منتدى العمق

صيحة في جدال الدعوة إلى المساواة

في إطار هذا السجال الواسع الذي علا صوته مجتمعنا حول قضية المساواة في الإرث وإلغاء التعصيب ،نحاول على قدر المستطاع أن نخط كلمات نقول من خلالها لهؤلاء المنضوين تحت عباءة التجديد :إن الله عز وجل لما وضع شريعته لعباده كدستور يتماشون بتعليمه _وبصفته رب الكون يفعل في كونه وخلقه ما يشاء _ وضعها على شقين أساسيين :

الأول : تشريع أشياء قطع فيها الحكم لنفسه ، ولا دخل فيها لخلقه .

الثاني : تشريعات لم يقطع فيها بالحكم ،وإنما تركها محل اجتهاد بين يدي العلماء المتخصصين .

ومن الشق الأول الذي قطع الله الحكم فيه : مسائل الإرث التي تكلف عز وجل قسم مسائلها بنفسه ،وقال في آخر بيان هذه الفرائض ” فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما ” ( النساء / الآية 11) ولم يترك الله عز وجل مسائل الإرث بيد العباد ،لأنه العليم بأهواء نفوس عباده التي يغلب عليها الطمع والجشع والقوة ، فيظلم صاحبها العباد ويحرمهم من حقوقهم ، ولقامت بذلك النزاعات والخلافات والفرقة والقطيعة ، ولما استوت بذاك فريضة ولا قسمت تركة . فمن رحمته سبحانه بعباده، وحرصا منه عز وجل على إبقاء أواصر الوصال والمحبة والئام ، قسم هذه المسائل بنفسه وعدله .

وتقسيم الله عز وجل لهذه الفرائض قائم على العدل لا على المساواة ، إذ إن المساواة إذا لم تكن مبنية على العدل غالبا ما تكون ظالمة . ويكفي الباحث عن الحقيقة أن ينظر في آيات الإرث التي جاء بها القرآن الكريم ، ليدرك حقيقة الحكمة الربانية والعدل الإلهي الذي قسمت على أساسه هذه الأنصب .

فهذه الحكمة وهذا العدل الذي لو بلغ الإنسان ما بلغ في مستوى تحقيقه ما بلغ درجة عدل الله عزوجل ، لأن البشر يعدل مع عاطفته ، والله عز وجل يعدل على أساس ما تقتضيه حياة الإنسان ومصلحته . ومن هنا فإن هؤلاء الذين يدعون إلى هذه القضايا- ويبررونها بإدراك حق ضائع للمرأة، وتحقيقا لمصلحتها – يتطاولون على الله عز وجل وكأن لسان حالهم ومقالهم يقول: بأن الله عز وجل ظلم المرأة وأنهم هم أعلم بمصلحتها وحالها منه سبحانه . وما هذا إلا تعال على أحكامه وشريعته ، وهو سوء أدب مع الله ، من إنسان ضعيف عاجز لا يدري مآل ومصير دقيقته التي يعيش فيها . فما نقول لهؤلاء إلا أن هذه شريعة الله عزوجل شرعها لعباده في أرضه وفي كونه ، لا يمكن لأحد أن يأخذ فيها برأيه واجتهاده ، وليس له إلا أن يقبل بها أو يرفضها . فلو فرضنا مثلا ولله المثل الأعلا : أن شخصا شيد معملا ووضع لسير الأعمال فيه شروطا ، فهل يحق لعامل أن يأتي إلى صاحب المعمل ليطالبه بتغير شرط من هذا الشروط . الجواب سيكون بالطبع لا . ولا يقال له إلا إحد الكلمتين : إما القبول وإما الاستقالة . فإذا كان هذا مع قوانين العبد ، فكيف بقوانين الخالق وشريعته .

وبالتالي : فإن هؤلاء الذين يدعون إلى هذا هم أعلنوا حربا على الله ومع الله . ولا شك أن الخاسر معلوم . ” إنا نحن نزلن الذكر وإنا له لحافظون “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *