وجهة نظر

نظام الإرث في المغرب، خطر التعصيب أم خطر العصابة؟

لا احد ينكر ان المغرب يمر بقلاقل اجتماعية واقتصادية جَمّة ومُطَّردة. كما ان الكل يجمع أن سبب هذا الوضع ناجم عن السياسات والخيارات التنموية الفاشلة. وهذه القلاقل وإن كانت محصورة جغرافيا، فإنها تُجسّد أعراضا لأزمة تنخر كل ربوع الوطن. بالأمس القريب ماتت “مّي فتيحة” بالقنيطرة،وماتت نساء وهن يتدافعن على حفنة طحين بالصويرة، ومات محسن فكري دفاعا عن أسماكه بالحسيمة… .ليخرج الريف ثم تخرج جرادة وبينهما زاكورة، وقبلهم مدن كثيرة. استُشهد من استشهد، واعتُقل من اعتُقل، ولا زالت المسيرات والوقفات والاعتصامات فوق الأرض وتحت الأرض بمدينة جرادة مُنذِرة أن حالة الفقر لم تَعُدْ تُحْتَمل.

في ظل هذه الأجواء البئيسة والمؤلمة والماسّة بشرف الدولة قبل هَيْبَتها، يخرج ثلة من المثقفين والمفكرين والسياسيين(وذاك حقهم) بعريضة تطالب إلغاء حالات التعصيب من نظام الإرث مستندين على رفض الاجتهادات الفقهية ذات الطابع التاريخي والتي لم تعد تتماشى حسب نظرهم ومستجدات ومتغيرات الحياة. لست مؤهلا لخوض غمار الجدال الفقهي لأنني لا أحيط بكامل أدواته، لكنني سأتخذ ذريعة الواقعية التي اعتمدوها لأجعلها منطلقا أساسيا لهذه المقالة، حيث اسْتَهِل تدليلي بالأسئلة التالية:

– ألا يجدر بالموقعين المائة من سيدات وسادة ان يتوجهوا بعريضة مماثلة إلى نظام الحكم لمطالبته بإنصاف كل نساء وفتيات هذا الوطن، وتمكينهن من فرص الشغل والجامعات والمستشفيات بدل تركهن يخرجن الى الشوارع صباح مساء في التظاهرات للمطالبة بها؟

– أليس من الحَرِيِّ بهم تنظيم قوافل إلى الريف وجرادة وإلى ثخوم الأطلس الكبير والصغير والمتوسط للوقوف على المعاناة والنكبات التي يعيشها السكان، وثرواتهم المحلية تُستنزف امام أعينهم. إذْ لا يُترك لهم إلا الفقر ليتقاسموه بينهم بالعدل والمساواة دون حاجتهم لا إلى تعصيب ولا إلى مفاضلة؟

إن إثارة موضوع الإرث في خضم معاناة المواطنين من الفقر والتهميش والهشاشة والعزلة، وفي ظل غياب عدالة قطاعية ومجالية، لَمِن شأنه ان يُضِلَّنا عن أم القضايا التي ينبغي ان تُشغل الرأي العام الوطني. فالحديث عن الإرث وما قد يعتريه من نواقص فقهية اجتهادية وتاريخية، يجوز لنا ان نعتبره خارج سياق الواقعية، بل وقد نعتبره شجرةً يراد بها إخفاء غابة التَّرَدّيات الاقتصادية والإجتماعية والسياسية التي يعيشها المغرب. وما دام ان الحديث حول الإرث قد أصبح واقعا، فسأسمح لنفسي ان أخوض في واقعيته دون خطوط حمر لأتساءل بصوت مرتفع وأقول:

-أليست ثروات المغرب إرثا لكل المواطنين المغاربة؟
– ألا يزخر المغرب بأكبر خزان للفوسفاط في العالم؟
– ألا تتوفر تَرِكَةُ المغرب على مناجم للذهب والفضة؟
– ألا يمتلك المغرب شاطئين غنِيَّيْن بالثروات السمكية؟
– ألا يتمتع المغرب بمقالع متنوعة للرمال والغسول والرخام…؟
– ألا يتوفر المغرب على أراضٍ فلاحية تُصَدِّر كل انواع الفواكه والخضروات؟
– ألا يبيع المغرب حصته من التلوث عبر السندات الخضراء بملايين الدولارات بعد ان أغلق لاسامير ومناجم الفحم وغيرها دون ان يستثمرها في بدائل اقتصادية؟

ألا تُعَدُّ كل هذه التركة مِلكا وإرثا لكل المغاربة؟ ام أن القوى الإمبريالية اللبرالية المتوحشة قد وَرِثَتْها تعصيبا بالنفس وتعصيبا بالغير، وتركت فروض السُّدس والثُّمن لوكلائها الذين يجثمون علينا بسلطتهم وعنفهم وقضائهم، والذين سرعان ما يُحَوِّلوا هذه الأنصبة إلى البنوك الأجنبية ليستوفي الإمبريالي كامل إرثه في الوطن!

أمام هذة التركة العظيمة، ألا يجدر بنا أن نوَقِّع على عريضة شعبية ضد العصابة التي اغتصبت ولا زالت تغتصب تَرِكَتَنا وإرثنا ونحن معصوبي الأيدي والأعين والإرادة؟ ألم يأْن لهؤلاء المثقفين والمفكرين والسياسيين ان يلتفتوا إلى الطبقات المسحوقة ويصطفوا إلى جانبها هناك حيث يجب الاصطفاف؟

وختاما أقول، ليس التعصيب في الإرث من فَقَّر المغاربة وجوَّعهم وهمّشهم، وليس هو من تَسَبّب في تخَلُّفهم وتردّي أحوالهم المعيشية، إن من فعل ذلك عصابة حاكمة ومتحكمة في مُقَدِّرات البلاد.عصابة تركت الشعب يَهيمُ في شقاء الفقر وبؤس التهميش. عصابة استولت على الثروات وتسببت في القلاقل والثورات.

صدقوني، عندما نسترجع تركة وإرث الوطن، ونمتلك الحق في ثروات الوطن، حينها لا توزعوا خيرات البلاد لا بالتعصيب ولا بالمفاضلة، بل وزعوها على كل نساء الوطن وفي كل ربوع الوطن.

فَدَعُوا عنكم التعصيب وهلمو لنواجه العصابة!

*باحث في الفلسفة السياسية وعلم الأخلاق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *