغاراس من السماء؟

فالرجل اعتزل السياسة ثم رجع و أناب ثم استقال ثم جمَّد ثم تولى رئاسة حزب، بتغيير للون و الطيف السياسي شبيه بتغيير الحرباء للون جلدها حسب طبيعة الفرائس و نوع الأخطار المحدقة.

الثابت الوحيد في مسيرة الرجل هو صلابته الاقتصادية المعتمدة على صداقة أصحاب القرار السياسي منذ أن عاد لأرض الوطن بداية العهد الجديد، ليقود إمبراطورية والده التي كانت على وشك الإفلاس.

إمبراطورية امتلكها الحاج أخنوش يوم قررت الدولة توزيع غنيمة المعمرين الفرنسيين على المعمرين المغاربة، فمنحت العنب والنبيذ للحاج زنيبر والغاز للحاج أخنوش والبحار لرجال العسكر، و السياسة لآل فاس…

الوريث دخل عالم الوزارة و المسؤولية غير المرتبطة بالمحاسبة قبل أزيد من عقد، حين خُصصت له وزارة سمينة تُعيل نصف المغاربة هي الفلاحة. يُغيِّر مع كل حكومة لونه حتى تبقى الوزارة على مقاسه، حتى دقت ساعة العمل و طُرح سؤال أين الثروة؟ و بدل أن يبحث المجلس الأعلى للحسابات على إجابات السؤال في خزائن الحيتان الكبيرة المتهربة من الضرائب، المُهربة لأموال المغاربة في بنوك سويسرا و بريطانيا، مُنح السوبر أخنوش مفاتيح صندوق قارون (تنمية العالم القروي) بميزانية وصلت 50 مليار درهم في غفلة من المرحوم سياسيا السيد بنكيران الذي صرح بأنه ما فراسوش! (زيد الشحمة في ظهر المعلوف).

بعد سنتين جرت انتخابات فاز بها حزب بنكيران، لكن الإرادة العليا شاءت إلا أن تُفصل حكومة على مقاس السوبر وزير، بوزارة شملت البر و البحر و الجو و ما بينهم، ما يذكر بملك سليمان الذي لا يفنا.

بعدها بسنة ضرب “زُليزل صغير” تقنوقراط ينفذون ما يؤمرون، و تُرك من يزاوج بين السلطة و المال و إمبراطوريات الإعلام و الأعمدة الممولة بأموال إشهار دسمة :ثالوث “فرعون هامان و قارون”.

أيام سعد الوزير توالت بإعلان مجلة فوربس عن ثروته المتجاوزة ل2200 مليون دولار بزيادة 900 مليار سنتيم خلال السنة الأخيرة من توليه المسؤولية. و للغرابة فمسوقو شعار ربط المسؤولية بالمحاسبة لم يفكروا في تحريك رجال جطو و طرح سؤال بسيط على الرجل: من أين لك هذا؟ بذل الاكتفاء بالتطبيل و التزمير: هنيئا لك بهذا!

قد يقول قائل أن رجال الأعمال غير مُحرمة عليهم السياسية و الدليل الملياردير ترامب الذي يحكم أقوى دولة؟ يكون الجواب صحيح، لكن بشروط، و دليلنا المحقق روبرت مولر الذي تعدا سنته الأولى في تقليب دفاتر الرئيس و صفقاته، و البحث عما إذا كان لنشاطات ترمب السياسية أي روابط بعالم المال أو الأعمال، إضافة للاحتمال تأثير المال القادم من الإمارات و الدعم السيبراني الروسي. من يجرؤ على سؤال وزير يسميه المغاربة “باباي رجل البحار” من شساعة ملكه؟ و الملك لله الواحد القهار!

في دستورنا المبجل بند يحارب تضارب المصالح، ما يدفعنا للسؤال، أليس في جمع الرجل بين صفات وزير و ملياردير و صديق مقرب لرئيس الدولة أي تداخل في المصالح؟ ألا يمكن للوزير الفصيح أن يُبرم صفقة أو يُوقع عقدا ينفع به شركاته و يضر به شركات أخرى؟ أكيد أننا لسنا في عصر النبوة، و أن الوزير لن يترك تسيير إمبراطوريته و يتنازل عن راتبه ليخدم الوطن لله في سبيل الله!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *