وجهة نظر

الاستهداف السعودي للمغرب: سقطة ظرفية أم هجمة استراتيجية؟

تميزت العلاقات الدبلوماسية المغربية السعودية منذ عقود ، بقدر كبير من الانسجام و التناغم في المواقف السياسية ذات الصلة بمختلف القضايا الإقليمية و الدولية ، و بمستوى رفيع من الاحترام المتبادل و الإصرار على العمل المشترك في كافة المجالات ، إلى درجة قد يستحيل معها تصور أي تصدع أو نشاز في الرؤية الهيكلية الرسمية لهذين البلدين العربيين الهامين ،. و بعد أن جرت مياه دافئة تحت جسر هذه العلاقة الوطيدة ، أخذ المراقبون و المعنيون بالشأن السياسي العربي و الدولي يلمحون بوضوح عيوبا تتسلل ببطء لكن بقوة إلى إطار الصورة ، التي رسمها ساسة القطريين بقدر غير يسير من الجلد و الأريحية ، مما ينذر بتحول بالغ الخطورة قد يفضي إلى تبعات نوعية غير ودية .

و معلوم أن شخصيات سياسية سعودية وازنة لم تعد تخفي ” عدم رضاها ” عن القرارات المغربية المستقلة ، و تعبر بالواضع عن أن عهد ” المجاملة ” انتهى ؛ و أن القاعدة الجديدة التي أضحت عنوانا لحكام اليوم و الغد هي السعودية أولا ، و الخسارة لمن يعاديها ! كما صرح بذلك رئيس مخابرات السعودية السابق الأمير بندر بن سلطان ! و في هذا السياق خرج قبل ذلك رئيس هيئة الرياضة ، و المستشار بالديوان الملكي السعودي المثير للجدل السيد تركي آل الشيخ ، بتغريدات فائقة العداء و الاستفزاز إزاء المملكة المغربية ، أقلها إشارته بطريقة غير مباشرة إلى أن المغرب أخطأ البوصلة و هو يبحث عن الدعم العربي و الخليجي ، بخصوص ملف ترشيح المملكة المغربية لاحتضان مونديال كأس العالم 2026 ، و أن السعودية ستساند من يخدم مصالحه العليا لأن ” اللون الرمادي لم يعد مقبولا لدينا ” !

و في رأي كاتب هذه السطور، و الذي لا ينتمي إلى الطبقة السياسية و لا إلى أي هيئة حزبية مغربية ، بقدر انتمائه المعنوي إلى فئة الكتاب العرب المستقلين ، المدافعين عن القيم الديمقراطية المتعارف عليها دوليا ، فإن هكذا مواقف سياسية سعودية متشنجة ، لا تثير أي استغراب أو تحسر ، فمن حق حكام آل سعود أن ينهجوا طريقا نحو تجسيد ” مصالحهم الحيوية ” ، و من حقهم أيضا أن يختاروا ” أصدقاء جدد ” ، ” يؤمنون ” مطاراتهم و ” يحمون ” المرافق العامة لبلادهم ، و من حقهم أخيرا و ليس آخرا أن يستهجنوا المشترك البشري الراهن ، من حكامة رشيدة و مساواة بين الجنسين و رفض لحرية التعبير و المعتقد .. لكن ليس من حقهم أن يحرموا الآخرين من مكتسبات تبلورت نتيجة تضحيات سياسية و أهلية سنين عددا .

لا نكن أي عداء للمملكة العربية السعودية ، و نرجو لها كل خير و ازدهار ، فهي دولة مركزية دينيا و ماليا ، و يمكن أن تصبح قطرا عربيا بالغ التأثير إقليميا و عالميا ، شريطة أن تدرك أن الطفرة المالية وحدها لا تصنع القوة ، فهذه الأخيرة هي نتاج استنبات دولة مدنية حديثة تؤمن بالديمقراطية كنظام للحياة الإنسانية الراهنة ، و الفصل بين السلطات ، و استقلال القضاء ، و التنافس الحر على السلطة عبر انتخابات شفافة و عادلة ، و رؤية علمية عقلانية للإنسان و المجتمع و الكون . و غني عن البيان الإشارة إلى أن الهجوم السياسي و الإعلامي السعودي الشرس على المغرب ، سببه الأوحد موقف المملكة المغربية المتوازن و المعتدل من الأزمة الخليجية الأخيرة ، و رفضها الاصطفاف إلى جانب دول حصار قطر ، فالمملكة المغربية لن تتواطأ مع أي كان ضد دولة عربية شقيقة ، و لن تتدخل في شؤونها السياسية و تصادر استقلال قراراتها السيادية . صحيح قد تنزع السعودية و أخواتها إلى الانتقام من المغرب ، و تعمل على لي ذراعها في موضوع بالغ الحساسية ألا و هو الصحراء المغربية ، و قد بدأت في ذلك ، لكن على دول الحصار أن تدرك أن المغرب مصر على استكمال تجربته الديمقراطية الجنينية ، و سواء كسب رهان تنظيم المونديال أم لا ، فإنه غير مستعد للتخلي عن مبادئ الأخوة و تطلع الشعوب العربية إلى الحرية و العدالة و التضامن و العمل المشترك ، فاللون الرمادي لم يكن مقبولا و لن يكون كذلك في المملكة المغربية ، فقد ولى زمن الابتزاز و المساومة على مبادئ حقوق الإنسان و المواثيق الدولية التي تعلو و لا يعلى عليها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *