وجهة نظر

قراءة في قانون محاربة العنف ضد النساء

لا مراء أن العنف ضد المرأة، ظاهرة معقدة في المجتمعات عامة والمغرب خاصة، وعلى الرغم من أن الشريعة الإسلامية كتابا وسنة حذر ت من خطورة هذا الفعل، من خلال قوله عزوجل “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ” (سورة الإسراء الأية 70). وقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يكرمهن إلا كريم ولا يهنهن إلا لئيم “.

بيد أن الواقع يتحدث لغة أخرى، فتقرير المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2011 والذي أشار إلى أن 62.8% من المغربيات المتراوحة أعمارهم بين 18 و 64 يتعرضن لشكل من أشكال العنف، كما أن التقرير السنوي الذي يصدره المرصد الوطني للعنف ضد النساء لسنة 2016، يفيد أن العنف الجسدي أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة.

ولئن كان المشرع المغربي مازال يعتمد على القانون الجنائي الصادر في 26 نونبر 1962 الذي يمثل محورا أساسيا في السياسة الجنائية، وكذا في استراتيجية الدولة للحد من الجريمة بصفة العامة والعنف ضد النساء بصفة خاصة، والذي أسفر تطبيقه خلال نصف قرن عن عدة تعديلات، كلها كانت تعديلات جزئية مما جعله قاصرا على مواكبة التحولات والتطلعات التي عرفها المغرب والتي مست العديد من المجالات، وقد كان لقضايا النهوض بحقوق المرأة وحمايتها النصيب الأوفر، وقد جسدتها مصادقة المملكة على الاتفاقية الدولية لمكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1993، مرور بالإصلاحات التشريعية في مجال الأحوال الشخصية والمادة الجنائية وقانون الشغل والقانون الجنسية، ثم دعم المشاركة السياسية للمرأة، وصولا إلى ما تضمنه الدستور 2011 من مقتضيات تعزز حقوق المرأة والنهوض بها.

ومع ذلك مازالت تعاني المرأة من وضعية صعبة قوامها تغييب الإنصاف والعدل في التعامل معها، ورغم أن الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة ظل انشغالا حكوميا من خلال الاستراتيجيات والخطط الحكومية، فإن تقييم هذه الاستراتيجيات أثبت محدوديته ولا أدل على ذلك نسبة العنف المرتفعة، مما حدا بالمشرع المغربي إلى إحداث قانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي يتضمن ستة أبواب تتخللها 18 مادة، و الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 19-18-1 صادر في جمادى الآخرة 1439 (22 فبراير2018) ، فإلى أي حد استجاب قانون محاربة العنف ضد النساء لتطلعات الهيئات المدنية، وحاول تجاوز ثغرات القانون الجنائي؟

أولا: مفهوم العنف ضد المرأة في ضوء القانون الجديد.

إن الناظر في نصوص مجموعة القانون الجنائي، يقف على عدم تعريف مفهوم العنف ضد المرأة، غير أن مجموعة القانون الجنائي تضمنت العديد من القواعد التي جرمت وعاقبت على الكثير من الأفعال التي تدخل في مفهوم العنف ضد المرأة، سواء العنف الجسدي أو النفسي أو المالي أو الجنسي.
و قد عرف الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، الصادر عن الأمم المتحدة سنة 1993، العنف ضد المرأة على أنه : “هو كل فعل عنيف قائم على أساس الجنس وينجم عنه، أو يحتمل أن ينجم عنه أدى أو معاناة جسدية أو جنسية أو نفسية للمرأة بما في ذلك التهديد باقتراف الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية ، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.

وبخلاف مجموعة القانون الجنائي فإن قانون محاربة العنف ضد المرأة عرف في المادة الأولى منه مفهوم العنف ضد المرأة، والناصة على أنه ” من أجل تطبيق قانون أحكام هذا القانون يراد بما يلي:

– العنف ضد المرأة : كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة.
-العنف الجسدي : كل فعل أو امتناع يمس أو من شأنه المساس بالسلامة الجسدية للمرأة أيا كان مرتكبه أو وسيلته أو مكان ارتكابه .
-العنف الجنسي : كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة.
-العنف النفسي: كل اعتداء لفظي أو إكراه أو تهديد أو حرمان سواء كان بغرض المس بكرامة وحريتها واطمأنينيها أو بغرض تخويفها أو ترهيبها.
-العنف الاقتصادي : كل فعل أو امتناع عن فعل ذي طبعة اقتصادية أو مالية يضر بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة. ”

والملاحظ أن المشرع حاول تعريف مفهوم العنف بنوع من التفصيل فكان يكفي المقطع الأول من المادة المذكورة الذي يستقيم تعريف به ، دون إيراد تلك التعريفات المفصلة .

والظاهر أن المشرع لا يسعى فقط إلى وضع تعريف جامع مانع، ولكن يسعى كذلك من خلال هذه التعريفات المفصلة إلى اتساع دائرة التجريم إلى أقصى حد ممكن .

ثانيا: تضخم السياسة العقابية في قانون محاربة العنف ضد المرأة.

بالرجوع إلى القانون رقم 13-103 والمتعلق بالعنف ضد النساء، يتبين أن الباب الثاني عنونه المشرع بأحكام زجرية، وقبل توضيح تضخم السياسة العقابية في صناعة التشريع عند المشرع المغربي، لا بد أن نشير إلى أن عنونة الباب الثاني “بأحكام زجرية” هي صياغة غير دقيقة، على اعتبار أن عبارة “الأحكام” لها مفهوم معين وتصدر عن الجهة التي أوكل إليها المشرع الفصل في الخصومات، فكان على المشرع أن يتجنب عبارة ” أحكام زجرية” ويستعين بعبارات أخرى من قبيل ” العقوابات ” .
ومن جهة أخرى فقد خصص المشرع للباب الثاني المتعلق بالأحكام زجرية المواد 2 و 3 و4 و 5 ،وهي في معظمها مغيرة ومتممة للقانون الجنائي.
حيث سعى من خلالها المشرع عبر اعتماد تقنية الإحالة، وذلك بالإبقاء على نفس النصوص التي تضمنها القانون الجنائي والعمل على تشديد العقوبة وإضافة تدابير وقائية شخصية جديدة فيها.

وحيث أن ما يؤكد أن العقوبة كانت هي الهاجس الأول عند وضع هذا القانون مجموعة من اعتبارات منها:

– من حيث الترتيب، فبمطالعتنا للقانون العنف ضد النساء، نجد أن المشرع استهله بتخصيص الباب الثاني من القانون المذكور للأحكام الزجرية والذي يتضمن أربعة مواد، في حين ترك الباب الخامس للتدابير والمبادرات للوقاية من العنف والذي يتضمن مادة واحدة .

وحيث أن الترتيب في الحالة هذه له دلالة فتخصيص الباب ما قبل الأخير للتدابير الوقائية، وإفراد مادة واحد له، في المقابل تخصيص الباب الثاني بالأحكام الزجرية، يفيد أن المشرع يتبنى مقاربة عقابية في الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة، كما يستنج منه أن عقيدة المشرع تؤمن بأن الحل ليس في المقاربة الوقائية، وأن الحل يكمن في تشديد وتغليظ العقوبة وأنه يمكنه أن يزع بالعقوبة ما لا يزعه بتدابير الوقائية .

– تعليق العمل بأليات التكفل بالنساء ضحايا العنف على صدور نصوص تنظيمية، وعدم تحديد أجال معينة لصدور هذه النصوص يفرغ هذه الآليات من محتواها، فقد نصت المادة 10 على أنه “….يحدد بنص تنظيمي تأليف الخلايا المحدثة على مستوى المصالح المركزية واللاممركزة للقطاعات المكلفة بالعدل وبالصحة والشباب وبالمرأة وكذلك للمديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي وكذا ممثلي الإدارة بالخلايا المحدثة على مستوى المحاكم المحدثة على مستوى المحاكم الابتدائية والاستئناف.

يراعى في تكوين هذه الخلايا مبدأ التخصص والمناصفة.”

كما نصت المادة 11 من القانون المذكور في فقرتها الأخيرة “يحدد نص تنظيمي تأليف وكيفيات سير عمل اللجنة الوطنية “.

فكان من باب أولى أن يحدد المشرع النسائي آجالا محددة لوضع النصوص التنظيمية المفعلة لهذه الآليات المذكورة، لكن الركون إلى المقاربة الزجرية والنزعة العقابية أنسته في تحديد آجال معينة لتفعيل هذه المؤسسات.

ومن جهة أخرى على مستوى اللجان الجهوية والمحلية التي جاء بها القانون المذكور، نجد هناك نوع من التغيب والتهميش للمجتمع المدني، و يتجلى ذلك من خلال أن اللجنة الجهوية المنصوص عليها في المادة 13 والناصة على أنه ” تحدث لجنة جهوية لتكفل بالنساء ضحايا العنف على المستوى الدائرة القضائية لكل محكمة استئناف وتتألف من :

-الوكيل العام للملك أو نائبه رئيسا.
-قاض للتحقيق ومستشار للحكم ومستشار مكلف بالأحداث يعينهم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف.
-رئيس كتابة النيابة العامة أو من يعينه.
-رئيس كتابة الضبط أو من يعينه.
-المساعد أو المساعدة الاجتماعية بالمحكمة المذكورة.
-ممثلي الإدارة.
-ممثلي مجلس الجهة.
-محام يعينه نقيب هيئة المحامين بالدائرة القضائية الاستئنافية.
-مفوض قضائي يعينه رئيس المجلس الجهوي للمفوضين القضائيين.

كما يمكن أن يحضر أشغال اللجنة كل شخصية معروفة باهتماماتها وخبرتها بقضايا المرأة وكذا ممثلو الهيئات والمؤسسات والجمعيات التي ترى اللجنة فائدة في دعوتها.”

وبخصوص اللجنة المحلية المنصوص عليها في المادة 15 والناصة على أنه ” تحدث لجنة محلية للتكفل بالنساء ضحايا على مستوى الدائرة القضائية لكل محكمة ابتدائية وتتألف من:

-وكيل للملك أو نائبه رئيسا.
-قاض للتحقيق وقاض للحكم وقاض الأحداث يعينهم رئيس المحكمة.
-رئيس كتابة النيابة العامة أو من يمثله.
-رئيس كتابة الضبط أو من يمثله.
-المساعد أو المساعدة الاجتماعية بالمحكمة المذكورة.
-ممثلي الإدارة.
-ممثلي مجلس الإقليم.
-محام يعينه نقيب هيئة المحامين بالدائرة القضائية الاستئنافية.
-مفوض قضائي يعينه رئيس رئيس المجلس الجهوي للمفوضيين القضائيين.

كما يمكن أن يحضر اشغال اللجنة كل شخصية معروفة باهتمامها بقضايا المرأة وكذا ممثلو الهيئات والمؤسسات والجمعيات التي ترى اللجنة فائدة في دعوتها”
والملاحظ أن هذان الفصلان المذكوران أعلاه تضمنا ممثلين اللجان الجهوية والمحلية ، غير أنه عند حديثهما عن المجتمع المدني استعملا عبارة “كما يمكن أن يحضر أشغال اللجنة كل شخصية… ” وحضور المنظمات مرتبط ب”التي ترى اللجنة فائدة في دعوتها” .

وبالتالي فحضور المجتمع المدني رهين بإرادة اللجان الجهوية والمحلية، مع العلم أن المجتمع المدني أقرب إلى هذه الظاهرة من الجهات الرسمية.

ثالثا: مسألة الإثبات الجنائي في قانون محاربة العنف ضد النساء.

بالعودة للباب الثالث من القانون المذكور والمتعلق بالأحكام المسطرية، يتبين أنه لم يتناول مسألة الإثبات مما يعني اعتماد نفس القواعد المعمول بها في قانون المسطرة الجنائية، وبالرجوع إلى هذا الأخير في المادة 286 الناصة ” يمكن إثبات الجريمة بأي وسيلة من وسائل الإثبات ماعدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك ويحكم القاضي حسب اقتناعه الصميم ويجب أن يتضمن المقرر ما يبرر اقتناع القاضي وفقا للبند 8 من المادة 365 الآتية بعده.

إذا ارتأت المحكمة أن الإثبات غير قائم صرحت بعدم إذانة المتهم وحكمت ببرائته”

وعلى الرغم من أن المشرع الجنائي تبنى حرية الإثبات كأصل عام، إلا أنه كان من باب أولى إفراد جرائم العنف ضد النساء بمقتضيات خاصة من قبيل ” ويمكن إثبات جرائم العنف ضد المرأة بكافة الوسائل بما فيها الرسائل المكتوبة والهاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية ” لعلة أن بعض أنواع العنف يصعب إثباتها .

وختاما نخلص إلى أن العنف ضد المرأة ظاهرة تهدد مستقبل الأسرة والمجتمع، والمشرع الجنائي وعيا منه بذلك، دائما يسارع إلى إلغاء أو إدخال نص جنائي لوقف هذه الظاهرة.

إلا أننا نعتقد أن الحل القانوني ليس بالحل، وإنما هو جزء من الحل فالمجتمع تغلب عليه الأمية، كما أن هناك فرق شاسع البون بين القانون والتطبيق العادل للقانون ، بحيث يمكن أن يكون النص القانوني في المستوى المطلوب إلا أنه قد تضيع الحقوق في التطبيق غير العادل للنص القانوني.

فالهروب إلى إيجاد النص القانوني أو المطالبة به ثم نسيان الظاهرة أمر عديم الجدوى، فهاهي النصوص موجودة والعنف مازال وبكثرة.

*باحث في العلوم القانونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *