منتدى العمق

أزمة القيم في المجتمع المغربي

أصبحنا مؤخرا نشهد تنامي عدة ظواهر سلوكية سلبية سواء داخل المؤسسات التعليمية أو في المجتمع وكلها تؤشر على أزمة منظومة القيم مدرسيا نلاحظ تفشي ظواهر العنف(إلى حد القتل) والغش وغياب الاحترام والانضباط و روح المسؤولية، وتحقير قيمة العمل والاجتهاد،وتخريب المنشآت المدرسية ومجتمعيا نلاحظ كذلك تفشي ظواهر الجريمة بكل أنواعها، والسطو والسرقة،والاغتصاب،تفشي الرشوة ونهب المال العام والممتلكات العمومية، تخريب المنشآت العامة، غياب روح المسؤولية المهنية والإخلاص في العمل،غياب الروح الوطنية والتضامن الجماعي والتفاني في خدمة الصالح العام، غياب قيم احترام الآخر والتسامح والإيثار…بل هناك نزعات صراعية ذات حمولة إثنية أو طبقية أو جغرافية مجالية أو رياضية أو جنسية(رجل/امرأة) أو جيلية الملاحظ أن الكثير يحمل مسؤولية أزمة القيم داخل المجتمع المغربي إلى المدرسة وإفلاس منظومة التربية والتعليم إلى أي حد هذا صحيح؟

إن التحليل التاريخي والسوسيوثقافي للمجتمع المغربي خلال العقود الأخيرة (على الأقل) يجعلنا نقر بأن المجتمع المغربي عرف،ويعرف،انتقالات عنيفة منمجتمع تقليدي تحكمه قيم محافظة ودينية وجماعية متضامنة،إلى مجتمع”معاصر” تحكمه قيم ليبيرالية رأسمالية(لكن مع الأسف في شكلها المتوحش) “الغاية تبرر الوسيلة” ولو كان ذلك على حساب الضوابط والمعايير المشروعة وغير المقبولة أخلاقيا، وتحقير العمل المشروع وقيم الاستحقاق والكفاءة والمسؤولية ،تفشي الثقافة المادية التملكية و الجسدوية اللذوية الغرائزية،و الاستلاب الاستهلاكي وتسليع المجتمع والعلاقات الإنسانية،تسطيح الوعي  والعلم، الفساد السياسي والاقتصادي، تفكيك بنية الأسرة التقليدية ومفهوم الجماعة في الثقافة والمجتمع التقليديين إن هذه القيم الليبيرالية الرأسمالية المتوحشة تم ويتم ترسيخها عبر عدة وسائل ومؤسسات التنشئة المجتمعية والعمومية،التي لها تأثيرات دائمة وخطيرة على الفرد والمجتمع (وسائل الإعلام والاتصال الحديثة التلفزيون، الفضائيات، الانترنيت، الأغاني، السن يما…)،مما يجعل دور الأسرة والمدرسة يبقى ضعيفا أمام هذه الآلات الدعائية والتنشئوية الضخمة التي تصنع التمثلاث والاتجاهات والأذواق والقيم والسلوكيات في مجتمعاتنا المعاصرة،والتي تقف وراءها مصالح اقتصادية /أو سياسية لديناصورات ضخمة(مرئية او مخفية) لا يهمها سوى الربح بأي ثمن،وجعل الأفراد والجماعات الإنسانية مجرد “آلات حيوانية” يتم التحكم فيها من بعد أو قرب.

ماهي مسؤولية المدرسة كمؤسسة وطنية عمومية للتنشئة والتربية في أزمة القيم هذه ،وفي لعب دورها الوطني العمومي في معالجتها وتجاوزها ؟

أظن أن المدرسة المغربية ،من خلال الإصلاح التعليمي الأخير،المجسد في الميثاق الوطني للتربية والتكوين،وعبرأجرأته على مستوى المناهج والبرامج والكتب المدرسية وقد حاولت(المدرسة)معالجة مسألة القيم داخل المجتمع المغربي،وذلك من خلال اعتماد مدخل التربية على القيم في المنهاج التربوي الجديد(أوذاك المنقح مؤخرا للتوجهات والبرامج التربوية في التعليم الابتدائي) والذي يشمل قيـم العقيدة الإسلامية، و قيـم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية،وقيم المواطنة و قيـم حقوق الإنسان ومبادئها الكونيـة.

ومن القيم (المتضمنة في اختيارات وتوجهات المناهج والبرامج التربوية) التي تروم المدرسة تربية المتعلمين عليها نجد على سبيل المثال تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاكتشاف، تنمية الوعي بالواجبـات والحقوق والتشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف، تنميـة القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني،التحلي بروح المسؤولية والانضباط،تثمين العمل والاجتهاد والمثابرة، التفاعل الإيجابي مع المحيط الاجتماعي على اختلاف مستوياته…

كل هذه القيم الإيجابية نجدها متضمنة في البرامج والكتب المدرسية،ويتلقاها المتعلمون كدروس مستقلة أو كحمولات تربوية في بعض المواد الدراسية.لكن الإشكال والمفارقة لماذا نجد سلوكات أغلب تلامذتنا لا تعكس ماتم تربيتهم عليه من قيم داخل الفصول الدراسية؟هل الأمر يعود إلى فشل ديداكتيكي؟ أم إلى طبيعة شخصية المتعلم والمتعلم نفسهما؟

أظن أن الجواب قد يكون جزئيا هو الفشل الديداكتيكي في التربية على القيم،حيث يتطلب الأمر إيجاد صيغ ونماذج بيداغوجية وتقويمية أكثر فعالية،أوهو بشكل كبير طبيعة شخصية المتعلم التي يبقى تأثير المدرسة في تشكيل أبعادها الوجدانية والقيمية جد ضعيف،أمام التأثير الخطير والكبير لوسائل ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى،ومنها خاصة وسائل الاتصال والإعلام الحديثة (التي أشرنا إليها سابقا) والأسرة التي تعرف اختلالات كبيرة،نظرا لأزماتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية،مما جعلها تستقيل بشكل شبه كلي من لعب أدوارها التربوية الإيجابية وكذا “ثقافة الشارع ” ،حيث صار الشارع “الأسرة” والمدرسة” الجديدين والذي أصبح الأطفال والشباب يقضون جل أوقاتهم فيه بعيدا عن رقابة الأسرة والمدرسة معا وعليه، أظن أن مسألة أزمة القيم في المجتمع المغربي هي مسألة معقدة ومركبة،وتتطلب معالجة مجتمعية شمولية(تربوية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية ،سياسية، إعلامية…)، وهي مسؤولية كل وسائل ومؤسسات التنشئة الاجتماعية،من مدرسة وأسرة ووسائل الإعلام والاتصال وأخيرا لمعالجة إشكالية أزمة القيم في المجتمع والمدرسة المغربية يجب أن نجيب بشكل جماعي ومسؤول عن عدة أسئلة مركزية،وترجمتها إلى سياسات عمومية وقطاعية حقيقية، ومنها ماهو مشروع الإنسان والمجتمع الذي نريد؟ وماهي المعارف والإيديولوجيات والقيم التي نريد لتحقيق ذلك؟ وماهي المؤسسات والسياسات المسؤولة والمؤهلة لتحقيق ذلك؟ وماهي الوسائل الناجعة لتفعيل ذلك؟ أما أن نترك الإنسان والمجتمع المغربيين بين مرجعيتين حضاريتين ملتبستين ومفارقتين لمنظومة القيم تقليد غامض ومتناقض مع واقعه المحلي المعيش وعصره العالمي المفروض،وحداثة(رأسمالية ليبرالية) متوحشة ومعطوبة وسطحية،فإن ذلك لن ينتج لنا سوى أزمات قيم،وإنسان متأزم وهائم،ومجتمع متأزم فاقد للبوصلة والمدرسة مهما ربت على القيم والأخلاق الفاضلة،فإن درس القيم ينتهي سلوكيا ومعرفيا عند الخروج من أسوار المدرسة إلى مجتمع متأزم وفاسد قيميا،فاقدا لبوصلة حضارية ومجتمعية واضحة وموحدة.

* الثانية بكالوريا علوم إنسانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *